رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مع سعادة وكيل الداخلية «2»!!


فى الجزء الأول من المقال، سألت : هل بات داء النفاق ومغازلة الأعلى مكانة بالتزلف والترخص، والتقرب إلى أصحاب المعالى والعزة والرفعة والجاه فى كل عصر سلوكاً فطرياً طبيعياً يتنفسه الناس فى بلادى شهيقاً وزفيراً على أرض المحروسة حتى نكاد نحتسبه ـ دون مبالغة ـ ضمن المركبات الجينية الجوهرية الساكنة فى تركيبة المواطن؟! لقد تم تعزيز سلوكيات هؤلاء المرضىبداء النفاق بالكثير من طرق وتقاليد غير تربوية أظنها باتت تشكل خطورة عند انتقالها وتوريثها إلى فلذات أكبادنا فى البيت والمدرسة والنادى على أنها لون من الالتزام بمبادئ احترام الكبار، فإذا بها تصل إلى حد التدريب على فنون النفاق والاسترضاء وتقديم « السبت» للحصول على « الأحد» كما يقول المثل العامى مدعمة بمشاعر القلق والخوف من الأكبر وما يملكه من سبل العقاب، وأن لكل شىء ثمنا يجب أن يُدفع حتى لو كان على حساب الكرامة واحترام الذات.

وعرضت مثلا قديما لاستعطاف وكيل لوزارة الداخلية فى مطلع القرن الماضى كنموذج صارخ فى هذا الصدد باستثناء التغيير فى أنماط التعبير، فلم يعد هناك استخدام الزخارف والمحسنات اللفظية والمبالغات الممجوجة والتكرار الممل، حيث حدث توسع هائل فى استخدام أشكال النفاق حتى بتنا نرى كل يوم بدعاً جديدة واستخدامات أكثر فجراً وفجاجة، وفى أوساط ومجتمعات لم نكن نتخيل أن يتخللها هذا السلوك وصرنا نسمع ونشاهد النفاق الإذاعى والتليفزيونى والإلكترونى بداية من محافل وصالونات النخبة وأهل الرأى وحتى مواقع الدرس والبحث العلمى، بل والأخطر فى المؤسسات الدينية .. فى كنيستنا المصرية على سبيل المثال يتفانى بشكل مبالغ فيه بعض الكهنة فى ممارسة سلوكيات الاحترام والتقدير واتباع الطقوس الدينية فى إعلان الولاء للمطارنة والأساقفة وقداسة البابا، وحتى وصل الأمر على سبيل المثال لإنفاق مبالغ هائلة لتهنئتهم أو تقديم واجبات العزاء وتمنيات الشفاء العاجل والدعاء بالوصول بسلامة الله لأرض الوطن على صفحات الجرائد القومية والمستقلة والدينية بنشر صورهم الملونة وبأحجام كبيرة وإشغال مساحات مفزعة وصار الأمر وكأننا بصدد متابعة نوع من التسابق بين الكهنة والقساوسة لكسب الرضا رغم أن المسيحية فى كل تعاليمها تدعو إلى الزهد وعدم السعى للحصول على المجد الأرضى الزائف، ويحدث هذا رغم حالة الإحباط الأدبى التى يعيشها الكهنة على وجه الخصوص، لأن الكاهن هو الشخص الوحيد الذى لا سبيل لترقيته أدبياً ومهنياً، بل على العكس يُفاجأ عبر حياته الكهنوتية بشاب قد يكون فى عمر أولاده قادماً من الدير أسقفاً على الإيبارشية التى تقع كنيسته فى دائرتها التى أعطاها كل عمره يمارس عليه طقوس الإدارة والرئاسة والتوجيه والإرشاد والعقاب والمكافأة فيضطر إيثاراً للاستقرار الالتزام بمقولة « على ابن الطاعة تحل البركة « حتى وصل الأمر فى مرحلة ما إلى حد تجمع أكثر من 500 كاهن- كما ذكرت الصحف- فى احتشاد لإطاعة قيادات الكنيسة وتأييدها فى تصعيد غريب لمناهضة فكر قد نختلف أو نتفق معه للدكتور جورج حبيببباوى مؤخراً، وفى موقف آخر للتظاهر ضد عرض فيلم «بحب السيما» استجابة لرغبة إدارية كنسية ضد حرية الإبداع للأسف!!

ألا يكفينا تعليم أجيالنا الطالعة النفاق فى كتب المطالعة والنصوص الشعرية والنثرية، وعبر تعاليم إدارة المدرسة، ومن خلال ممارسة الطقوس الأبوية التقليدية الفولكلورية العبيطة حتى تضاف صور النفاق عبر المؤسسات الدينية، يحدث هذا رغم آيات الكتب المقدسة التى تدعونا بوضوح لرفض كل صور النفاق وأقوال وأفعال المنافقين .. فى القرآن الكريم «إن المنافقين فى الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً»، وفى الكتاب المقدس يحذر أهل النفاق «فتعقب أهل النفاق مستقصياً آثارهم وأحرق الذين يفتنون شعبه بالنار» ..