رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جنيه فكة .. قصة لـ "يسرى أبو القاسم"

جريدة الدستور

خرج من نقابة المحامين بالقاهرة.. يحمل حقيبته المكتظة بأوراق القضايا .. لم يك روب المحاماه هو حلمه ذات يوم .. بل كان بالطو الرسّام ..هو الذى يشغل فكره .. كثيرا ما تمنى أن يكون رساما فى والت ديزنى .. تذكر يوم عرض على والده المحامى الشهير أن يلتحق بكلية الفنون الجميلة.. ليبدأ رحلته مع الرسم.. لكن والده كان صارما.. وعنيفا فنهره بكلمات قاسية.. مازال يذكرها رغم مرور عشر سنوات ..
رسم ايه وكلام فاضى ايه ؟ ياخايب أنا عاوزك تبقى قاضى أو محامى كبير تهز المحكمة .. وانت تقولى رسام .. ابنك اتجنن ياشريفه . .
التحق بكلية الحقوق ارضاء لوالده .. وتخرج فيها بدرجة مقبول ..والحقيقه أنه لم يكن يطمح فى أكثر من ذلك .. تبخرت أحلام والده فى أن يلحقة بالنيابة العامة.. لكنه ألحقه بمكتبه.. وجعله مشرفا على محامين.. تخطوه بسنوات فى العلم وسنىة التخرج ..
ولأنه فنان ضاق زرعا بمهنته فتغيب عن المكتب ..وانشغل بفنه.. فما كان من والده إلاّ أن مزق كل اللوحات ..وألقى بها فى الشارع .. أمام عينيه ..هذا بخلاف وصلة الشتائم ..
هرول الى الشارع دون وجهة .. ساقته قدماه الى مسجد السيدة زينب.. ربما لشعوره بالعجز ..وهى أم العواجز .. صلى الظهر فى جماعة .. أدهشه منظر المصلين والمريدين والمجاذيب ..فخرج من المسجد ثم عاد بعد نصف ساعة.. ومعه لوحات وأقلام وبدأ يرسم شكل الضريح والمحيطين به ..
وقبل آذان العصر دخل عليه أحد المجاذيب حاملا مسابح خشبيه وزجاجيه حول رقبته .. وتمتم بكلمات غير مفهومة.. ثم أمسك باللوحة ومزّقها.. وكسر الأقلام ثم وضع اللوحة الممزقة والأقلام فى كيس من القماش يتلفح به ..
ولم يكتف المجذوب بذلك.. بل جذبه إلى الخارج .. بقوة مصحوبة بصوته المزعج الذى هز المسجد لكنه لم يحرك ساكنا فى الموجودين .. وألقى به خارج المسجد فاصطدم بوالده .. علم أن والده هو من دبر له هذه المكيدة .. فقرر ألا يعود إلى المنزل مرة أخرى وعمل بمكتب محاماة آخر ورغم أن الناس يقولون من أحب مهنته أحبته إلا أن صاحبنا لم يحب مهنته لكنها أحبته .. وأعطته أكثر مما تعطى عشاقها ومريديها .. تزوج من بنت خالته فقط لأن والده لا يحبها ..وأنجب منها ثلاثة أبناء وغيّر محل سكنه وسيارته أكثر من مرة .. فى ست سنوات أستطاع أن يحقق ما يحلم به أى شاب فى مصر إلا هو .. فى السابق لم يكن لديه المال لذا لم يحقق حلمه واليوم لديه من المال والمسؤليات مايمنعه من تحقيق حلمه ..
شد نفسا عميقا وقال : أنا انسان تعيس
وصل إلى مكتبه فى منطقة وسط البلد ..وهو عابس الوجه.. فإذا بشاب فى مثل عمره يستوقفه ويقول : باشا ممكن جنيه فكة .