رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إثم بلا كفارة قصة لـ "سوزان يونس"

جريدة الدستور

باليوم يكون قد مر شهر كامل وبضع عشر يومًا علي قرارها بأن لا تكمل حياتها معه يوم أقسمت بالله مرة وألف مرة ألا تحبه ثانيه .

يوم طمئنت القلب أنه لم يعد بداخلة موجود أنه أصبح منذ يومها معافى مقبلًا على الحياة في زهو ربيعي غير مسبوق.

يوم أعجبت بقدرتها وشجاعتها علي إقصاؤه، إقصاء الحب من حياتها كلها آمنة مطمئنه.

اليوم أصبحت تكره الرجال، لأنهم أبناء جنسه، إنه دليل دامغ على أنه في طبعهم الخذلان والقسوة والهجر، الحياة ربما كانت أجمل لو أنها بلا رجال، لا بأس فقد غضت الطرف عنهم فلم يبقوا في حياتها ولا الحياة كلها بالنسبة لها.

لم تستيقظ على صوت منبهها كالعادة ولا حتي في موعدها، ألم بالرأس يؤرقها منذ البارحة، لم تستطع التخلص منه أيقظها رغم عنها.

رأت جدتها قد استيقظت كعادتها من اجل أن تصلي الفجر وقد ارتدت عباءتها، أخبرتها أن الغلة قد نفذت من البيت وعليها شراء غيرها وأنه يجب أن تذهب الآن لتأتي قبل زحمة السوق.

استمعت إلي حديثها في رد فعل سلبي اعتادت عليه، لطالما منعوها من الذهاب للسوق وطالما حذرها الطبيب من أن تحمل أشياء ثقيلة لكنها تأبي إلا أن تنفذ رغبتها، تقول أن جلوسها في البيت والموت سواء أن أردتم حبسي ادفنوني إذًا، حياة بلا عمل بلا قيمة، وإنسان بلا عمل بلا أدميه.

أخبرتها أنها لن تعود ولن تحاول النوم إلا بعد أن تأتي، وصلتها إلي باب البيت وخرجت في أثرها كان الضباب يعم المكان كله، أخذت تسير حول البيت فتره تتأمل الضباب، خيل إليها أن حياتها يومًا كانت تشبه كان علي قلبها غشاوة أعمت عيناها، لتحبت من لم يحبها، إن كان لا داعي للحديث الآن، لكن تريد أن تذًكر نفسها بين الحين والحين أنها قويه، قهرت حبه بداخلها وأذهبته في غير رجعة، لم تستسلم إلي وجعها، ثمة خذلان يجعلنا أفضل يجعلنا نكتشف ذاتنا القوية ونحبها، هي إذًا تسحق الحب أكثر منهم.

أصابتها نسمات برد خفيفة، السماء توشك أن تمطر، ذهبت إلي الداخل لترتدي شيء تقيل وتعاود الخروج ثانية الطريق خالًا إلا من قلة ليسو بالأهمية التي تجعلنا نقبع في منازلنا وألا نجالس المطر ونحتضنه.

بمجرد ما أن وصلت إلي الداخل سمعت رنين الهاتف وقد أوشك علي الانتهاء ولم تستطع أن تلبيه؛ فأغلق، قد جاءتها رسالة عبر "الواتس اب" رقمه الذي توقف عن الإرسال منذ أكثر من شهرين وتوقفت هي عن مراسلته منذ شهر وأثني عشر يومًا، تذكرهم جيدًا كأنهم الأمس، ما من إمراءة إلا لتذكر موعد جرحها جملة وتفصيلًا.

"لا مجال لأفعال الصبيانية الآن، لم يعد بيننا ما تتجاهليني لأجله، هناك أمر أكثر أهمية، جدتك تعثرت في الطريق أثر الضباب رأيتها وأنا في طريقي للبيت، أخبرتني أنك مستيقظة لذا أرسلت لكِ، انتظري سوف آتي بها إليك".

ياله من غبي لن يتوقف أبدًا عن رده الجاف الذي يفسد كل شيء، الذي أفسد حبنا، لا وقت للعنة الآن، ما ينبغي أن استقبله سوف أوقظ أختي "ملك" لاستقباله، سوف أوقظ ماما، بل استقبله أنا !

وأرده من الباب فقد رفض دخوله بإرادته، اليوم امنعه بإرادتي..

قبل أن تخطي خطوة واحدة نحوه وجدته أمامها يحدق فيها، تراجعت في هزيمة.. حقًا كلماته جافة لكن عيناه تحنو، كانت تخبرها دائمًا بكل ما منعه كبريائه أن يقوله، عيناه تقول أنه مازال يحبها، اللعنة على "الواتساب" الذي كنا نتحدث عبره، اللعنة على كل وسليه إليكترونيه بلا عنين وبلا قلب وبلا روح، لو كانت عيناه أمامي وقت أخبرني بأنه لم يعد في صالحنا أن نكمل سويًا، لكذبته لطلبت إليه أن ينظر في عيناي ويخبرني أنا واثقة بأنه لم يكن يستطع.

عليهم أن يحرموا البعد على الأحبة عن طريق الرسائل، كما الطلاق، عليه أن ينظر في عين من يحب ويخبره ثلاث "لم أعد أريدك" "لم أعد أحبك" ، ثق أنه سيهزم قبل أن ينطق الأولي.

رفعت عيناها إليه في لهفة كالذي ضل الطريق مائة عام والآن أهتدي، كمن عاش عابثًا والآن وجد قِبلته، ذهب القسم سدي! لم تستطع .. لازالت تحبه! كانت تكذب، توهمت فقط من أجل أن تعيش.

في تصرف أبله حدقت في تفاصيله تلومه وتروي ظمأ البعد في آن واحد، حنثت في يمينها، تمنت لو أن ينظر إليها لو أن تنظر إليه مرة واحدة لدقيقة واحدة، ثم لتكفر عن أثمها دهرًا وعمرًا كامل ..!

قطع عنها شرودها وقال:
- "أتبعيها إلي غرفتها لا تتركيها وحدها"
= وأنت !
- سأذهب
= لما ؟
- ماذا ؟! مازلت مجنونه
= مجنونه بك

ذهب ولم يبالِ تركها وحدها تعاني ما هو أعظم من كفارة يمين تركها تعاني أثم ليس له كفارة ولا يعرف التوبة، فما زالت تحبه !!