رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

غطاء قانونى لإهانة وإذلال المرأة المصرية «2»


أنهينا المقال السابق بقانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 64 لسنة 2010. ويهمنى فى هذا المقال تفسير هذا القانون الذى ينطبق على الزيجات التى تتم بين بنات صغار مصريات ومن يكبروهن من الأجانب بفارق كبير فى السن يصل إلى أكثر من 25 عاماً، وذلك نتيجة للعوز والحاجة التى تذل الناس وتجعلهم عرضة للتجارة بجسدهم أو أعضائهم. عرّف القانون الاتجار بالبشر بكل من يتعامل بأى صورة فى شخص طبيعى بما فى ذلك البيع أو العرض للبيع أو الشراء أو الوعد بهما، سواء فى داخل البلاد أو عبر حدودها الوطنية. واعتبر القانون الجريمة قائمة سواء تم ذلك باستعمال القوة أو العنف، أو استغلال السلطة، أو استغلال الضعف أو الحاجة، أو الوعد بمبالغ مالية أو مزايا مقابل الحصول على موافقة شخص على الاتجار بشخص آخر.

لقد جسدت السينما المصرية فى بعض أفلامها الرائعة هذه الزيجات القصرية، وبالتأكيد لن ننسى الرائع شكرى سرحان وهو ينطق بتطليق زوجته سعاد حسنى فى فيلم «الزوجة الثانية» تحت قهر وظلم العمدة ورجاله الذين أجبروه على تطليقها قسرا بتهديده بتلفيق التهم له وحبسه وتشريده وتشريد أسرته، مما جعل هذا الطلاق، وإن كان سليماً قانوناً، إلا أنه فى الحقيقة باطل. وزواج زوجته من العمدة رغم كونها مازالت فى شهور العدة باطلاً أيضاً. ولا ننسى الجملة الشهيرة على لسان الممثل القدير حسن البارودى: «الدفاتر دفاترنا والورق ورقنا».

وفى فيلم «شىء من الخوف» تم إجبار الأب محمد توفيق على الموافقة بتزويج ابنته «شادية» رغم أنها لم ترض عن هذه الزيجة ولم تقم بتوكيل أبيها، ولكنه رضخ تحت سلطة القهر واستغلال الضعف والحاجة كما يقول قانون مكافحة الاتجار بالبشر.

وإذا انتقلنا إلى الواقع المصرى، والذى بدأت تنتشر فيه هذه الظاهرة منذ ثمانينيات القرن الماضى، وذلك لأنه بعد سياسة الانفتاح الاقتصادى عام 1974، والتى كانت وبالاً وإفقاراً على مصر وعلى أغلبية شعبها، وبعد توقف الدولة عن توظيف آلاف الخريجين، وبعد ارتفاع الأسعار، كل ذلك جعل العديد من أبناء الوطن ينزح إلى خارج مصر علهم يجدون رزقهم، ويرجعون ببضعة آلاف من الجنيهات لتحسين أحوالهم. منذ هذا الوقت انتشر فى عدد من القرى المصرية الفقيرة فى بعض المحافظات ما سمى بالزواج السياحى أو زواج المتعة، وكان أغلبه يعتمد على البنات القاصرات. هذه الزيجات ينطبق عليها قانون الاتجار بالبشر لأن الأسر الفقيرة فى قرى مصر الفقيرة كانت تزوج بناتها، واللاتى لم يبلغن السادسة عشرة، لمن يكبروهن بفارق كبير يصل لأكثر من ثلاثين عاماً. وإننى أتساءل هل هذه الزيجة بها تكافؤ كما جرى العرف فى الزواج؟!

أى تكافؤ بين فتاة صغيرة تعتبر طفلة فى حكم القانون وبين كهل؟ وأى تكافؤ بين فتاة لا تعرف من أمرها شيئاً وأسرتها الفقيرة التى تسلمها لهذا الرجل؟ أليس هذا مما ينطبق عليه ما يقوله القانون «استغلال حالة الضعف أو الحاجة أو الوعد بمبالغ مالية أو مزايا مقابل الحصول على موافقة شخص على الاتجار بالبشر»؟

إن هذا الزواج يا سادة فى أوساط هذه الأسر الفقيرة التى لا تعرف أبسط حقوقها لا يتم توثيقه فى معظم الأحيان، ومعظمهم لا يعرفون القراءة أو الكتابة، ويقعون فريسة لمأذون أو محام من معدومى الضمير وأيضاً الفريق الطبى المسئول عن تسنين الفتاة التى لم تبلغ السن القانونية بعد.

إن هذه الزيجات يتم غالبيتها عن طريق زواج عرفى داخل مكتب أحد المحامين، وغالباً يكون ورقتا الزواج فى يد الزوج. ويتقاسم الجميع الأموال التى تم بيع البنت مقابلها. وكلكم تعرفون أن هذه الزيجات ينتهى معظمها إن لم يكن كلها إلى ترك الزوج لزوجته بعد مدة تطول أو تقصر، والذهاب إلى بلده، أو إذا أخذها معه، إما يجبرها على خدمة بقية زوجاته وأولاده، أو البعض يستخدمونها فى أعمال منافية للآداب. ومن تنجح منهن فى الهرب تصل إلى السفارة المصرية ويتم ترحيلها إلى مصر.

عادة لا يتم التوثيق الرسمى فى هذه الزيجات إلا بين الأوساط الأكثر تعليماً وتحضراً. هل ندفن رءوسنا فى الرمال مثل النعامة؟ أم نبدأ بمعرفة الأسباب الحقيقية وراء هذه الظاهرة وعلاجها عن طريق خطة لتنمية الريف المصرى وتشغيل الشباب والنهوض بالأسر المصرية الفقيرة ووضع خطط لزيادة ميزانية التعليم والتوسع فيه ليصل إلى كل القرى والنجوع، حيث إن 14% من القرى المصرية لا توجد بها مدارس، ويضطرالمصرون على التعليم والقادرون على دفع تكلفة المواصلات إلى الركوب لقرية أخرى، وأحياناً إلى السير على أقدامهم عدة كيلو مترات للوصول إلى قرية بها مدرسة. هل هناك خطة للقضاء على منابع الأمية الجديدة بالتوقف عن التعليم أو التسرب منه، خاصة الفتيات، بجانب محو أمية الكبار؟ ألا يمثل مثل هذا الزواج عنفاً ضد المرأة لما يسببه من مشاكل صحية ونفسية؟ هل هناك خطة لتجريم ومنع مثل هذا الزواج الذى يزيد فيه فارق السن عن حد معين معقول مع الأجانب كما اقترح البعض خمسة عشر عاماً؟ هل هناك خطة لوضع شروط لحماية الفتاة المصرية تحفظ حقها وحق أطفالها وتحفظ كرامتها وتضمن التزام الزوج وإلزام دولته بذلك تجاهها؟ إننا نأمل الكثير من وجود عدد من السيدات الفضليات داخل مجلس النواب للعمل على تشريع قوانين تصون كرامة المرأة المصرية؟