رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فتوح الشاذلى يكتب ..صرخة دوفيلبان


الحرب علي العراق بدون أدلة تقود إلي مواجهة بين الشرق والغرب وإلي تجذير للمواقف بين الطرفين بحيث يسود التشنج في مواجهة الإسلام .. وفرنسا ترفض المشاركة في شن حرب بناء علي مجرد شكوك .. بتلك الكلمات أطلق دومنيك دوفيلبان وزير خارجية فرنسا الأسبق صرخة مدوية أمام مجلس الأمن في عام 2003 لوقف آلة الحرب وتجنب الخراب والدمار ..لكنه تلقي الرد في الحال من كولن باول وزير الخارجية الأمريكي أثناء لقاء جمع بينهما في فندق «والدورف استوريا».. قال باول لدوفيلبان إن الأمور باتت محسومة، وأن الاستعدادات للحرب قد بدأت ..لم ييأس دوفيلبان خاصه أنه كان مدعوما وقتها من الرئيس جاك شيراك الذي اتفق معه في نفس المبدأ ونفس التوجه ..طرق دوفيلبان باب البابا يوحنا بولس الثاني بابا الفاتيكان لشرح وجهة نظر فرنسا فما كان من البابا إلا أن «خبط» 4 مرات متتالية علي الكرسي وهو يقول «لتعش فرنسا» معربا عن تأييده للتحركات الفرنسية لوقف الحرب. لم تنجح محاولات دوفيلبان في وقف آلة الحرب ومواجهة سماسرة السلاح ولكنه ظل يردد : صحيح أن الحرب قد وقعت لكننا أثبتنا أن هناك دروبا أخري هي دروب الحقيقة والعدالة والسلام.. كنا أوفياء لمبادئنا بالنسبة للسلام وحقوق الإنسان وبناء نظام دولي ليس حكرا علي أقلية تستخدمه ضد أكثرية.

تلك كانت الصرخة الأولي للسياسي والشاعر دومنيك دوفيلبان رئيس وزراء فرنسا الأسبق ووزير خارجيتها في عهد الرئيس شيراك .

وفي يناير من العام الحالي أطلق دوفيلبان صرخته الثانية التي أحدثت دوياً هائلاً في مختلف الأوساط.. قال دوفيلبان في حوار أجرته معه احدي شبكات التليفزيون الخاصة في فرنسا تعليقا علي أحداث شارل إبدو : إن تنظيم داعش هو الوليد المشوه للسياسة الغربية المتغطرسة والمتقلبة .. وأضاف دوفيلبان قائلا : إن قرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما بتشكيل تحالف دولي لمحاربة داعش هو قرار سخيف وخطير ،وإن كل حرب نخوضها علينا أن نخوض أخري لمعالجة عجزنا وعدم كفاءتنا في الرد علي التهديدات الإرهابية.. وأضاف دوفيلبان في رسائله الصادمة لقادة أمريكا وأوروبا : لقد حان الوقت لأن تتعلم أوروبا والولايات المتحدة من تجربة الحرب علي أفغانستان .. ففي عام 2001 الذي شهد ضرب أفغانستان كان لدينا بؤرة رئيسية واحدة.. أما الآن وبعد خوض عمليات عسكرية علي مدار الـ 13 عاما الماضية شملت أفغانستان والعراق وليبيا ومالي أصبح لدينا نحو 15 بؤرة إرهابية بسبب سياستنا المتناقضة، وأضاف أن تنظيم داعش يكشف الإرهاب الحقيقي ويبرئ المسلمين من هذه الأعمال الإجرامية وعلي الغرب أن يقف أمام الحقيقة المؤلمة التي شاركوا في صنعها.

وقبل الحوار بيومين كتب دوفيلبان مقالا في اللومند الفرنسية قال فيه إن فرنسا يتم جرها إلي حرب خارج السيطرة، وعلينا أن نحافظ علي القيم الديمقراطية للدولة الفرنسية وتعزيز السبل لبناء إسلام فرنسي معتدل.. وهنا انتهت صرخة دوفيلبان الثانية.

والآن ورغم مرور أكثر من 11 عاما علي صرخة دوفيلبان الأولي ..إلا أن الرجل كان كمن يصرخ في البرية.. فلا أحد استمع إلي تحذيراته قبل الحرب ولا حتي بعد وقوعها عندما طرح سيناريو للحل وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.. ووقعت الحرب علي العراق وحدثت المواجهة بين الشرق والغرب وساد التشنج في مواجهة الإسلام ،وتم تدمير وطن وتشريد شعب بأكمله بإرهاب أمريكي بريطاني قابله ظهور بؤرة من أخطر البؤر الإرهابية في العالم ..وهكذا فإن لكل فعل رد فعل .

ورغم مرور أكثر من11 شهرا علي صرخة دوفيلبان الثانية.. إلا أنها ذهبت أدراج الرياح واستمرت السياسة الأمريكية والغربية المتغطرسة التي أنبتت الوليد المشوه المسمي بداعش ، واستمر الخلط بين الإسلام والإرهاب .

ومن هنا وقعت الأحداث الدامية التي شهدتها باريس للمرة الأولي في التاريخ الحديث ،وعاش الشعب الفرنسي ليلة دامية سقط فيها أبرياء وتحولت الشوارع إلي حمامات دماء .

انهزم دوفيلبان وكل دعاة الحق والعدل والحرية والسلام.. وانتصر المجرمون دعاة الحرب والخراب والدمار.. والآن علي دوفيلبان أن يتوقف عن الصراخ ، ويتوقف عن مطالبته لأمريكا والغرب بأن يقفوا أمام الحقيقة المؤلمة التي شاركوا بقوة في صنعها.. لأنهم ببساطة صنعوا ذلك مع سبق الإصرار ..دمروا العراق وسوريا وليبيا واليمن وصنعوا داعش لإضعاف العرب واستنزافهم من أجل أن تعيش اسرائيل في سلام ..إنه الشرق الأوسط الجديد يا عزيزي دوفيلبان.