رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تعدد المعايير لا ازدواجيتها


انتشر الحديث فى أسبوع عن ازدواجية المعايير فى العلاقات الدولية خصوصاً بعد أحداث باريس يوم الجمعة الدموى 13 نوفمبر، حيث تعاطف العالم مع ضحايا الأحداث الإرهابية التى استهدفت أكثر من هدف فى وقت واحد منها استاد رياضى به مباراة كرة قدم كان يحضرها رئيس الجمهورية الفرنسية ومسرح به مئات من المتفرجين. وكان قد سبق هذه الهجمات هجومان انتحاريان على الضاحية الجنوبية فى بيروت العاصمة اللبنانية، وكان قد سبق قبلهم أن سقطت الطائرة الروسية فى سيناء وأثارت وما زالت تثير الكثير من القضايا ولا نعلم ما ستصل إليه التحقيقات رغم ما صدر من قرارات بعض الدول.

من يتابع الأحداث فى العلاقات الدولية يقول إن المعايير ليست فقط مزدوجة، بل إنها متعددة وتختلف وفقاً للدولة وإنتمائها القارى والإقليمى بل وبالنسبة للتنظيمات الإرهابية وللموقع الجغرافى، والأصل هو ما العلاقة ما بين الموضوع ومصالح الدول الأخرى. ولنأخذ مثالاً على دول ما يسمى بالشرق الأوسط أو العالم العربى، ونقارنه باستجابة العالم بأحداث باريس. هل نذكر فلسطينوما يجرى فيها منذ عام 1947 على الأقل؟ كم من أهل فلسطين قتلوا فى دير ياسين؟ وكم من الفلسطينيين قتل فى حرب غزة الأخيرة غير الذين أصيبوا بإصابات بسيطة وشديدة. لكن الغرب يجد إسرائيل التى تمارس إرهاب الدولة أهم كثيراً من كل الفلسطينيين الذين ماتوا منذ 1948 والذين يموتون، بل يقتلون بدم بارد، ولكنهم لا يهزون شعرة لدى الغرب بمن فيهم الفرنسيون الذين تعاطفنا معهم فى محنتهم.

هل نحتاج إلى أن نتذكر العراق وما يجرى فيها منذ عام 2003 وخسائرها، الشعب العراقى يخسر يومياً نحو مائة من أبنائه فى تفجيرات الله وحده يعلم مصدرها، هل تهز أنباؤه مشاعر أحد؟ أخشى أن أقول إننا نحن العرب اعتدنا على ما يحدث يومياً فى العراق وأصبحنا نمر على أخبارهم مرور الكرام، فما بالنا نلوم غير العرب؟ وماذا عن ليبيا وما جرى فيها وما يجرى فيها حالياً ما حجم خسائرهم اليومية التى تفوق ما تكبدته فرنسا فى ليلة ولم تزد كثيراً بعد ذلك؟ أما عن سوريا فحدث ولا حرج فما يسمى بالمجتمع العالمى لا يذكر عن سوريا سوى أنه يريد التخلص من بشار الأسد، ويصر على تجاهل حق الشعب السورى فى اختيار رئيسه.

من المضحكات ما يسوقه «المجتمع الدولى عن حقوق الإنسان عند دولة ما وعند غيرها. ففى مصر يتحدث الغرب عن الديمقراطية والرئيس المنتخب بينما يغض النظر عن حقوق الإنسان فى دول أخرى صديقة له وبعضها دول عربية وليس لديها تمثيل نيابى أو دستور أحياناً، ولكنه «على قلبهم مثل العسل» قارن مع قطر والخليج بشكل عام.

الأعجب أن يصل تعدد المعايير إلى التنظيمات الإرهابية، فالتحالف الدولى الذى تقوده الولايات المتحدة ضد الإرهاب يتعامل معها بمعايير مختلفة ومتعددة، وهو يضربها أحياناً بحنان، وهو أحياناً يساعدها عن طريق الخطأ كما يدعون، ومما يضحك أن تطلب الدول الغربية من روسيا أن تركز ضرباتها على تنظيم داعش فقط، بما يعنى عدم التعرض للعناصر الإرهابية الأخرى التى تمولها وتدعمها الدول الغربية علماً بأن داعش نفسها هى صناعة الولايات المتحدة الأمريكية هى أنشأتها وهى سلحتها وتسلحها عن طريق الطائرات التى التى تهبط «خطأ أو اضطرارياً» وهى محملة بالأسلحة، وهى تشترى البترول منها بأسعار شديدة الانخفاض ولولا الولايات المتحدة ما استطاعت داعش أن تستمر فى إمداد أفرادها بالأسلحة والذخيرة والمال. وربما من الغريب أن تتفاوض روسيا مع ما يسمى بالجيش السورى الحر وهو منظمة إرهابية أيضا، وهناك طبعاً فصائل إرهابية تقوم تركيا برعايتها وأخرى تمولها المملكة السعودية وأخرى تتولاها قطر وربما تساعدها الإمارات.

قضية الطائرة الروسية بها ملاحظات غريبة، وما غريب إلا الشيطان، بريطانيا تسحب مواطنيها من سيناء، ألمانيا وإيطاليا تحذو حذوها، ثم توقف روسيا رحلات طيرانها إلى مصر ويليها أوقفت روسيا رحلات مصر للطيران إليها فى إجراء غير مسبوق، وأعلنت أن الطائرة قد فجرت بعبوة دون أن تقدم الدليل على صحة المعلومة إلى اللجنة المختصة وهم أعضاء فى اللجنة. نحن حريصون على الصداقة مع روسيا لكننا ندعوها لاحترام قواعد التعاون معها دون أن نصر على تبرئة أنفسنا بالحق او بالباطل. هل يبقى حديث عن القانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى؟ العلاقات الدولية يحكمها قانون القوة بفروعها المختلفة. ولا يعنى هذا أن نتجاهل آلام الآخرين ولكن يجب أن نذكرهم دائما بموقفهم من ضحايانا، ونتذكر أن المعايير متعددة وليست مزدوجة فقط.