رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأزمة السورية.. تحرق أصابع من أشعلوها!


لا شك أن الأزمة السورية أصبحت فى طريقها إلى التعامل السياسى دون اعتماد كبير على استخدام القوة العسكرية بما فيها من أسلحة تدمير، ورغم أن الحل السياسى مطروح منذ سنين إلا أنه لم يجد التأييد الذى يحصل عليه الآن، وربما نتذكر أن روسيا الاتحادية قد طرحت مبادرة جنيف الأولى ولم تحقق نجاحاً، لأن الجانب المعارض فى ذلك الوقت والذى كانت تدعمه الولايات المتحدة وتركيا وقطر والسعودية سواء بالسلاح أوالمال وحتى المتطوعين من مختلف البلاد، هذا الجانب المعارض اعتبر أن الأساس هو إقامة حكومة مؤقتة كاملة الصلاحية وكان مفهوم المعارضة المؤيدة من الغرب لهذا الجزء من المبادرة هو استبعاد الرئيس السورى بشار الأسد عن السلطة، ولم يتورع رؤساء القوة الغربية عن الحديث عن أن الرئيس السورى جزء من المشكلة ولكنه ليس جزءاً من الحل.

كان الفريق المؤيد للسلطة فى سوريا يرى أولوية القضاء على الإرهاب حتى يمكن التوصل إلى حل سياسي، كما كانت المعارضة المسلحة بشكل عام وبتأييد من القوى السابق ذكرها تأمل فى صدور قرار من مجلس الأمن يفرض إقامة منطقة حظر طيران فى سوريا، وبالتالى يحققون توازناً، ثم تفوقاً على الجيش العربى السورى الذى أصبح يقاتل قوى واردة من مختلف بقاع الأرض بينما يلاقى دعماً محدوداً من كل من حزب الله اللبنانى ومن إيران، لكن الفيتو الروسى كان جاهزاً ليعترض على مثل هذا القرار.

كانت روسيا تتخذ موقفاً يعتمد التأييد السياسى لنظام الحكم واعتماد مبدأ أن الشعب السورى هو الذى من حقه أن يحدد من يتولى رئاسته، وبالتالى ليس من حق لا الرئيس أوباما ولا أولاند ولا كاميرون ولا غيرهم من القادة عرباً وغير عرب وبمن فيهم الرئيس الروسى أن يحددوا من يتولى رئاسة سوريا، وكانت تدعم الجيش العربى السورى بالسلاح وإن على استحياء، حيث كانت ترفض تزويده بأسلحة الدفاع الجوى، بينما كانت تركيا تستخدم قواتها الجوية فى الأجواء السورية وكانت القوات السورية أضعف من أن تواجه التهديدات التى تجمعت عليها من بلاد كثيرة.

حدث مؤخراً تطوران مهمان أديا إلى تغير فى طريق التعامل مع الأزمة السورية، وأعتقد ان العامل الأكثر تأثيراً كان تدفق اللاجئين على أوروبا وغالبيتهم من السوريين الذين أرادوا أن ينجوا بأنفسهم وعائلاتهم من نيران الحرب الجارية فى سوريا، والتى أدت نتيجة لأعمال الإرهاب والتفجير إلى تخريب كثير من الأصول السورية والتى طالما كانت نموذجاً للحضارة والجمال. هذا التطور أشعر القيادات الأوروبية بأن النار التى أشعلوها قد بدأت تحرق أصابعهم. وبضرورة التصرف لتقليل التيار المتدفق للاجئين من سوريا والمنطقة وهو ما لا يمكن تحقيقه دون الوصول إلى حل يوقف القتال فى سوريا بما يقلل من الدوافع التى تدفع سوريين إلى الهجرة إلى البلاد الأوروبية والتى يبدو أن اللاجئين يتصورون أنهم سيجدون حياة كريمة وربما سهلة فيها.

التطور الثانى هو التدخل الروسى لصالح النظام السورى خاصة أن الولايات المتحدة تقود منذ نحو عام تحالفاً تدعى أنه ضد الإرهاب أو ضد تنظيم «داعش» فى كل من العراق وسوريا وأنها ترفض التنسيق مع السلطة الشرعية فى سوريا بينما هناك شكوك واضحة فى علاقة الولايات المتحدة بهذا التنظيم الإرهابي، حيث نرى أن طائرات أمريكية محملة بالأسلحة قد هبطت «بطريق الخطأ» فى مناطق «داعش» ومن جهة أخرى فنحن نعلم أن الولايات المتحدة كانت قد أعلنت أنها ستقوم بتدريب عناصر من المعارضة السورية وتسليحهم، ثم وجدنا أن هؤلاء الأفراد الذين سلحتهم الولايات المتحدة ودربتهم قاموا وباعتراف الولايات المتحدة نفسها بتسليم أسلحتهم إلى داعش أو إلى تنظيم النصرة وهى لا فرق بينها. هل كان لا بد من أن تبقى روسيا محافظة على حيادها؟ أظن أن روسيا كانت فى هذه الحال تتسم بسذاجة دبلوماسية ليست من سمات السياسة الروسية على مدى التاريخ. هنا أعلن الاتحاد الروسى أنه سيقدم المعونة العسكرية للنظام فى سوريا إذا طلب ذلك، وهو ما كان طبيعياً أن تقوم به السلطات السورية، وفى رأيى أيضاً أن روسيا رأت أنها ليس عليها فقط تقديم المعونة إلى السلطات السورية والجيش العربى السورى، بل وأيضاً المحافظة على المصالح الروسية، وهو ما ترجمه الرئيس الروسى بالقيام بضربات جوية ضد العناصر الإرهابية فى سوريا.

هذا يعنى أن الذين يطمعون فى إسقاط بشار الأسد عسكرياً عليهم أن يبحثوا عن أسلوب آخر، وأصبح على قادة أوروبا أن يقبلوا بالتعامل معه ولو مؤقتاً حتى لا تحترق أصابعهم مرة أخرى.