رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فلاحو مصر لـ «الزراعة»: طفح الكيل «١»


إن وزارة الزراعة تسير عكس اتجاه الفلاحين، لأن حرق فلاح لقطنه فى الحقل بالشرقية منذ أيام قليلة مضت يدل على أن الكيل قد طفح من سياسات الوزارة فى التعامل مع أزمات المزارعين. إنه يتعين على وزارة الزراعة أن تبحث عن طريقة لتسويق المحصول وإنقاذ القطن والفلاحين. يعيش الفلاحون المصريون معاناة طويلة بوصفهم بشراً يعملون وينتجون فى ظل قوانين السوق العالمى التى ترفع شعار كل شىء قابل للتجارة والبيع حتى غذاء وحياة الإنسان وذلك بسبب فشل سياسات الحكومة المصرية والتى يتسم أداؤها بالإهمال والعجز والتخبط خاصة فى السياسات الزراعية مما يؤدى لمزيد من التدهور للأوضاع المعيشية وظروف العمل الزراعى وإهدار للموارد الطبيعية، فعلى الرغم من دخول مصر السوق العالمى فى وقت مبكر جداً عن مثيلاتها من الدول النامية بسبب منتجها الزراعى المميز «القطن»، الذى كان يمثل واحداً من أهم المنتجات الزراعية المؤثرة فى رفع معدلات الدخل والنمو بالنسبة للاقتصاد المصرى منذ أوائل القرن الماضى إلا أن هذا المنتج تراجع من موقعه عالمياً بالنسبة لمصر نتيجة لتفوق العديد من الدول «حتى النامية منها» فى الاعتناء بزراعة القطن بالإضافة إلى الإهمال الشديد من قبل الدولة لمزارعى القطن وزيادة الأعباء عليهم نتيجة لتطبيق العديد من السياسات التى أثرت سلباً على أوضاعهم المختلفة وذلك منذ ما يزيد على ثلاثة عقود متتالية، إن انخفاض أسعار القطن هذا العام والذى أدى إلى خسارات قدرت بحوالى 40% من اجمالى بيع المحصول، حيث بلغ سعر القنطار 550 جنيهاً مقارنة بالعام الماضى، حيث كان يبلغ حوالى 1100 جنيه ،هذا والجدير بالذكر أن فدان القطن ينتج ما بين 5-7 قناطير، لذلك فإن خسارة الفلاحين هذا العام وصلت إلى أكثر من ألف جنيه فى الفدان الواحد لأن متوسط التكلفة الإجمالية للفدان يبلغ حوالى أربعة آلاف جنيه من ايجار الأرض وشراء أسمدة وبذور ومبيدات ومصاريف جنى وزراعة ورى ...الخ وأن سعر بيع محصول هذا العام قدر بمتوسط يبلغ 3500 وبالتالى لم تتم حتى تغطية تكلفة عملية الزراعة. والحكومة يجب أن تبحث عن حلول لوقف خراب البيوت والذى أدى إلى حبس الفلاحين فى النهاية وبوار الارض وذلك بدلاً من اتهام الفلاحين بخلط القطن طويل التيلة مع قصير التيلة فأسعار الطويل والقصير انخفضت كما لا يجب اتهامهم زوراً بزراعة أراض زيادة عن المساحة المطلوبة بنسبة 30% فهل الزيادة فى الزراعة تخفض السعر إلى أقل من 50% ؟! إن مصر كانت تزرع ضعف المساحة المنزرعة حالياً قطناً قبل عشرة أعوام، حيث كان القطن عنوان الزراعة المصرية ولم يكن السعر بهذا المعدل المنخفض.

إن موسم جنى القطن لم يعد عيداً للفلاحين، حيث إن المحصول يشغل الأرض حوالى سنة «9 شهور من فبراير إلى أكتوبر» لذلك فإن وزارة الزراعة وبدلاً من حديث الإصلاح الزراعى فى وسائل الإعلام المختلفة وتطوير الزراعة الآلية والمعلوماتية وإنشاء روابط وهمية للرى المطور والصرف المغطى والإرشاد والتسويق ..الخ يجب أن تقوم بدورها فى دعم الفلاحين وتعمل على تنمية الزراعة المصرية خاصة المحاصيل الاستراتيجية مثل القطن. كما يجب عليها أن تخفض تكاليف الزراعة بالنسبة لمحصول القطن، حيث يقوم الفلاحون بشراء مبيدات بحوالى 800 جنيه للفدان أو تستبدل رش المبيدات بتطبيق البرامج المتكاملة البيولوجية و ترفع عنهم مخصصات البنك والجمعية التعاونية والتى تصل إلى حوالى 200 جنيه للفدان وأن تدعم الفلاحين لإنتاج البذور الطبيعية ذات الإنتاجية العالية وتتابع وترشد الفلاحين إلى أساليب مكافحة الإصابات والتخلص من حشائش الترع والمراوى وتدعم مستلزمات الإنتاج وتنظم تطبيق الدورة الزراعية والمكافحة الحيوية المتكاملة بهدف القضاء على دودة اللوز الشوكية والقرنفلية ولابد من الإعلان عن أسعار الأقطان قبل زراعته بسعر لا يقل عن سعر التكلفة التى يقوم الفلاح بصرفها على المحصول مع وجود هامش ربح بسيط يدفعه نحو زراعة المحصول خلال الأعوام المقبلة.

إن وزارة الزراعة وقفت موقف المتفرج من أزمة انخفاض سعر القطن، حيث اتسم أداؤها لحل المشكلة بالاهمال والتخبط والعجز كما أكدت بعض التصريحات الرسمية فبداية من الإعلان عن أن السيولة المتوافرة لا تكفى لشراء كميات القطن والتى وصلت إلى 200 مليون جنيه وذلك نتيجة زيادة التوريد لانسحاب الشركات بعد انخفاض الأسعار العالمية عجزت الوزارة عن توفير كامل المبلغ وأتاحت حوالى 41% فقط منه. كما اتسم أداء الوزارة بالتخبط أيضاً، حيث تم استلام القطن من الفلاحين ببعض المحافظات من موظفى البنوك الذين لا يمتلكون خبرات أو كوادر لفرز الأقطان وتحديد أنواعها ومدى جودته أو تخزينها، واضطر الفلاحون فى بعض المحافظات إلى نقل القطن من المجمعات إلى منازلهم مرة أخرى لرفض الوزارة استلامها لعدم وجود أموال لديها لسداد قيمة المحصول حتى بهذا الثمن البخس ، وعلى الرغم أن الوزارة تستقبل المحصول من الفلاحين عن طريق التعاونيات وبنك التنمية والائتمان الزراعى ومركز التجميع والهيئات الزراعية ومجمعات الإصلاح الزراعى إلا أنه وفى أحوال كثيرة كان الكثير من هذه المراكز فى المحافظات يرفض استلام المحصول من الفلاحين. واتسم أداء موظفى الوزارة أيضاً بالإهمال والفساد واتضح ذلك من استخدام المبيدات الفاسدة خلال العام الماضى فى القضاء على دودة القز وقد تأكد ذلك بإقالة وكيل وزارة الزراعة بالمنيا وأسيوط بسبب استيراد واستخدام كميات مبيدات فاسدة أدت إلى تطوير نوع الدودة ولم تفلح معها المبيدات المستخدمة قبل ذلك، ففى المنيا أفادت بعض التقارير إلى أن الإصابة بلغت 80% من المحاصيل الزراعية.

أستاذ القانون العام ــ جامعة طنطا