رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حتى لا تتكرر إخفاقات سابقة


شاهدت المؤتمر الصحفى للرئيس فى موسكو كما شاهدت فى اليوم السابق أكبر سفينة حاويات فى العالم تعبر قناة السويس، كما أتابع المشروعات العملاقة التى تخطط لها الوزارة والقيادة السياسية، والخطط الخاصة بتنمية إقليم قناة السويس ومشروعات المناطق الحرة والاستزراع السمكى ومشروعات باستزراع مليون فدان وأخرى لبناء محطات نووية وغيرها مشروعات كثيرة تشرع القيادة السياسية فى تنفيذها. لكنى لا أخفى على القارئ أنى كلما قرأت عن هذه الخطط والمشروعات أشعر بالرغبة فى أن أضع يدى على قلبي، وليس هذا شكاً فى الخطط، أو فى القدرات، بقدر ما هو استشعار بدروس التاريخ، فالواقع أن محاولات مصر للنهوض على مدى التاريخ وجدت من يسعى ويحاول، وكثيراً ما ينجح فى عرقلة هذا التقدم ومنع مصر من تحقيق هدفها نحو حياة أفضل. يكفى هنا أن أتذكر مشروع محمد على لنهضة مصر وكيف تكاتفت عليه الدول لتعيد مصر وتحرمها من مشروعها التنموى بداية بتقليص جيشها حتى لا تصبح قادرة على مواجهة العدوان الأجنبى، ثم مشروع الخديو إسماعيل لمحاولة جعل مصر قطعة من أوروبا، وما حدث من إثقال كاهل مصر بالديون كذريعة للتدخل الأجنبى واستنزاف قدرات مصر لسداد الديون وتمهيداً لاحتلال مصر عام ،1882 ثم مشروع جمال عبد الناصر وكيف جرى التآمر عليه لوأده وحرمان المصريين من تحقيق أهدافه.

لا أنكر أن العامل الأجنبى قائم فى جميع الأحوال السابق ذكرها، لكنى فى الوقت نفسه أؤكد أن الأجانب لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً ضد مصر دون أن يعتمدوا على من يحسبون على المصريين. يكفى أن أقول إن الجيوش الأجنبية لم تفعل فى مشروع محمد على ما فعله عباس الأول الذى اقتنع بأن حكم الجهلة أسهل من حكم المتعلمين، وهكذا عمل على هدم مشروع محمد على التعليمى الذى اعتمد على البعثات الدراسية واستيراد الأساتذة للاستفادة من خبراتهم، أما مشروع الخديو إسماعيل فقد أهمل الإنسان المصرى وهو يحاول أن يجعل مصر قطعة من أوروبا، وهكذا قبل بالسخرة فى مشروع قناة السويس واهتم بافتتاح قناة السويس أكثر من اهتمامه بالإنسان المصرى الذى حفر القناة والذى هو هدف حفر القناة أو هكذا كان المفترض، وللأسف فإن احتلال مصر لم يكن ليحدث لولا أن أحمد عرابى لجأ إلى المشايخ بدلاً من أن يلجأ إلى العلم، ولولا خيانة خنفس باشا، وعن مشروع عبد الناصر فقد كان هناك من عمل على بيع المشروع النهضوى خاصة مشروع التصنيع، ويكفى أن نبحث عن المصانع التى أقامها جمال عبدالناصر ومشروعه لنجد أنه قد جرت تصفيته، ويكفى أن أذكر أن أحد وزراء مصر كان يؤمن بأن مصر ليست فى حاجة إلى صناعة، كما أهمل تنفيذ قانون الإصلاح الزراعى بما فتت الأرض الزراعية وبالتالى أضعف الإنتاج الزراعى.

إن ما سبق يقول إن مشروعاتنا الكبيرة والعملاقة يمكن أن نفشل فى حمايتها، وقد سبق أن نبهت إلى ضرورة حماية قناة السويس الجديدة فهى غير قابلة للمنافسة ولذا سيعمل آخرون على تعطيلها، وهذا لا بد وأن يتطلب قوة قادرة على الحماية، وفى الوقت نفسه وبنفس الأهمية يتطلب إدارة كفؤة وقادرة على إيقاف الإهمال والتخريب الداخلى ومواجهة التقلبات الخارجية. كذلك فإن المشروعات الكبيرة والخطط الطموحة القائمة تحتاج إلى حمايتها، أولا بالعمل على أن تحقق الأهداف المرجوة منها، وثانيا بمنع أى قوة أو تكتل من إحباطها، سواء بحوادث مفتعلة أو بخطط مضادة تعمل على عكس ما طلب منها، إن مشروع عبد الناصر التنموى تحول إلى مشروعات أجنبية تخدم القوى الأخرى وتمنع إعداد كوادر قادرة على استكمال المسيرة، وهكذا أصبحت بعض المصانع خاوية تنعى من بناها، أو يعشش فيها البوم والغربان.

أتوقع أن يحاول البعض تخريب بعض المشروعات سواء التخريب المتعمد مثلما يحاول البعض تحقيقه الآن، أو بالتخريب القائم على الإهمال عن طريق إشعال النيران بحيث تبدو نتيجة إهمال، كما ستحاك حولها المؤامرات حتى تخسر وتبدو فاشلة، وهى أمور وجدناها سابقاً ونتوقعها مستقبلاً، ولذا فإن الإدارات القادمة والمتتالية تتحمل مسؤولية كبرى يجب العمل على إعدادها لتحملها. يلعب المواطن المصرى دوراً مهماً فى حماية هذه الخطط، وإذا كان دور الحكومة فى تحقيق ذلك مهماً، فإن المؤسسات الشعبية وما يسمى بمؤسسات المجتمع المدنى ليس أقل أهمية ويجب على هذه المؤسسات أن تؤهل كوادرها لتحمل مسئولياتها التنموية بما هو ليس أقل من مسئولياتها السياسية وربما أكثر. وهذا الدور يجب أن يشمل التعاون مع أجهزة الأمن للوقاية، وإدراك متطلبات التنمية.