رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قصة محبة صادقة فى الجو


15 يناير 2015 كان يوافق الذكرى الستينية على نموذج رائع جمع التضحية والوفاء.
ففى هذا اليوم خرج قائد الأسراب منير رياض
مفتاح «1929 – 1955» فى طائرة تدريب مع طالبه أومباشى محمد فخرى رفعت، كما كان يخرج كل يوم معه حيث كان يقوم منير بتلقين تلميذه فنون الطيران، ويتلقى رفعت عن أستاذه كل ما يود أن يتعلمه فى فنون الطيران. استقل الاثنان الطائرة، وهذا الطراز من الطائرات يحوى مقعدين أحدهما خلف الآخر. جلس الطالب رفعت فى المقعد الأمامى كالعادة، واستوى منير فى مقعده الخلفى كما يجلس المُعلم دائماً، وحلقت الطائرة فى الجو وابتعدت عن مطار بلبيس بنحو 12 كيلومتراً، وفجأة أحس منير بأن خللاً قد طرأ على محرك الطائرة الوحيد، أعمل فكره فى لحظات وأصدر أمره إلى تلميذه أن يقفز بالباراشوت!! إن منير متعود كمُعلم أن يُصدر الأمر فينفذه على الفور الطالب، فالكلية كلية عسكرية.

سمع الطالب هذا الأمر من أستاذه وفهم أن أستاذه يريده أن ينجو بغض النظر عما يحيق به وبالطائرة من كوارث وأخطار. تردد رفعت أول الأمر فهو يحب أستاذه ويريد أن يبقى معه إلى النهاية، ليُثبت له أن عاطفته نحوه لا تقل عن عاطفة أستاذه «إنها قصة محبة صادقة فى الجو». تردد قليلاً لكن سماعة اللاسلكى ما لبثت أن حملت إليه الأمر من جديد فى صراخ حازم أخرج رفعت من تردده ولكنه لم ينسه واجبه نحو أستاذه. ففى ثوانٍ معدودات كان رفعت يُلقى بنفسه ولكنه برغم ذلك ظل متمسكاً بأستاذه فأنحرف بجسمه إلى الأمام لكى يُعطى الفرصة لأستاذه لكى يقفز من خلفه وهو يعلم تمام العلم أن أنحرافه هذا إلى الأمام قد يُصيبه بضربات مروحة الطائرة الفتاكة التى ستقطع جسمه إرباً إذا ما أدخله هذا الانحراف فى مجال دورانها.

ولكن رفعت قفز وانحرف بجسمه عن عمد ولم يكن فى خاطره إلا محبته لأستاذه. وما هى إلا ثوانٍ معدودات حتى اصطدمت الطائرة بالأرض بعد أن كافح منير كفاح الأبطال لكى يُصلح الخلل. وكان منظراً تنخلع له القلوب عندما هجم رفعت على حطام الطائرة بعد أن وصل على الأرض يريد أن يُخّلص أستاذه وصديقه وزميله فى السلاح منير فلم يتمكن، فأخذ يجرى كالمجنون برغم الصدمة العصبية ويديه الداميتين من كفاحه فى حطام الطائرة، أخذ يجرى نحو المطار وهو لا يحس بنفسه لكى يأتى بالنجدة لأستاذه. لقد جرى 12 كيلومتراً كاملة لم يتوقف فيها لحظة واحدة إلى أن وصل إلى المطار وأبلغ عن الحادث فى كلمات متقطعة سقط بعدها على الأرض فاقد الوعى من جراح فى يديه، وجرح آخر عميق فى فخذه أصابته به المروحة وهو يفسح الطريق لأستاذه. مات منير مفتاح رمز التضحية والفداء والخلود، وشُيعت جنازته فى موكب مهيب بكنيسة مارمرقس بضاحية كليوباترا بمصر الجديدة. أما الدولة بقيادة الرئيس جمال عبدالناصر وجميع أعضاء مجلس قيادة الثورة فقد كرمت الأم وأرملة الفقيد فى احتفال مهيب بمطار الماظة الحربى. وفى مارس 1995 كان لى لقاء مع والدته بمنزلها بضاحية مصر الجديدة وأمدتنى بكل الوثائق وبكل ما كتبته الصحف. أدعوك لمشاهدة الربط الآتى:

https://www.youtube.com/watch?v=y8vkvX1nDP0

أستاذ الهندسة بجامعة الإسكندرية