رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ألف عام.. وعام عربى ــ روسى


يتصور الكثيرون أن علاقة مصر والعرب بروسيا بدأت بعد ثورة 23 يوليو 1952، وتطورت ثم همدت ثم عادت تنتعش بزيارة السيسى الثالثة لموسكو فى 25 أغسطس الحالى. إلا أن تاريخ العلاقة الحضارى والاجتماعى يمتد لأكثر من ألف عام، منذ قيام ابن فضلان مبعوث الخليفة العباسى برحلته إلى روسيا عام 922 ميلادية، وكتابه «رحلة ابن فضلان إلى الفولجا» الذى سجل فيه ما شاهده هناك وما لاحظه من طباع الروس وعاداتهم. أما إذا أرخنا للعلاقة بدخول الإسلام إلى جنوب روسيا فى القرن السابع فسنجد أنها تمتد إلى ألف وثلاثمائة عام لم تتوقف فيها العلاقات التجارية والثقافية والعسكرية أيضاً. وفى المقابل تولى الرحالة الروس تقديم مصر إلى بلادهم كما فعل «إيجومين دانييل» فى القرن 12، و«فاسيلى جاجارا» الذى زار القاهرة ووصف شوارعها وسجل أنه رأى فى النيل وحشاً ضخماً لم يسبق له رؤيته، يقصد التمساح! ومع نهضة روسيا فى القرن 17 عهد بطرس الأكبر تم عام 1748 افتتاح أول قنصلية روسية فى مصر. وفى الثلث الأخير من القرن 18 طلب على بك من القيصرة يكاترينا الثانية مساعدته فى الاستقلال عن الإمبراطورية العثمانية فأرسلت إليه عدة سفن حربية رابطت فى مياه الجزر اليونانية! وفى إطار مشروع محمد على لتحديث مصر راح يبحث عن طريقة لاستخلاص الذهب من رمال السودان، فاستدعى القنصل الروسى وأهداه علبة نشوق ذهبية فاخرة وسأله إن كان لدى روسيا علم بكيفية استخلاص الذهب؟ وهل تستطيع روسيا أن تمده بالمعدات الخاصة بذلك؟ فأجابه القنصل بالإيجاب، وهكذا أرسل محمد على عام 1845 أول مبعوثين مصريين لدراسة علم التعدين فى سيبيريا وهما: إيليا داشورى، ومحمد على وأثار الاثنان دهشة الروس الذين تعجبوا من شابين أسمرين إفريقيين يدرسان بجدية فى درجة حرارة تقل عن أربعين تحت الصفر! وبرزت روسيا على خريطة الاهتمامات المصرية فقام الأمير عباس حلمى عام 1888 بزيارتها وقام الأمراء الروس برد الزيارة. ولم تنقطع العلاقة إلا عام 1917 مع قيام الثورة الاشتراكية، لكنها عادت إلى مجاريها عام 1937 حين تبادل البلدان الاعتراف مجدداً، ثم استؤنفت العلاقات فى أغسطس 1943 ولم تنقطع من يومها، وظلت تتسع لمختلف أشكال التأثير والتأثر، فقد كتب أمير الشعراء الروس بوشكين يقول «العرب ألهموا ملاحم العصور الوسطى كل الرقة والنشوة الروحية والحب»، كما كتب هو نفسه «قبسات من وحى القرآن»، وكانت هناك رسائل متبادلة بين الإمام محمد عبده وليف تولستوى مؤلف الحرب والسلام. والآن، بانفتاح آفاق التعاون بين البلدين مجدداً تواصل العلاقة تعميق مجراها التاريخى والحضارى والثقافى.

كاتب وأديب