رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أفول الشريفين


فضلت استخدام لفظ «أفول» لارتباطه بالنجوم دائماً، فهو الاختفاء بالجسد فحسب، فالابداع لا يموت، انتهت حياة النجم نور الشريف على ظهر الأرض، ولكنه سيخلد بما قدمه من أعمال بالمسرح، والسينما، والتليفزيون، ولم يمر على وفاة الفنان العالمى عمر الشريف أربعين يوماً، حتى لحقه سميه فى اللقب. عمر الشريف انطلق من المحلية إلى العالمية، واستطاع أن يجد مكانة بين كبار نجوم السينما العالميين، واشترك فى تمثيل بعض روايات الأدب العالمى حتى اقترن اسم أبطال هذه الروايات باسمه، فلا يذكر اسم «الدكتور زيفاجو» ألا وتجد شخص عمر الشريف بحضوره الطاغى فى أداء هذا الدور . وبتمثيله فى هذا الدور أحيا الكلمات وأضاف بعداً جديداً للنص الأدبى العالمى.

أما نور الشريف فاستغرق فى المحلية وكرس فنه لخدمة قضايا وطنه والمهمشين بالأرض، فقدم نور الشريف أبسط وأصعب الأدوار بحرفية تامة، وأصبح بدراً بين النجوم، فمثل الأدوار الفلسفية فى دور «كاليجولا» على خشبة المسرح لأول إنتاج لفرقة أكاديمية الفنون وتقول صاحبة كتاب منمنات مسرحية، عن دور نور الشريف بالبطولة فى مسرحية «كاليجولا» لم يكن هو الوحيد فى نص «كامى» المستفيد بالسير حتى نهاية الطريق ليحصل على القمر، ولكن المفارقة الغريبة فى ذلك العرض، أن نور الشريف كاد ينفرد بالسير لآخر طريق التمثيل الوعر ليحصل على القمر المسرحى ويعبر أغوار النص.

إنه لم يولد ليجد الشهرة فى انتظاره، ولكن عشق التمثيل منذ صغره فبادله حباً بحب، وتأكد هذا الحب فى معظم أعماله الفنية، وأدرك أن نجاح النص الأدبى المسرحى المكتوب يرتبط بما يقدمه ممثل قدير له طريقته الخاصة فى الأداء على خشبة المسرح، ويجمع معظم النقاد على أن نجاح المسرحية تكون من خلال التشخيص الذى يقدمه الممثل القدير والذى يستطيع أن يترجم باتقان كلمات المسرحية على خشبة المسرح. فالفن تسيطر عليه الأمزجة والانفعالات النفسية والتناول الشخصى، إنه شىء ذاتى، فلا تستطيع أن نقول للفنان المبدع الخلاق، ماذا تستعمل من القواعد فى لحظة إلهامك؟، فهو يستعمل ما تشير عليه شرارة هذا الإلهام ولكل فنان خصوصيته فى الأداء فليست هناك قاعدة مقررة، إن الممثل الناجح هو الشخصية المحورية فى كل ما يقوم بتمثيله ويأتى ذلك نتيجة اختياره الدقيق لأدواره، وهذه الأسس هى التى اعتمد عليها كل من عمر الشريف ونور الشريف، وأوصلتهما للشهرة سواء على المستوى العالمى أو الإقليمى. وكلمة أخيرة، فمن الأزمات التى تواجه واقعنا الثقافى الحالى، الافتقاد للإبداع الفنى والخلط بين الفن والأخلاق، فالفنون تستثير الإحساس بالجمال، وافتقاد لغة الإبداع الفنى للغة الإيحائية وليست اللغة تقريرية.

عضو اتحاد المؤرخين العرب