رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اعتزال

جريدة الدستور

مهنتها كما تردد دائما هى «تجميل الواقع.. إضفاء لمسة جمال.. بث الحياة فى الوجوه الجافة البائسة.. ساعات طويلة من النهار تقطعها وهى واقفة على قدميها تصفف شعر امرأة وتجمل وجه أخرى بألوان شتى من المساحيق دون كلل أو ملل فهذه مهنتها التى ورثتها عن والدتها قبل أكثر من 40 عاماً».

ولم يحيرها طيلة هذه المدة سوى هذا الصنف من الرجال الذين يكيلون المديح والثناء لنسائهن المتجملات بفضل أمثالها ويصبون اللعنات عليها ويلاحقونها بنظرات الاشمئزاز ما أن تكشف عن مهنتها .. ولكنها أبدا لم تترك هذه النظرات تكبل إرادتها وتحرمها من المهنة التى عشقتها منذ نعومة أظافرها وتركت من أجلها التعليم.

وظلت مستمرة فى مهنتها حتى داهمها وحش كاسر .. ليس مرضا أو موتا ولكنه « سن المعاش» ذلك الكابوس الذى يؤرق الموظفين ليل نهار .. والذى لم تتخيل أنه سيداهمها هى- المنتمية إلى أصحاب المهن الحرة»، ولكنها عجلة الزمن التى لا تتوقف عن الدوران والنيل من صحة الإنسان .. عجلة الزمن التى تضيف إلينا أعمارا فتنقلنا من خانة الشباب حيث الحيوية والنشاط إلى خانة الشيخوخة، حيث الركود والسكون وارتعاش الأيدى ...وحينها قررت أن تعتزل، أن تحيل نفسها بإرادتها إلى سن المعاش!.

ولم تكن تدرى أن قرارها هذا سيحيل حياتها إلى جحيم لا يطاق ويحولها من امرأة اجتماعية.. تحيطها النساء والحكايات وأسرار البيوت .. من كل صوب وحدب.. إلى امرأة وحيدة بائسة مكتئبة .. تغلق حواسها عن مباهج الحياة … فذبلت وتمكن منها المرض.. فباتت طريحة الفراش وآمن من حولها بأن رحيلها آت عاجلا لا آجلا.

وذات صباح دخلت ابنتها الوحيدة إلى غرفتها كالمعتاد للاطمئنان عليها فوجدتها تحملق فى إحدى اللوحات الفنية المستقرة على الحائط منذ زمن .. وقد بهرتها الوانها الصارخة.. وخطوطها المتداخلة ... فعلت الابتسامة شفتيها.. وبدأت النضارة تزحف إلى وجهها ..ثم نقلت نظرها – فجأة- إلى ابنتها - -وكأنها أخيرا قد وجدت ضالتها .. وطلبت منها أن تحضر ألوانا وورقاً أبيض .......وبدأت ترسم!.