رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تغييب العقول


فكرت كثيراً، فى أمر ذلك الشاب، الذى يلف حزاماً ناسفاً على وسطه، طواعية، ليفجر سيارة، ويفجر نفسه معها، من أجل هدف لا يستفيد منه مباشرة. هى مشكلة أساطير تحكم بعض العقليات المغيبة، وهو لا يختلف كثيرا عما كان يحدث عندنا فى القرن التاسع عشر، حيث كانت الطرق الصوفية تقيم احتفال الدوسة، سنوياً فى مسجد السيدة زينب، ويحضره الخديوى وكبار رجال الدولة، والسفراء الأجانب، وجماهير العاصمة.

وقد كتبت عنه الرحالة الإنجليزية «إيمليا إداوردز»، فى كتابها الرائع « رحلة الألف ميل»، وصفت فيه ما يحدث فى احتفالات الطرق الصوفية، وقالت إنها شاهدت المريدين من أتباع تلك الطريق، حيث كانوا يصطفون فى احتفالات خروج المحمل إلى الأراضى الحجازية. وكانت تفرش الحصر على مسافة ثلاثمائة متر وينبطح بعض الناس على بطونهم وقد أسندوا رؤوسهم بين أيديهم وهم يرددون اسم‏‏ «الله‏»‏ دون انقطاع ثم تبدأ الدوسة فيتقدم شيخ ذو لحية بيضاء ويرتدى قفطاناً وعلى رأسه عمامة بيضاء ويمتطى حصاناً يقوده رجلان، ويبدأ الشيخ بالسير فوق ظهور المنبطحين المتلاصقين حتى نهاية الصف، ثم ينهض الجميع ويتوجه الشيخ إلى المكان الذى يجلس فيه الخديوى توفيق فيحييه، ثم ينصرف إلى حيث تقام حلقات الذكر ويراعى فى الحصان أن تكون حوافره دون الحدوة الحديدية حتى لا تتسبب فى إيذاء الدراويش، وكان يحدث ذلك أيضا بالنسبة للرجال التى كانت تحمل كسوة الكعبة، حيث كان البعض يلقى بنفسه أمام الجمال معرضين لأن تكسر ضلوعهم ولكن كان الهدف الحصول على البركة حسب معتقداتهم‏.‏

وفى إحدى المرات حضر السفير الإنجليزى، وبعض سفراء الدولة، وكتبوا عن تلك الحالة الغريبة اللانسانية، وهو ما دعا الخديوى توفيق، إلى إصدار الأوامر بمنعها فى أوائل عام 1881، حيث أصدر قرارًا ينص على تحريم ومنع «الدوسة»، ويبدو أن بعض القناصل الأوروبيين الوثيقى الصلة بالخديوى قد مارسوا بعض الضعوط لحثه على اتخاذ إجراءات لتحريم الدوسة. وأيضا ما نراه من بعض الرفاعية الذين يجمعون الثعابين، ويلعبون بها. وكان بعض أتباع تلك بعض الطرق يلتهمون الزجاج والأحجار، ويدعون أن طعمها جميل.

وكان بعضهم يدخل فى جسده المسامير، ورأيت بعينى أحدهم يضع على بطنه حجراً ثقيلاً ويطال رجل قوى بتكسيره وهو على بطنه، مدعياً قدرات غريبة. ومع أن كل هذا انتهى من ثقافتنا، ولكنه لا يزال سائداً فى المجتمعات المتخلفة والتى لا تهتم بالعلوم الحديثة. وهو لا يقل عنه غرابة عما يقوم به بعض اتباع الجماعات الإرهابية، من تغييب عقول الشباب، وإقناعهم، بأنهم يجاهدون فى سبيل الله، وأنهم يقاتلون الكفار، من أجل قضية إلهية، وهى إعلاء كلمة الله على الأرض.

ويقتنع هؤلاء الشباب، دون أن يدركوا أنهم ضحية لصراع سياسى على الوصول للحكم. ويستمعون إلى ما يأمرهم به أمير الجماعة وينفذونه، دون أن يعرفوا، أنهم ارتكبوا آثاماً لا تمحى، ويرتدى الشباب من صغار السن الحزام الناسف، ويقوم بتفجير نفسه، وقتل آخرين من أجل قضية لا يعرفها، ولا يعرف أبعادها لمجرد إقناعه بأنه سيكتب عند الله شهيداً وسيحاط بعدها بسبعين من حور العين.

كاتب