رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أيها المتظاهرون العراقيون ليكن مطلبكم الإنساني هو الأسمى

جريدة الدستور

من الملاحظ إن سقف مطالب المتظاهرين في العراق لا يتعدى تحسين خدمة الطاقة الكهربائية المتردية في جميع المحافظات, والمطالبة بإقالة وزير الكهرباء على تقصيره الواضح في معالجة هذه الأزمة, ولم تتعدى المطالب هذا الحد.
فنحن كمثقفين نتضامن مع مطالب الشعب العراقي مهما كانت, لكننا ننبه وننصح إلى أن المطالب الخاصة والضيقة تجعل الناس تضحك منا وعلينا, كما إن المطالب الضيقة الشخصية حالة مخالفة للشرع والأخلاق والإنسانية من حيث إنها أسوأ من حالة المطالبة بالمأكل والملبس فهذه مذمومة؟! فلم يخلق الله تعالى الإنسان من اجل البهيمية ومتطلباتها بل من اجل العبادة, والعبادة لا تتكامل إلا بالأخلاق, ومن الدين والعبادة والأخلاق الاهتمام بأمور وشؤون المسلمين, فكيف إذا كانوا من أهلنا وإخواننا وأبنائنا أبناء بلدنا؟!.
فمن أجل أن تكون مطالبنا إنسانية وشرعية وأخلاقية وتتجاوز حدود البهيمية ونعبر عن وطنيتنا وعراقيتنا وشعورنا بالمسؤولية تجاه إخوتنا العراقيين في كل مكان توجب أن تكون مطالب المتظاهرين عامة وشاملة نطالب فيها بكل الحقوق المسلوبة والمنهوبة وليست الكهرباء فحسب, فلنطالب بحقوق النازحين والمهجرين, لنطالب بإيقاف نزيف الدماء, لنطالب بمحاسبة كل من تسبب بإراقة الدماء العراقية البريئة, لنطالب بحقوق كل عراقي مضطهد في الشمال أو الجنوب, في الشرق أو الغرب.
لنجعل من بيان المرجع العراقي الصرخي " الكهرباء ... أو ... الأطفال والنساء والدماء ؟؟!! " شعاراً لنا, ومنه نستمد مطالبنا كشعب عراقي واحد موحد من شماله إلى جنوبه, وبكل طوائفه ومذاهبه ....
حيث جاء في هذا البيان ...
بسم الله الرحمن الرحيم {{ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ }} المؤمنون115 .
ـ قال الإمام علي عليه السلام {{ فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ ، كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا ، أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلاَفِهَا وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا ، أَوْ أُتْرَكَ سُدىً ، أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً ، أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلاَلَةِ ، أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ }} .
ـ الواجب الشرعي والأخلاقي يُلزمنا الوقوف مع أبنائنا وأعزائنا والإهتمام بهم والتفاعل معهم والشعور والتألّم لمعاناتهم ومآسيهم ، ومن هنا فنحن معهم في تظاهراتهم التي سِمَتُها الظاهرة وسببها الأوْضح وشعارها الأقوى هو ( الكهرباء ) !!!
وهنا لا بدَّ من النُصْح والتنبيه لإمور منها :
1ـ نؤكد إنّنا مع أبنائنا وأعزائنا وأهلنا في وجوب توفير الكهرباء وبأقصى طاقتها وفي كل الأوقات وعلى مدار الأيام ، وهذا واجب السلطة ولا عذرَ لها في التقصير به أبداً .
2ـ أعزائي أبنائي أهلي ، إنَّ خروجكم وتظاهركم من أجل الكهرباء يعني أنَّكم لم تخرجوا من أجل الأكْلِ والشُّرْبِ والجوع والعطش أي أنّها متوفرة ولا تُعانونَ منها ، فاعلموا أنكم لو خرجتم من أجل الجوع والعَطَشِ لكُنْتُم موردَ إنتقادِ أميرِ المؤمنين عليه السلام ونَهْيِهِ عن ألّا نكونَ كالبهائم هَمُّهَا عَلَفُهَا أَوِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا تجرّ حَبْلَ الضَّلاَلَةِ وتركب طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ ، هذا في الجوع والعطش فكيف في الكهرباء ؟!! فلا تجعلوا الشعوب تضحك علينا والتأريخ يسخر ويستهزئ بنا بسببِ تمسّكِنا بقشورٍ وفتاتٍ وتَرْكِنا للأهمِّ واللبِّ والأساس من الدين والأخلاق والأنْفُسِ والدماء والأعراض والأموال .
3ـ كل الشرفاء معَكم ، معكم في مطالبِكم ، وهو أبسط حقوقِكم وقد سَرَقَهُ السرّاق الفاسدون كما سرقوا كلَّ شيءٍ منكم ومن بلادِكم ، لكن هل تظاهراتُكم ستنتهي فقط عندما يوفِّر لكم المسؤول ساعةً إضافيةً أو أكثر من الكهرباء ، أو عندما يماطل معكم المسؤول ويخدعكم فيكسبَ الوقتَ فتمرّ الأيام وتنتهي موجةُ الحرّ الحارقة وينتهي كلُّ شيء وكأنَّ شيئاً لم يكن ؟!! فينطبق عليكم ما قالَه الإمام علي عليه السلام : {{ أَتَمْتَلِىءُ السَّائِمَةُ مِنْ رِعْيِهَا فَتَبْرُكَ ؟ وَتَشْبَعُ الرَّبِيضَةُ مِنْ عُشْبِهَا فَتَرْبِضَ ؟ وَيَأْكُلُ عَلِيٌّ مِنْ زَادِهِ فَيَهْجَعَ ؟! قَرَّتْ إِذاً عَيْنُهُ إِذَا اقْتَدَى بَعْدَ السِّنِينَ الْمُتَطَاوِلَةِ بِالْبَهِيمَةِ الْهَامِلَةِ وَالسَّائِمَةِ الْمَرْعِيَّةِ ، طُوبَى لِنَفْسٍ أَدَّتْ إِلَى رَبِّهَا فَرْضَهَا ، وَعَرَكَتْ بِجَنْبِهَا بُؤْسَهَا }} .
4ـ نحن معكم في مطالبِكم ، لكن نسأل ماذا ستفعلون وما هي ردود أفعالكم فيما لو علِمتم وتيقَّنتُم أنَّ بعضَ مَنْ تصدّى لتحريك المظاهرات لم يكن من أجلِكم بل من أجل أن يكونَ مَنْ دَفَعَ له مسؤولاً بدلَ المسؤولِ الحالي ، أو وزيراً بدلَ الحالي ، أو رئيسَ وزراء بدلَ الحالي ، ويتحقق له ما يريد بسبب تظاهراتكم ، وأنتم لا تحصلون على أيِّ شيءٍ ؟! .
5ـ نحن معكم بكل ما أوتينا ، ونطالبُ بما تطالبون به ، ولكن نسألُ ما هو موقِفُكم ورَدُّ فعلِكم عندما تعلَمون وتتيقَّنون أنَّ بعضَ الجهات المحرِّكة للتظاهرات لم يكن تحريكُها من أجلِكم بل لكي تضغط على الجهات المنافسة في الحكومة والسلطة فتسقطها فتكون هي البديلة عنها فيحصل هذا الحزب أو هذه الميليشيا أو هذه الدولة على مرادِها في السلطة فتتسلط بدل السلطة الحالية ، وأنتم ترجعونَ بخُفّي حُنَينْ ، فلا تحصلون على شيء ؟!! .
6ـ بالتأكيد نحن معكم لأننا مِنْكم وفِيكم ومَعَكم وإلَيْكم ، فلَسْنا من الهند أو الباكستان أو أفغانستان أو الشيشان أو إيران أو غيرها من بلدان ، بل نحن من العراق ومن أهل العراق نشعر بمعاناتِكم ونتألّم لآلامكم ونحزن لحُزنِكم ، لكن هل سألتُم أنفسَكم هل الأوْلى والأرجَحُ والمتعيَّنُ والواجبُ أن تخرجوا من أجل الكهرباء لأنفسِكم الآن وفي هذا الوقت وهذا الحَرّ الحارق أو أن تخرُجوا من أجلِ إخوانِكم وأهلِيكُم وأطفالِكم ونسائِكم وشيوخِكم وأعراضكم النازحين المهجَّرين الذين سكنوا العراء ، والسعيد منهم من يحصل على خيمة ممزقة يحتمي بها ، تحرقُهم حرارة الشمس ولهيب الحر ويلسعُهم ويقرصُهم ويجمّدهم زمهرير البرد وهم عُطاشى جياع مرضى في رُعْبٍ وذلٍّ وَهَوانٍ ومنذ سنوات لا أملَ لهم في النجاة بل لا أملَ لهم في الحياة ، عشراتٌ بل مئاتٌ منهم من الأطفال والنساء والشيوخ ماتوا من لهيب الحرِّ ، ومِثْلُهُم ماتوا تحت قساوةِ البرد .
7ـ بكل تأكيد نحن معكم وننصَحُكم ، فهل سَألتُم أنفسَكم ، إننا نَخرُج من أجل الكهرباء وحَوْلَنا من أهلِنا وعشائِرِنا الأبرياء المسحوقين المستَضعَفين المرعوبين الذين تَحلُّ بهم وتقعُ عليهم كلَّ يومٍ بل كلَّ ساعةٍ مجزرةٌ بذبحٍ وحرقٍ وإطلاقِ نارٍ وقذائفَ مدفعيةٍ ودباباتٍ وصواريخَ وبراميلَ متفجرةٍ ومفخّخاتٍ ، فأين أنتم منهم ومن معاناتِهم ومن الخروجِ بتظاهراتٍ من أجلِهم والتخفيفِ عنهُم ، فأين أنتم من قولِ إمامِكم أميرِ المؤمنين عليّ عليه السلام : {{ وَلكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ ، وَيَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الأطْعِمَةِ ، وَلَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوِ بِالْـيَمَامَةِ مَنْ لاَ طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ وَلاَ عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ ، أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وَحَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى وَأَكْبَادٌ حَرَّى ، أَوْ أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ : ( وَحَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَةٍ .... وَحَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِدِّ )}} .
8ـ أنا معكم معكم معكم في الخروج بتظاهرات من أجل التغيير الحقيقي الجذري وليس من أجل التغرير والإبقاء على الفساد والفاسدين ، وإلّا فالقعود والسكوت أوْلى وأرجَح .
9ـ قبل الخروج بتظاهرات وطلب الحقوق والتغيير إسألوا أنفسَكم مرّات ومرّات ومرّات أنَّكم هل ستتراجعون وتسكتون وتتجرَّعون المرَّ والفسادَ والفاسدين والقتلَ وفَقْدَ الأعزاءِ والخرابَ والدمارَ فيما لو صدرت فتوى تُلزِمُكم بالسكوت والخنوع والقبول بالظلمِ والضَّيمِ والفسادِ والمفسدين ، كما صدرت سابقاً منهم فتاوى مماثلة وأطعْتم وسكتّم فدمَّرْتُم وأهْلَكْتُم أنفسَكم وأهليكم وشعبَكم ووطنَكم ؟!!
وفي الختام يا أبنائي وأعزائي وأحبابي أنصحكم ونفسي : يجب أن تَعلَموا وتتيقَّنوا أنه مع الجُبْنِ والخنوعِ والتبعية وعبادةِ أحبار ورهبان وفراعنة الدين ومع عدم التغيير فإنَّ الأمورَ تسير من سيّءٍ الى أسوأ وأسوأ ، قال العلي القدير {{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ }} الرعد11 .

بقلم : نوار الربيعي