رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قناة السويس الجديدة بين بلع الزلط وتمنى الغلط!


المناقشات حول قناة السويس الجديدة دائرة على قدم وساق، فهناك من يرى فيها معجزة وأنها حل لمشاكل مصر، بينما هناك من يرى أنها إنفاق للموارد فى غير موضعها باعتبار أن هذه الموارد لو أنها أنفقت فى مجالات أخرى لأتت بنتائج أفضل من العائد المتوقع من قناة السويس الجديدة. ولو أن الأمر يسير فى هذا الاتجاه.

لكان خيراً لنا باعتبار أن المناقشات بهذا الشكل تسعى إلى تحقيق أفضل عائد لمصر، وبالتالى فهو يدفع إلى التفكير فى كيفية الاستغلال الأفضل للموارد، وإذا كنا قد اخترنا طريقاً فلنعمل على تحقيق أعلى عائد إيجابى وتجنب السلبيات، لكن للأسف فإن المناقشة ليست موضوعية ونزيهة بهذا الشكل، فهناك شائعات ومغالطات فى الحديث عن مشروع القناة تشير إلى المقاصد الحقيقية وراء هذه الشائعات والمعلومات الخاطئة، هناك مثلاً من يقول إن شهادات استثمار قناة السويس لا يدفع عائدها لمن اشتراها، وأن العائد سيدفع لأصحاب الشهادات عند تشغيل قناة السويس الجديدة، وبمراجعة من اشتروا هذه الشهادات وجد أنهم يحصلون على العوائد حسب النظام بواقع 12% سنوياً أى واحد فى المئة شهرياً ولكن العائد يدفع كل ثلاثة أشهر أى أنه يحصل على 3% كل ثلاثة أشهر. المهم أن الشائعة غير صحيحة، وثبت أن الدولة ملتزمة بما أعلنت عنه، ويبقى السؤال لمصلحة من كانت الشائعة وما الهدف من إطلاقها.

إلى جانب ما سبق هناك من يقول إن ما يقال عن إيرادات القناة الجديدة غير صحيح، ولن تحقق عائداً مناسباً، ولو أننا تجاوبنا مع ماجاء فى هذه المقولة ربما لم نفعل شيئاً حيث ستكون هناك دائماً أفكار بديلة والسد العالى مثال لذلك، قد تأتى بما هو أفضل، لكن الأسلوب الأمثل لمواجهة مثل هذه الانتقادات، هو إجراء دراسات الجدوى قبل البدء فى العمل، ويمكن إجراء عدة دراسات وبواسطة بيوت خبرة مشهود لها بالكفاءة، وهنا فمن المؤكد أن هيئة قناة السويس قد أجرت دراسات جدوى جدية قبل البدء فى عرض المشروع واستمرت فى تحديث الدراسة بما يتمشى مع تطورات السياسة والتجارة العالمية خاصة حركة النقل وحركة النقل البحرى بشكل خاص. لكن ما جاء فى تلك الشائعات عن عائد الملاحة المتوقعة قد يكون مفيداً فى تنبيهنا إلى أن هناك من يسعى إلى إحباط أهدافنا من مشروع قناة السويس الجديدة، وهكذا يكون من المفيد أن يكون هناك من يتابع حركة التجارة العالمية وحركة النقل البحري، والعمل على مجابهة التغيرات المقصودة وغير المقصودة.، واتخاذ الإجراءات الضرورية لمنعها، أو لتخفيف آثارها على الأقل والوصول بها إلى الحد الأدنى.

الغريب أن هؤلاء لا يكفيهم توافر معلومات ذات طابع محايد مثل هيئة النقل البحرى والتى حضرت بياناً وعرضاً للمشروع يوم 29 يوليو وأعرب ممثلوها عن تقديرهم للمشروع، بل فى الحقيقة انبهارهم، بل إنهم اعترفوا بأنهم لم يكونوا يصدقون أن مصر تستطيع أن تفعلها، كما يقولون، فى سنة، كما دعوا شركات النقل العالمية للمجىء واستخدام القناة الجديدة. لابد هنا أن نشير إلى أنه حقيقة أن القناة الجديدة قد حفرت بطول 34 كيلومتراً بينما طول قناة السويس الأصلى نحو 165 كيلومتراً، كذلك فإنه إلى جانب الأيدى المصرية جاءت شركات أجنبية تشارك فى حفر القناة الجديدة خاصة شركات الكراكات، وهكذا يشككون فى مصرية القناة الجديدة، وهنا نقول لا شك أن الأيدى المصرية كانت الغالبية العظمى فى الأيدى القائمة بالحفر، وأنها كانت الرأس المدبرة للمشروع والتى تديره، بل نستطيع أن نقول إن إدارة هيئة قناة السويس قد ضربت مثالاً عالمياً للإدارة ربما لم يستطع أحد أن يقدمه بهذا الأداء الرائع. كذلك فإن الأمر لم يقتصر على 34 كيلومتراً جدد فى القناة، بل لقد جرى تعميق كل مجرى القناة الملاحى، واختصر زمن عبور القناة بواسطة السفن من 19 ساعة قبل المشروع إلى 11 ساعة باختصار ثمانى ساعات لكل سفينة وكل ساعة منها لها حساب لدى شركات النقل، وهناك الأنفاق تحت القناة بما يعنى استمرار التواصل بين ضفتى القناة باستمرار دون التأثر بحركة الملاحة فى القناة، وأخيراً، وليس آخراً فإن خطط التأمين الدفاعى لا تتأثر بالقناة الجديدة على عكس المشروع أيام مرسى. آخراً فهناك مشروع إقليم القناة الذى سيستفيد من القناة الجديدة والذى يمثل راس حربة مشروع التنمية، لكننى أرجو ألا أكون قد انتقلت إلى بلع الزلط، فمازلت أعتقد أننا قادرون على أفضل من الجارى، وأننا يجب ألا نظل نفاضل دائماً بين بلع الزلط وتمنى الغلط