رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإنسان الفصيح.. والمحراث


الفلاح الناصح يدرك أنه عندما يضع يده على المحراث لا يعود ينظر إلى الوراء بل ينظر إلى الهدف الذى جاء من أجله وإلا ضاع عمله هباءً. والجندى الصالح الذى يتوجه إلى ميدان المعركة لا يمكنه أن يرتبك بأعمال الحياة التى تركها من أجل هدف أسمى لكى يُرضى من جنده، ويُرضى قائده فى الميدان، ويُرضى ضميره، فنظره مُثّبت نحو الهدف ويده على السلاح الذى يحمله فى انتظار أوامر قائده فلا يتلفت يميناً أو يساراً.

والراعى الصالح لا يستأمن خرافه لأجير لئلا يبددها، لكنه يولى اهتماماً بخرافه بتعب ورعاية وسهر، فيعطى اهتماماً للخروف الضعيف والمريض والشارد ولا يعطى لعينه نوماً إلا بعد أن يطمئن على أن جميع خرافه بداخل الحظيرة. وهنا أذكر قصة ذكرها لى أحد أساقفة الكنيسة القبطية عندما كان يعمل – وقت رهبنته – فى سكرتارية البابا كيرلس السادس البطريرك 116، فى فترة الستينيات. فقال لى: «بعد انتهاء اليوم، وقبل أن يخلد البابا كيرلس للراحة كان يسأل السكرتارية: هل يا أولاد أحد من أبناء الكنيسة مازال فى انتظارى؟ هل أحد من العاملين بالبطريركية مازال موجوداً؟ هل تناولتم طعام العشاء؟ هل تأكدتم من إغلاق جميع أبواب البطريركية؟». وهكذا كان الراعى الصالح – الذى وضع يده على المحراث - لا ينظر خلفه، بل يسعى بالتعب والسهر من أجل راحة كل فرد. وللحق نرى هذا الفكر الأبوى فى رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى الذى انطلق إلى جبهة القتال فى سيناء – بعد العمل البطولى الذى قام به رجال القوات المُسلحة فى دحر أوكار الإرهابيين - ليشد من أزر المقاتلين الذين يواجهون حرباً شرسة مع الجماعات الإرهابية ويرفع من معنوياتهم. نجده أيضاً يذهب لجنازة سيادة النائب العام هشام بركات ويقف بجوار أسرته ويوجه كلمات صادقة لهم كأب ومسئول عنهم. لأنه يدرك أنه بعد تكليف الشعب له بتحمل مسئولية الرئاسة لا يمكنه بعد ذلك أن يترك المحراث وينظر خلفه وينفصل عن شعبه.

والشاب الذى أعطى ظهره للعالم وذهب إلى دير من أجل حياة أفضل لا يعود ينظر إلى الخلف ناحية باب الدير، فالدير بالنسبة له هو المسكن الدائم الذى لن يغادره إلى الأبد، وأصبح باب الدير بالنسبة له نافذة نحو العالم الذى سبق أن تركه من أجل حياة الالتصاق بالواحد الذى هو الله، ويُدرك تماماً أنه وقت أن أقبل لخدمة الرب فعليه أن يثبُت على البر والتقوى ويعدد نفسه لتجارب عدة.

والطالب الذى التحق بكلية ما من أجل التفوق فى تخصص معين، عليه ألا ينظر إلى الوراء ويترك المحراث. فيسهر ويتعب من أجل تحصيل العلم من أجل مستقبل افضل ويكون قدوة طيبة لغيره من الشباب. أما الذى بعدما تولى مسئولية معينة، أو تم إسناد تكليف معين له، ثم يرتبك بأعمال الحياة ولا يُدرك أولويات مسئوليته ولا يُحسن القيام بها ويرفع يده عن المحراث وينظر خلفه لأنه بلا فكر، ويُبدد أموال الرعية، فترتبك أعماله ولا يعود يدرك خطورة العمل الذى يقوم به ويصبح كالشجرة الضعيفة فى مهب الريح!!

أستاذ الهندسة ــ جامعة الإسكندرية