رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الثقافة مؤشر نمو المجتمعات

جريدة الدستور

التنمية التى تتخذ من الإنسان غاية لها ينبغى أن تنطوى على بعد ثقافى والتنمية الثقافية لا تعنى الحفاظ على التراث فقط وإنما أيضاً تعنى إثراءه وتجديده حتى يمكن لعملية التحديث أن توفق بين متطلبات التغيير ومتطلبات استمرارية الحياة الثقافية. والثقافة هى المادة التى منها وبها يكون مضمون ومقومات الولاء وهى قيم وتقاليد وممارسات ونظام متكامل، ويذهب الباحث "ماكدونالد" إلى أن هناك ثلاث ثقافات فى المجتمع الجماهيرى، هى الثقافة الراقية أو الرفيعة: تشير إلى العمل الدؤوب الذى تقدمه الموهبة العظيمة والعبقرية وهو العمل الذى يحاول أن يصل إلى أقصى درجة من الفن ويصنعه الصفوة الثقافية أو أنها تشرف على صنعه، أما الثقافة الجماهيرية فيشار بها إلى "السلع الثقافية" التى تنتج فقط من أجل السوق الجماهيرى، وهى سلع متماثلة ومتشابهة لأنها تميل إلى إرضاء أذواق جمهور غير متنوع، وأما "الفن الشعبى" فهو الموهبة الطبيعية عند الشخص العادى الذى ينتمى إلى الطبقات الشعبية، ويتم التعبير عنه بالأغانى الشعبية والرسوم البدائية، وما شابه ذلك.

ويقول "ردفيلد" الثقافة هى مجموعة المفاهيم والمدركات المصطلح عليها فى المجتمع، وهى تنعكس فى الفن والفكر والأعمال وتنتقل عن طريق الوراثة والتقليد عبر الأجيال فتكتسب الجماعة صفات وخواص مميزة، ويرى الدكتور "محمد سيد محمد" أن الثقافة تعبير عن الفكر الإنسانى وتنمية لهذا الفكر بمختلف الوسائل المتاحة فى المجتمع. ويعرف "كوكهن" الثقافة بأنها أساليب الحياة المختلفة التى توصل إليها الإنسان عبر التاريخ والتى توجد فى وقت معين والتى تكون أساليب إرشاد وتوجيه لسلوك الأفراد فى المجتمع. والخصائص الأساسية للثقافة هى:

تتألف من الدين والفلسفة والفن الأدب والعقائد والأخلاق والقانون والعرف والعادات والتشريع والقيم العامة السائدة فى المجتمع.
تعتبر بالنسبة لأفراد الجماعة بمثابة
النماذج والمعايير والقيم التى يشاركون فيها.

مكتسبة، والتراث الثقافى يتراكم وينتقل من جيل إلى آخر لكى تبقى هذه الثقافة وتستمر.
والثقافة هى عناصر بناء العقل، والشعور لدى أفراد الأمة من أفكار وعقائد وقيم ومثل عليا عن طريق التربية المستمرة فى المدرسة والمجتمع ويتمثل ذلك فى الآداب والعلوم والفنون على تعدد أنواعها وبأوسع معانيها وأشملها. والثقافة هى وسيلة وأسلوب يلجأ إليهما المثقف إسهاماً منه فى تجميل حياة الآخرين، ونظراً لطبيعة النتاج الثقافى بشكل عام والإبداعى بشكل خاص وما يتميز به هذا النتاج من تنوع فردى فإنه من الطبيعى أن يحدث التنوع الثقافى والإبداعى على صعيدى الأساليب والمضامين.

والدين ليس نقيضاً للفكر والثقافة، وإذا كانت الثقافة تعمل على تحرير الإنسان من سلطة الجهل فإن الدين يعمل على تحرير الإنسان والثقافة معاً من مخالب الجهل والاختلاف والاغتراب ومن كل ما من شأنه تدمير أنسبة الإنسان وصدق رسول الله "محمد" (صلى الله عليه وسلم) القائل "إن من البيان لسحراً، ومن الشعر لحكمة"، والذى توج الشعر ببردته الطاهرة، وتوج البيان بأحاديثه الشريفة. والثقافة هى ذلك النسيج الكلى المعقد من الأفكار والمعتقدات والعادات والتقاليد والقيم والاتجاهات وأساليب التفكير والعمل وأنماط السلوك وكل ما يبنى عليها من تجديدات أو ابتكارات أو وسائل فى حياة الإنسان مما نشأ فى ظله كل عضو فى الجماعة، ومما ينحدر من الماضى فيأخذ كما هو أو يطور فى ضوء ظروف الحياة والخبرة.

وتضم المكونات الثقافية جميع الجوانب المادية وغير المادية فى مجتمع من المجتمعات كالمؤسسات الاجتماعية وأنماط السلوك وعادات الناس وآمالهم والأفكار والمعتقدات والقيم وأدوات الإنتاج ولغة التفاهم ووسائل الاتصال بين أفراد الجماعة ومن ثم فهى تتناول جميع الجوانب الفكرية والنفسية والخلقية والسلوكية المكونة فى النهاية لشخصية الفرد وهويته الثقافية الكبرى العامة (القومية) والتى تميزه عن الأمم الأخرى وتؤدى الثقافة دوراً فعالاً ومهماً لمجتمعاتها فهى الرباط لتوحيد المجتمع وتنظيم الحياة الاجتماعية فيه لما تمنحه لأهلها من أرضية مفردات اجتماعية مشتركة تيسر لهم التفاعل والاتصال والفهم بحيث تتضمن عاداته الاجتماعية ولغة التفاهم والتواصل بينهم ومعارفهم ومعتقداتهم الدينية والفنون التى يمارسونها.

والثقافة قاعدة أساس لبناء الحضارة فى أى مجتمع إنسانى، حيث تسهم فى تشكيل أفراد المجتمع فتجعلهم يتسمون بالجدية والطرافة والانضباط أو العكس أو الإقبال على الحياة فتكون بمثابة (إطار) ينظم عقيدة وتصورات الأفراد ويطبعها بطابعه والتى بدورها تترك بصمتها على أيديولوجيات الأفراد فتكون هذه الإيديولوجيات قربى، وصلة الرحم بينهم. وعلى هذا فإن العنصر الأساسي في تنمية المجتمعات والدال على درجة رقيها وتحضرها هو ما وصلت اليه ثقافتها ومقدار توحد شعوبها تحت لواء هذه الثقافات وحرصهم عليها وعدم تنكرهم لها.

فعلى عكس ما يظن البعض أن الاندماج في حضارة الغرب وثقافاتهم والتخلي عن ثقافتنا هو دليل التحضر، فالغرب لم ينهض إلا بعد أن كون ثقافته الخاصة، وما اندماجنا في ثقافته إلا دليل على تبعيتنا لا تقدمنا وتحضرنا؛ فلكي ننهض بمجتمعاتنا لابد لنا من التمسك بثقافتنا وهويتنا والحرص على تفردها وأن تكون هي أساس البناء لا أن نهدمها لنستورد بناءاً آخر لا ينتمي إلينا ولا ننتمي إليه ليس له أساسات في أرضنا فينهدم على رؤوسنا!