رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

روح الحجاج حائرة ما بين قتله لـ "ابن حواري الرسول" و "رغبته في عفو الله"

جريدة الدستور

" لا يضر الشاة سلخها بعد ذبحها" ، ما تكاد تذكر تلك الحادثة حتى يرد اسمه إلى أذهاننا، كان أحد جبابرة الأرض، اتسم بعشقه لسفك الدماء، فما خالفه أحد في رأيه إلا وكان القتل هو مصيره، وصفه البعض بالكفر والخروج عن ملة الإسلام ، إنه "الحجاج بن يوسف الثقفي " .

ولد الحجاج بن يوسف الثقفي في مدينة الطائف سنة 41 هـ ، لأسرة من بيوت ثقيف، كانت شهرتها تحفيظ القرآن ، فحفظ القرآن وهو ما يزال صغيرا، ليتردد بعدها على حلقات لعدد من كبار الصحابة والتابعين أمثال عبد الله بن عباس وأنس بن مالك.

اشتهر الحجاج بفصاحته ورجاحة عقله، وكان ذلك قبل أن يدخل إلى غمار السياسة ، فقال عنه أبو عمرو بن العلاء "ما رأيت أفصح من الحسن البصري، ومن الحجاج"، وأرجع البعض ذلك إلى صلته الوثيقة بقبيلة هذيل، أفصح القبائل العربية .

كان" تحفيظ القرآن " أول عمل يمتهنه الحجاج ، لكنه لم يرضي طموحه الذي كان يصبو نحو السيادة والنفوذ، فرحل إلى الشام ودخل في شرطة الإمارة، وفاقت براعته أقرانه، فتقدم بسرعة في المناصب وأصبح مشهورا في مجاله .

" نجاح العمل هو الحزم والشدة " ، كانت تلك قاعدة الحجاج في التعامل مع الناس وخاصة مروءسيه، فاللين بالنسبة له هو الوجه الآخر للفشل، على اعتبار أن الناس ليسوا مؤهلين لإعطائهم حرية الأختيار أو القدرة على التفكير، فهم يفعلون ما يؤمرون .

وذاع صيت الحجاج حتى وصل إلى الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، الذي كان يعمل على إعادة الهيبة إلى الدولة الأموية، وكان عبدالله بن الزبير وأنصاره، الشوكة التى تؤلم ظهر الخلافة، والتي يجب نزعها والتخلص منها حتى تستقر الأمور .

وكان الحجاج هو الخيار الأمثل للقضاء على عبد الله بن الزبير واسترجاع الحجاز إلى قبضة الأمويين، فقام بحصار مكة المشرفة، وضيق الخناق على ابن الزبير، الذي احتمى بالبيت الحرام بعد أن خذله أصحابه.

وظل الصراع بين الزبير والحجاج مستمرا عدة شهور، رفض خلالها ابن حواري الرسول ، الاستسلام لقوة الظلم حتى ولولم يملك شيئا سوى روحه ، لينتهى الأمر باستشهاد الزبير والتمثيل بجثته وصلبه، لتطالب أسماء بنت أبى بكر بإنزاله، واصفة الحجاج بسافك الدماء، الذي بشر به الرسول.

وكان حكم الحجاز مكافأة الحجاج على قتل بن الزبير، لتصبح بذلك مكة والمدينة والطائف واليمن واليمامة تحت سيطرته، ولم تلائم صفات الحجاج ملائمة أهالى تلك المدن ، فكثرت شكواهم ضده، حتى اضطر الخليفة إلى جعله واليا على العراق .

ومع تولي الحجاج لمقاليد الحكم بالعراق، أتت خطبيته الشهيرة " أرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها وإنى لقاطفها"، رغبة منه في بث الرعب في قلوب أهالى العراق ، وحتى يجبرهم على محاربة الخوراج، ليرسخ بتلك الكلمات أول مبادئ الحكم الديكتاتورى.

وحدث ما لم يكن يتوقعه الحجاج ، إذ نشبت فتنه في جيشه، وكادت تلك الفتنة تودي بأحلامه تماما، وتأخذ في طريقها الأخضر واليابس، لتنتهي بعد ثلاث سنوات من المعارك الضارية، لم يكن الحجاج ليحرز فيها النصر دون مساعدة الجيش الشامي في معركة "دير الجماجم" .

وتفرغ الحجاج بعد ذلك إلى الفتوحات الإسلامية ، فأرسل قواده إلى مناطق عدة ، فتم فتح بلاد ما وراء النهر ونشر الإسلام في تلك البقاع، وكان من ضمن تلك البلاد بخارى وسمرقند .

ووافت الحجاج منيته بعد إصابته بسرطان المعدة، ليكون شهر رمضان شاهدا على وفاته، ولتكون آخر كلماته "اللهم اغفر لي فإنهم زعموا أنك لا تفعل"، وكانت وصيته غريبة، تحمل في طياتها كفر مبطن _ والله أعلم _حيث قال " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأني لا أعرف إلا طاعة الوليد بن عبد الملك، عليها أحيا وعليها أموت وعليها أبعث".