رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مراجعات رمضانية «2»


انا من جيل تربى فى الستينيات والسبعينيات على المثل الأعلى فكنا فى مرحلة نعومة الأظفار مابين الطفولة والشباب نبحث عن القدوة الحسنة فى كتاب ندخر من مصروفنا حتى نشتريه بقروش زهيدة قبل ظهور الإنترنت وعالم الفيسبوك وماشابه الآن من العوالم الافتراضية والتى بحثت فيها عن المثل الأعلى فلم أجده كان المثل الأعلى بالنسبة لنا زعيمًا سياسيًا أو معلمًا أو كاتبا أو ممثلا أو لاعبا رياضيًا أو حتى شخص عاديًا فى تصرفاته البسيطة يصبح مثلاً وقدوة لنا الغريب أن المثل الأعلى الآن مختلف شكلا وموضوعا إن وجد بل أصبح المثل الأعلى شيئًا افتراضيًا ايضًا لا يعبر عن قيمة عليا أو قدوة حسنة !!

ومن أجمل ما تربينا عليه نحن جيل السبعينيات عندما كنا فى الجامعة حب الوطن وإن كنت دخلت الجامعة ومعى ذخيرة من حب الوطن تكفى مشاعر العالم كله تعلمته فى مدينتى وشارعى وأنا صغيرًا مع رفاقى فى بورسعيد فقبل 67 عشقنا مصر فى شخص وكاريزما عبدالناصر الذى كان يحل ضيفًا علينا فى الثالث والعشرين من ديسمبر كل عام وهو ذكرى دحر العدوان الثلاثى عام 1956.

وبعد 67 وقعت الهزيمة التى فضلنا أن نسميها نكسة من منطلق رفضنا للهزيمة وليس لعدم الاعتراف بها وقد دفعنا حب مصر للاحتشاد الوطنى كى نستبدل الهزيمة نصرًا وكنت ورفاقى لم نتجاوز بعد المرحلة الإعدادية وعندما هجرنا من بورسعيد مع اشتداد مرحلة حرب الاستنزاف فى 1969 تعلمنا أصول حب مصر من جديد فى منظمة الشباب الاشتراكى التى زودتنا بالمعرفة السياسية إلى جانب عشق الوطن وهو الأمر الذى كان له أبلغ الأثر عندما التحقنا بجامعة القاهرة فى 71 وكان قد رحل عن عالمنا جمال عبدالناصر فى سبتمبر 70 وشهدت مصر تغيرات سياسية انعكست على الجامعة التى شهدت بدورها انقسامًا أيديولوجيًا بين اليسار واليمين وحتى اليسار نفسه كان منقسمًا بين الناصريين والماركسيين وحتى قبيل حرب 73 لم يكن فى الجامعة سوى اليمين الليبرالى أما التيار الدينى كان متواريًا على استحياء.

فى ذلك الوقت تظاهرنا ليس ضد نظام أو حاكم ولكن تظاهرنا من أجل حب مصر فلم نخرب أو نحرق منشآت عامة أو خاصة ولم نوقف دراسة أو نعطل وسائل نقل عام كنا نطالب بألا يعلو صوت فوق صوت المعركة وبعد انتصارنا فى 73 وتصادف شهر رمضان تظاهرنا أيضًا عندما حدث تغير نوعى فى توجهات مصر الاقتصادية تحت مايسمى الانفتاح الاقتصادى وهذا كان من أجل مصر وواجهنا نمو التيار الدينى المدعوم من نظام الرئيس السادات الذى دفع به إلى الجامعة لمواجهة التيارات اليسارية لا سيما التيار الناصرى الذى قوى عوده وانتشر فى شكل نواد سياسية أثرت بشكل فاعل فى مسار الحركة الطلابية المصرية وهى حركة وطنية استمدت زخمها من حب الوطن الذى هو من حب الله ولم يكن الوطن أبدًا وثنًا وعلمه صنمًا كما يزعم دعاة الإرهاب وأصحاب الأفكار المتطرفة الذين وقف إلى جانبهم السادات ولما اشتد عودهم اغتالوه جهارًا نهارًا فى ذكرى يوم احتفاله بانتصار أكتوبر رمضان الذى حققه الجيش المصرى فى 6 ساعات !!ولست أدرى لماذا ربطت كل هذه الذكريات بشهر رمضان ؟؟ ربما لأن الصيام نوع من مجاهدة النفس وما عانينا منه فى السبعينيات كان مرتبطًا بنوع مشابه من المجاهدة من أجل تحرير الأرض وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية وهى روح نفتقدها اليوم وبعد ثورتين مصر مازالت فى حاجة إلى روح رمضان أكتوبر 73 لعبور عنق الزجاجة من أجل حياة حرة كريمة وللتصدى بكل حسم لأعداء الحياة الذين يستكثرون علينا الهدوء والاستقرار مع زعيم اختارته الأمة أكثر ما يميزه الصدق والنقاء.

إعلامى مستقل