رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دروس في وفاة أحمد الجبلي

جريدة الدستور

‫أحمد الجبلي‬ لم أشرف يوماً بمعرفته وهو حي، عرفت بموته من صديقاتي اللواتي حالفهن الحظ ليكونوا على معرفة بزوجته وليتعلموا منهم معنى الإنسانية والحب.
في السنوات القليلة الماضية حاز العديد من الشباب -فتيان وفتيات- على شهرة واسعة بعد وفاتهم، ولكنهم اشتركوا جميعاً في انهم اغتيل شبابهم على يد سلطان جائر في سبيل قول كلمة حق فاستحقوا الشهادة وكان من الطبيعي أن يتم الاحتفاء بهم كشهداء، ولكن أن تجتمع مصر كلها -ليس فقط المقيمين داخلها وإنما حتى المغتربين- للإحتفاء بوفاة طبيعية لشاب، كان هذا حقاً أمراً مثيراً للتدبر والتأمل!
أن نتأمل حياة ذلك الشاب الذي خرجت الجموع في جنازته لتوديعه متحدية حرارة الجو وحرقة الشمس، وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن من صلى جنازته خمسون صالحاً شفعه الله فيهم فكم صالحاً حضروا جنازته وصلوا عليه، وعن سيدنا "عمر بن الخطاب"(رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:"أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة" رواه البخاري، فكم مسلم شهدوا لأحمد بالخير؟!
حاولت أن أتعرف أكثر على حياة أحمد التي استحق بها تلك المكانة العالية، وجدته شاباً عادياً فقط أحب الله وأحب دينه وأحب الناس جميعاً، فقط كان إنساناً يحمل الإنسانية في قلبه ويوزعها على من حوله، كان إنساناً في زمن تحول البشر فيه لوحوش ينهش بعضهم بعضاً، أحب المخلوقات جميعاً في زمن ضن الأخ بالحب على أخيه.
لم يصل لمكانته تلك بكثير صلاة وقيام، لم يزهد في الدنيا ويعتزلها ويترهبن، بل انخرط فيها محاولاً إصلاحها وصبر على أذاها، لم يترك الدنيا هي التي تغيره لتهبط به من مرتبته الإنسانية إلى مرتبة الوحوش وربما أدنى، بل عمل هو على تغييرها لتكون مكاناً أفضل.
كلما تأملت في حياة أحمد الجبلي وحياة غيره من الشباب الذين يكتب لهم حسن الخاتمة أجدهم أنقى كثيراً من أن يعيشوا بيننا، فكل فترة ينعم الله علينا بمن هو مثلهم لنحتذي بهم ولكننا نأبى إلا أن نستمر في طغياننا وضلالانا؛ فيحرمنا الله من وجودهم بيننا ويكرمهم بنعيم وسط الملائكة الذين يشبهوهم؛ فمتى نعي الدرس ونفيق من غفلتنا؟!
‫‏فقط كان إنساناً‬