رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قانون التظاهر أساء للنظام قبل القوى السياسية..

بهاء شعبان "للدستور": "البرادعي" أخذ أكثر مما يستحق ولم يعد مقبولاً

جريدة الدستور

قال أحمد بهاء شعبان، رئيس الحزب الاشتراكي المصري، إن تأخير الانتخابات البرلمانية جاء نتاجا طبيعيا للاضطراب الذي تعانيه اللجنة العليا للانتخابات، مشيراً إلى أن اللجنة لم تأخذ بمقتراحات وتحذيرات القوى السياسية، مضيفاً أن البرلمان الجديد بات مهددا بأن يسيطر عليه رجال المال والأعمال والجماعات الدينية فقط.

وأضاف شعبان في حواره لـ"الدستور"، أن من يرى في 25 يناير مؤامرة تخريبية هم فلول مبارك ومنتفعو نظام وأن من يرى في 30 يونيو هم فقط جماعة الإخوان، مؤكداً أن كلا الثورتين وجه لعملة واحدة إلا أنه تم تخريب جبهة 30 يونيو، التي نجحت في إسقاط حكم محمد مرسي وعاد رموز دولة مبارك طلقاء.

وتابع أنه بانسحاب البرادعي في لحظة احتدام العنف السياسي والخطر المحيط بالدولة؛ فإنه بذلك قضى على نفسه ولن تكون عودته أو اعتذاره مقبولين، مضيفاً أن الانتصار على الإرهاب لن يأتي إلا بالانتصار للحرية وتعظيم حقوق الإنسان وليس بتجنيبهم كما يروج البعض، مؤكداً أن تجريف التربة السياسية بدأ منذ عهد السادات إبان ثورة الشباب، لافتاً إلى أن هذا التجريف مازالت آثاره تمتد حتى الآن في المجتمع المصري.

كيف تنظر لتأخر إتمام الاستحقاق الثالث لخارطة وإنهاء الانتخابات البرلمانية؟

هذا التأخر نتاج منطقي وطبيعي لارتباك لجنة الانتخابات وعجزها عن صياغة قانون انتخابي وتقسيم عادل للدوائر يلبي حاجات الشعب بعد ثورتين ولجوئها إلى منهج كان أحد الأسباب الأساسية لثورة 25 يناير وهو تفصيل القوانين على مقاس السلطة، ولم تستمع اللجنة طوال فترة ما قبل القوانين إلى أي مناشدة أو وجهة نظر عرض عليها من قبل الأحزاب السياسية.

نحن قدمنا جميعاً اجتهادات مبنية على دراسات حقيقية لإصلاح القوانين قبل إقرارها وكان لدينا يقين أن هذه القرارات سيطعن عليها ولن تنجح السلطة في تمريرها بسبب العوار القانوني والدستوري بها لكن لم يستمع أحد لا السلطة ولا لجنة الأحزاب، وبالتالي ما حدث كان تطورا طبيعيا بسبب صم السلطة لآذانها عن التفاعل مع القوى السياسية وإدارتها للدولة بنفس المفاهيم السائدة قبل الثورة.

ما رأيك في الإدعاء بأن البرلمان القادم يهدد مسيرة الرئيس؟

هذا ليس صحيحاً بأي حال من الأحوال؛ القانون الذي يحكم البرلمان القادم يقضي أن يكون 80% من أعضائه مرشحين فرديين وبطبيعة الأمر هذا الفكر لم يأتِ من فراغ وإنما سعت الدولة إلى تقليص دور الأحزاب السياسية وحصرها في ساحة الـ20% بالمقاعد الخاصة بالقوائم لأنها تدرك جيداً أن المقاعد الفردية لها حسابات أخرى لا يقدر عليها إلا الدولة والجماعات الدينية ورجال المال والأعمال، ولذلك أتوقع أن يكون ثلاث أرباع البرلمان القادم من المرشحين الفرديين المرضي عنهم من قبل النظام.

والهدف الأساسي من صياغة قوانين الانتخابات على هذا النحو هو ضمان برلمان تكون الأغلبية العظمى فيه للمقاعد الفردية، التي يمكن السيطرة عليها بشكل كامل ولذلك لا أعتقد أن البرلمان القادم يهدد بمعارضة الرئيس وإن ما نخشاه أنه لن يعبر بأي حال من الأحوال عن أشواق المصريين في الديمقراطية والحرية ولن يعكس واقع المجتمع المصري، الذي يمثل الفقراء والطبقات الكادحة والأغلبية العظمى ولن يتبنى أي إصلاحات سياسية واجتماعية تصب في خدمة الطبقات الشعبية.

وسيسعى البرلمان القادم إلى تكريس سلطة رأس المال وتأكيد توجهات النظام الراهن، التي هي امتداد طبيعي لتوجهات نظام مبارك والإخوان المنحاذة للرأسمالية المتوحشة، التي فتحت الأبواب لرأس المال الأجنبي وأبرز مظاهر هذا الفتح هو "قانون الاستثمار" الصادر مؤخراً، الذي أعطى رأس المال الأجنبي مساحات هائلة من الحرية لنقل الأموال والتصرف واختيار المشاريع التي سيعمل بها دون أي إلزام والتحرر من القوانين المصرية والضرائب والتأمينات والجمارك.

الدولة تعلن بشكل واضح الآن قيام النظام الرأسمالي الحر أو ما يسمى بـ"النيو ليبرالية" في لحظة العالم المحترم يسعى للجم اندفاع هذه الشرائح الرأسمالية التي لا تقيم اعتباراً للدولة ولا ترى في المجتمع أصحاب حق وإنما يحركها الربح في المقام الأول، ونحن في دولة يئن أغلبيتها من الفقر والبطالة والمرض وبحاجة لعدالة اجتماعية حقيقية ورفعت هذه الشعارات بقوة على مدار الثورات الماضية.

ماذا عن قانون التظاهر.. هل ظلم الشباب الذي شارك في 25 يناير و30 يونيو؟

قبل أن يظلم قانون التظاهر الشباب أو القوة السياسية أساء للنظام القائم؛ حيث وضعه في مواجهة حالة شعبية وإرادة سياسية لكل القوى والتجمعات الشبابية، التي شاركت في الثورة، وفي نفس الوقت القانون لم يمنع مظاهرات الإخوان ولا أوقف النشاط الإرهابي المنتشر في كل مكان الآن، هذا القانون أضر بشكل جسيم بالحياة السياسية المصرية، وأذكر أن قبل صدور هذا القانون وقبل 30 يونيو كانت القوى السياسية ناشطة وشكلت جبهة الإنقاذ ولعبت دوراً كبيراً في إسقاط نظام محمد مرسي.

بصدور هذا القانون تم تحييد القوى السياسية واكتساب عداء قطاعات واسعة من السياسيين والشباب بلا مبرر، وأعتقد أنه طالما ظل هذا القانون قائماً ستبقى أزمة الثقة قائمة وهناك خسائر حقيقية للنظام وهو يخوض معركة يحتاج فيها إلى مساندة كل القوى السياسية الذي يتصور أن مواجهة الإرهاب شرطها الأساسي قمع الحريات واهم لأن سياسة القبضة الحديدية مضى أوانها ولن ترهب الشعب ولن تسكت أصوات المعارضين وبدلاً من أن نتحد جميعا أصبح على النظام أن يواجه الإرهاب من جهة والخصومات السياسية من جهة أخرى.

وأعتقد أن الحكمة تقتضي أن تتم معالجة قانون التظاهر وأقترح أن تتشكل لجنة تضم ممثلين للدولة والقوى السياسية والجماعات الحقوقية وكل المعنيين بمستقبل الديمقراطية في البلاد وتسعى هذه اللجنة لمناقشة التحفظات على قانون التظاهر وجمع الاقتراحات البديلة والعمل على إعادة صياغة هذا القانون بما يحقق المصلحة المشتركة، أولاً أن يحقق للدولة الفرصة لمواجهة الخروج على القانون والنظام والإرهاب بشكل كفء وشفاف وموضوعي ولكن بشرط أن يحقق في نفس الوقت للشباب والحركة السياسية حلمهم في الديمقراطية وحقهم المكتسب بالدم والشهداء في التعبير السلمي عن الرأي.

وأنا من حيث المبدأ لست ضد وجود قانون لتنظيم حق التظاهر ولكني بكل قوة ضد قانون يحول تنظيم هذا الحق إلى قمع ومصادرة له.

هل توافق أن ما يسمى بـ"الدولة العميقة" وبتصرفاتها تهدد أي نظام جديد وحتى الرئيس السيسي؟

الدولة العميقة حقيقة قائمة في مصر وفي أغلب الدول التقليدية التاريخية، فمصر أقدم دولة عرفها العالم وهي دولة مركزية بشكل شديد ومن الطبيعي أن يكون للدولة رجالها ومصالحها وهيئاتها وبيروقراطيتها وكيانها الموضوعي القائم بصرف النظر عن طبيعة النظام، وعلى سبيل المثال البوليس السياسي، الذي عرفته مصر لم ينتهِ دوره عقب قيام ثورة 23 يوليو بعد استمرار دوره وممارساته بنفس أشخاصه ورجاله وتحول اسمه فقط إلى جهاز المباحث العامة ثم مباحث أمن الدولة أواخر عهد جمال عبد الناصر وظل على هذا الجهاز قائماً حتى في عهد السادات ومن بعده مبارك.

وبعد انفجار ثورة 25 يناير تغير اسمه إلى جهاز الأمن الوطني وخدم نظام محمد مرسي ثم السيسي وسيخدم أي رئيس قادم؛ لأن هذا جهاز للدولة بصرف النظر عن الحاكم، وهذه الدولة العميقة يمكن أن تلعب دوراً تقدمياً إذا صبت في خدمة التغير الديمقراطي لصالح الطبقات والجماعات الوطنية في المجتمع، كما يمكن لهذه الدولة أن تلعب دوراً معوقاً إذا انحازت إلى الطبقة الحاكمة كما كان يحدث دائما، وأعتقد أن الدولة العميقة لعبت دور في 30 يونيو حينما شعرت بتهديد شديد لمصالحها ووجودها من جماعة الإخوان المسلمين، ثم عادت لتلعب دوراً محافظاً ومعادياً للثورة لأنها خشت من ضياع نفوذها واهتزاز قدرتها على التحكم في الأمور بالمجتمع.

ورأي أن مصلحة مصر ألا تكون الدولة العميقة لاعباً سياسياً مباشراً ويقتصر تدخلها عند الخطر وهو أمر مقبول ويمكن أن تنحاز للشعب في لحظات الاختيار وهو أمر وارد لكن ألا تلعب دوراً في توجيه السياسات وإقصاء المعارضين وتقريب المؤيدين، فهو أمر خطير يؤدي لمشكلات كبيرة في المجتمع والدولة بالمستقبل.

البعض يرى أن تيار 30 يونيو جار على ثورة 25 يناير ورموزها.. هل هذا صحيح؟

أنظر إلى 25 يناير و30 يونيو باعتبارهما وجهين لعملة واحدة الذي يرى فيما حدث فقط 25 يناير هم جماعة الإخوان وأنصارها التي سطت على الثورة واعتبرتها ملكية خاصة وترفض بشكل قاطع 30 يونيو وتعتبره انقلابا عسكريا، ومن لا يرى فيما حدث سوى 30 يونيو ويعتبر 25 يناير مؤامرة أمريكية - إسرائيلية كما يشيع عصابات مبارك والجماعات الفاسدة في المجتمع هم فلول النظام الذي ثار عليه الشعب بسبب فساده واستبداده.

ومن وجهة نظري أن 25 يناير هي الثورة الرائدة العظيمة التي ستدخل تاريخ الإنسانية من أوسع أبوابه و30 يونيو ثورة جديدة لتصحيح الانحرافات في مسار ثورة يناير وكلاهما يصب في مجرى واحد وهو الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية للشعب المصري.

إذًا هل 30 يونيو أعطت فرصة لرموز دولة مبارك للعودة من جديد؟

ما نراه أمامنا الآن أنه تم تخريب جبهة 30 يونيو التي تحركت لإسقاط جماعة الإخوان وهذه الجبهة شارك فيها الدولة العميقة ومختلف القوى السياسية وشباب الثورة ومواطنون بسطاء وما أطلق عليه "حزب الكنبة" الذي استشعر الخطر من تغول جماعة الإخوان وخطورة هيمنتها على مقاليد الأمور، وتلا نجاح هذا التحالف في إسقاط الإخوان إزاحة تدريجية لمكوناته من شباب وقوى سياسية وأنصار 25 يناير حتى انفرد بالسلطة جماعات ليس لها علاقة بالثورة أو بالشعب، ولا شك أن 30 يونيو تمخض عنها سيطرة فلول مبارك الذين لم يقض عليهم في 25 يناير لنفوذهم الإعلامي الكبير وقدراتهم المالية وعلاقاتهم الوطيدة بالسلطات.

وأصبح كل رموز دولة مبارك طلقاء على رأسهم مبارك نفسه ووزير داخليته وابناه وكل من شارك في قتل الثوار وتمت تنحية الشباب من المشهد تماماً والزج بالبعض منهم في السجون، وبات قانون التظاهر مسلطا فوق الرؤوس، وهناك أحكام جائرة لعديد من الشباب لمعارضته بعض الإجراءات القائمة، وهناك شهداء مثل "شيماء الصباغ" التي قتلت بدم بارد وهي تحمل الزهور وتم تقديم 17 من الزملاء بحزب التحالف الشعب للجنايات بتهمة خرق قانون التظاهر، بينما عشرات الآلاف ممن يقتلون ويروعون المصريين ويخربون الملكيات العامة والخاصة لم يحدث لهم حتى الآن أي شيء وهو أمر على درجة عالية جدا من التناقد بين الأقوال والأفعال.

بعض الشباب يرى أن "البرادعي" تخاذل كثيراً وترك لهم المشهد في خضم الثورة.. فما رأيك؟

أعتقد أن الدكتور محمد البرادعي مُنح أكثر مما يستحقه من تقدير ووزن وحقيقة الأمر أن بالفعل لعب دوراً في التأثير على الشباب في فترات ماقبل الثورة وبداياتها لكن دوره كان محدوداً وتحول إلى سلبي بتخاذله في الفترة الأخيرة وانسحابه من المشهده، وهذا الانسحاب في لحظة الاحتدام السياسي العنيف الذي يواجه فيه المجتمع خطرين حقيقيين أحدهما الإرهاب والآخر عودة القمع والنظام القديم، وبذلك قضى الدكتور البرادعي على نفسه بانتهاء دوره تماماً ولم يعد له دور في مصر بعد خروجه منها على هذا النحو المتخاذل، وأعتقد أنه كتب بنفسه نهاية غير قابلة للرجوع فيها أو الاعتذار عنها، فلن يعود البرادعي مجدداً ولن يكون مقبولاً بأي صورة من الصور.

هل أنت مع ما يروج له البعض بضرورة تنحية حقوق الإنسان والحريات جانباً بدعوة محاربة الإرهاب؟

لن ننتصر في الحرب ضد الإرهاب إلا بالحرية، ومحاولات تجنيب قضية الديمقراطية بزعم أنها شرط للنجاح في مواجهة الإرهاب تخلق ديكتاتورية استبدادية جديدة ستنتهي بهزيمة النظام في مواجهة كل قوى الشر، وشرط أساسي للانتصار على الإرهاب أن يكون الشعب حرا يملك إرادته ويستطيع أن يدافع عن حقوقه ومكتسباته، والمشكلة الأساسية أن الأغلبية العظمى من أبناء الشعب المصري لا تشعر حتى الآن أن النظام عاد عليها بأي مكسب على أي مستوى.

ومن يشعرون بالانتصار فقط هم كبار رجال المال والأعمال والمستثمرون الذين أغدقت عليهم السلطة الامتيازات والإعفاءات وتمنحهم فرصا هائلة لتكديس مليارات الدولارات دون مقابل، والمستفيد الوحيد من تأجيل قضايا الحريات وحقوق الإنسان هم الذين سرقوا مال الشعب ونهبوا خيراته وتقلقهم تحركات الجماهير لإيقافهم.

هل ترى أن هناك سبيلا للمصالحة وانخراط الفصائل الإسلامية مجدداً في المجتمع؟

أي حديث عن المصالحة في الوقت الحالي هو خيانة للوطن ودم الشهداء ويعني أننا خسرنا حربنا ضد الإرهاب وسلمنا بوجوده وأنه تم التغاضي عن الدماء البريئة التي سالت كما يعني ذلك أننا رفعنا الراية البيضاء أمام عصابات الإرهاب والخونة المتعاملين مع أجهزة مخابرات أجنبية، وأي دولة تقدم هذه التنازلات أمام الإرهاب فهي تعلن على رؤوس الأشهاد أنها فاشلة ضعيفة تثير طمع كل من يريد أن يحقق أهدافه فيه.

النظام الذي يجرؤ على أن يعقد مصالحة مع قوى الإرهاب الآن يعلن فقدانه للشرعية ويطرح أمام المجتمع تنصله من دوره والمهام التي أوكلت إليه.

تمارس العمل السياسي منذ فترة بعيدة وعاصرت أنظمة مختلفة.. أيهم كان أكثر حرية وتحقيقاً للعدالة الاجتماعية؟

حتى هذه اللحظة لم تتمع مصر خلال أي فترة بالحرية السياسية الكاملة؛ كان هناك نظام قايض الحرية السياسية بالعدالة الاجتماعية وهو نظام الرئيس جمال عبد الناصر الذي منح المصريين حدا مقبولا من العدالة الاجتماعية وفي المقابل تمت مصادرة الحقوق السياسية والحريات وإمكانية تشكيل الأحزاب السياسية والتعبير، وفيما بعد زعم الرئيس السادات أنه حقق الحرية لكنه في النهاية كان نظاماً شمولياً استبدادياً بدأ مسيرة نزع العدالة الاجتماعية ولم يحقق الحرية، أما حسني مبارك فكان نظامه استبدادياً أجاع الشعب وأفقره وفي ذات الوقت حكمه بالحديد والنار.

وأدين نظام مبارك أنه تسبب بشكل كبير في السماح لجماعة الإخوان بالتمدد في المجتمع وتقاسم معها السلطة مقابل أن يستمر في الحكم وكانت النتيجة أنه تمت السيطرة على المجتمع المصري من الأسفل عن طريق آلاف المساجد والجمعيات الأهلية والنقابات واتحادات الطلب التي فتحت مجالات العمل للإخوان والتيارات الدينية دون قيد أو شرط؛ والخلاصة أننا لم نعش فترة حرية حقيقية إلا خلال الـ18 لاعتصام ميدان التحرير في ثورة 25 يناير وما قبل أو بعد تلك المرحلة كان هناك هنيهات من الحرية لكنها لم تتحقق بشكل كامل.

وأعتقد أنه إذا تمت مقارنة هذه الأنظمة جميعاً سنجد أن نظام الرئيس جمال عبد الناصر رغم كل التحفظات على السلوكيات في مجال الحريات السياسية إلا أنه كان الأكثر عدلاً والأكثر اقتراباً من مشاعر مواطنين وتلبية مطالبهم الأساسية.

شعر المصريين بحجم التخريب الذي أحدثه مبارك في التربة السياسية بمصر عندما أقبلوا على انتخابات الرئاسة في 2012.. فهل ترى أنه بعد انتهاء فترة الرئيس السيسي ستكون مصر قادرة على إفراز شخص قادر على قيادة الدولة؟

بالطبع هذا صحيح ونحن نجني ثمار تجريف الحياة السياسية منذ ما لا يقل عن نصف قرن، وبدأ هذا التجريف من الجامعة التي تعتبر هي معمل الحياة السياسية حينما أعلن السادات أنه لا علم في السياسة ولا سياسة في العلم بعد ثورة الشباب في بداية السبعينيات وبالدور الذي لعبته الدولة في تجريف الوعي السياسي وفتح الأبواب أمام التيارات الدينية للسيطرة على اتحادات الطلاب طوال عقد السبعينيات والثمانينيات وما بعدها.

ومن ثم توسعت هذه العملية بمطاردة الفكر التقدمي والوعي السياسي وهو ما انعكس على الأحزاب والحياة السياسية بالنحو الذي نراه الآن، ولم يتغير هذا الوضع طوال فترة حكم السادات ومبارك ومحمد مرسي وحتى الرئيس السيسي، وهذه سياسة متبعة ومعتمدة من الدولة في مواجهة الخصوم السياسيين والقضية الأساسية ليست فقط مسؤولية الدولة عن ضعف الحياة السياسية ولكن تتحمل القوى السياسية جانباً كبيراً من المسؤولية لأنها قبلت تدخل الدولة ولم تقومه وهادنت النظام وسعت إلى القبول ببقاياه مقابل بعض المغانم الصغيرة وعلى حساب القيم ومبادئ الحرية والديمقراطية والعدالة.

أعتقد أنه على الأجيال الجديدة أن تصحح هذا المسار بقدر من الوعي والإدراك، وللأسف الشديد فإن قطاعات الشباب التي لعبت دوراً كبيراً في ثورتي مصر ارتدت إلى نوع من الإحباط والانكماش بسبب مسارات الثورة بعد 30 يونيو وكان الأقدر بتلك القطاعات أن تنظم صفوفها وأن تقرأ وتتثقف كي تعرف لماذا آلت الأمور لذلك، وإذا أردنا أن نغير الواقع علينا أن نغير موازين القوة فلابد من أن ننشئ أحزابا سياسية حقيقية قوية لها صلة مباشرة بالمواطنين وعلى الشباب أن ينزل إلى ساحة الصراع وأن ينظم صفوفه.

ماذا عن المراهنة على انفجار ثوري جديد؟

هذه المراهنة وهم وتضييع للجهد وأتمنى بالفعل أن يدرك النظام خطورة الوضع القائم واحتقان المجتمع وتلبية مطالب وحقوق الفئات الفقيرة والعمال، لأن أي انفجار الآن والدولة تخوض معركة ضد الإخوان غير مأمون العواقب وقد يؤدي إلى انفلات الأوضاع والإضرار الجسيم بمصر وبالشعب وخدمة مصالح الإخوان.

وعلى الرئيس السيسي أن ينظر بعمق لما يجري بعيداً عن أضواء الطبقات الغنية في المجتمع، هناك عشرات الملايين من أبناء الشعب لا يجدون قوت يومهم والبعض لم يتقاضَ أجره منذ شهور عديدة وهذا الأمر يخل خللاً جسيماً بالعدالة الاجتماعية ويشعر قطاعات عريضة في المجتمع أن الدولة لا تقيم اعتباراً لهم.

في رأيك فيما أخطأ الرئيس السيسي؟

الرئيس السيسي لم يلق الاهتمام الواجب لقضايا ومصالح الطبقات الفقيرة وتم إقناعه أن إحداث رواج اقتصادي استثماري سيؤدي بالسليقة إلى حل مشكلات المجتمع الفقير وهذا غير صحيح، فمشكلات الفقر والبؤس الاجتماعي تحتاج إلى خطة منهجية تلعب الدولة فيها الدور الرئيسي وتضخ استثمارات ضخمة لحل مشكلات البطالة والفقر والعشوائيات وتردي مستويات التعليم والصحة والخدمات الضرورية.