رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"سد النهضة" أزمة كل الأنظمة بين حكمة "السيسي".. وهذيان "مرسي"

جريدة الدستور

"سد النهضة" أزمة ظلت مصاحبة لكل الأنظمة السياسية التي تعاقبت على مصر منذ إعلانها جمهورية حتى الآن، اختلفت طريقة تعامل الرؤساء معها في كل مرحلة، حيث أثارت حولها الجدل واللغط الكثير، إلا أن جميع الرؤساء اتفقوا في شيء واحد وهو الردود القوية والحازمة تجاه تلك الأزمة.

"جمال عبد الناصر وأزمة سد الحدود"
بدأت تلك الأزمة في الظهور خلال عهد الرئيس الراحل "جمال عبدالناصر"، لكن اختلف اسمها، حيث سميت بأزمة "سد الحدود".
ترجع فكرة إنشاء سدود في إثيوبيا التي لم تكن وليدة اللحظة، إلى عام 1964، فحددت إثيوبيا في ذلك الوقت 26 موقعًا لإنشاء السدود، أهمها أربعة سدود على النيل، كان من بينهم "سد الألفية أو الحدود" والذي سمى اليوم "سد النهضة".
وأثبتت الدراسات وقتها أن فكرة إنشاء السد غير قابلة للحدوث بسبب أن تربة إثيوبيا غير صالحة لإنشاء سدود، وأنه إذ تم إنشاء السد سوف يمثل تهديد مائي لمصر، بالرغم من تلك الدراسات إلا أن المشكلة ظلت قائمة.
فبعد أن تطورت علاقات مصر بدول أفريقيا أثناء حكم "عبد الناصر"، وكانت علاقات طيبة، نشأت بين "عبد الناصر" والإمبراطور الإثيوبي "هيلا سيلاسي" آنذاك، إلا أنه سرعان ما نشبت الخلافات بين البلدين، على خلفية قيام مصر ببناء السد العالي دون استشارة دول المنبع، وهو ما عارضته إثيوبيا بشدة، وهددت بإنشاء سد إثيوبيا.

"عهد السادات.. القوة مقابل المساس بمياه مصر".
عادت الأزمة لتطل برأسها من جديد في عهد الرئيس الراحل "محمد أنور السادات"، بعد أن أعلن الرئيس الراحل عن مشروع لتحويل جزء من مياه النيل لري 35 ألف فدان في سيناء، وهو ما رفضته أثيوبيا، واعتبرته خطرًا يهدد مصالحها المائية، وتقدمت بشكوى إلى منظمة الوحدة الأفريقية في ذلك الوقت، تتهم فيها مصر بإساءة استخدام مياه النيل، واحتدم الخلاف إلى حد تهديد الرئيس الإثيوبي في ذلك الوقت ''منجستو'' بتحويل مجرى نهر النيل، عن طريق إنشاء سد الألفية أو النهضة.
يرد السادات بأن مياه النيل ''خط أحمر''، وأن المساس بها يعتبر مساس بالأمن القومي المصري، وقال في مؤتمر له عام 1979: "أنه إذا كان هناك ما سيدفع مصر لخوض حرب جديدة فهي المياه"، معلنًا أنه سيدمر السد الإثيوبي بمجرد بنائه،  دون اعتبار لأي أمور أخرى غير مصلحة مصر.
ولم تجد إثيوبيا أي دعم هذه المرة في إقامة سدها المزعوم، خاصة بعد تهديد الرئيس الراحل أنور السادات باستخدام القوة والتهديد العلني.
"مبارك.. محاولة اغتياله في أديس أبابا تقطع العلاقات"..
بدأت تلك الأزمة تدخل في طور الجدية خلال عهد الرئيس المخلوع "محمد حسني مبارك"، ولاسيما حينما أصدر مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن عام 1988، بحث عن السياسة الخارجية الأمريكية إزاء الموارد المائية في الشرق الأوسط، وحددت الدراسة أزمة مياه حوض نهر النيل وكيفية معالجتها، وأبرزت أن مياه النيل مصدر تتحكم فيه كلًا من مصر والسودان.
عام 1995 كان الرئيس الأسبق مبارك في إثيوبيا بالقمة الإفريقية، وتعرض لمحاولة لاغتياله في "أديس أبابا"، ومنذ تلك الفترة لم يذهب مبارك إلى إثيوبيا أو لدول إفريقية، وحدثت قطيعة بينه وبين معظم تلك الدول.
الأمر الذي أدى بإثيوبيا وبعض دول حوض النيل، البحث عن زيادة حصصهم من مياه النيل، عن طريق إنشاء سد النهضة بأثيوبيا والذي شارك في تمويله العديد من تلك الدول في البداية، وكذلك اقتدت العديد من الدول الإفريقية بإثيوبيا في شروعها ببناء سدود مشابهة لسد النهضة بشكل يهدد حصة مصر من مياه نهر النيل.
وخرج وقتها المشير "محمد عبدالحليم أبو غزالة"، يعلن أن القوات المسلحة المصرية والجيش المصري سيوجهان ضربة لأي مشاريع تضر بمصالح مصر في دول حوض النيل.
عهد مرسي.."أبو تريكة هو الحل"
وصلت الأزمة في تلك المرحلة إلى طريق مسدود، ولاسيما مع خروج بعض الشائعات في عهد الرئيس المعزول "محمد مرسي" أن مصر تبيع مياهها التي تسرق أمام أعينها، فضلًا عن تصريحات السلطات الإثيوبية التي لم تكن تراعي الدولة المصرية، وأنهم سائرون في بناء السد، وسكوت ومهازل من الجانب المصري لتلك الإجراءات.
"28 مايو 2013" كان اليوم المضحك المبكي في تلك الأزمة حين عقد اجتماع مع قادة الأحزاب والقوى السياسية للحديث عن أزمة سد النهضة عقب أيام قليلة من إعلان إثيوبيا عن بنائه، مدعيًا أن ذلك السد لن يكون له أي تأثير على توليد مصر للكهرباء، وأن هناك حلولًا أكيدة لتلك الأزمة مع الجانب الإثيوبي.

كان من المفترض أن يكون الاجتماع سري مع قيادات الأحزاب، إلا أنه تم إذاعته مباشرة على الهواء من خلال التلفزيون المصري، حيث شهد مهازل عديدة من تلك الأحزاب ومن الرئيس المعزول نفسه، وقال خلال الاجتماع مجدي حسين رئيس حزب العمل الجديد: إن "حل الأمثل لتلك الأزمة هو عمل مهرجان سينمائي بإثيوبيا، وإرسال لاعبين كرة إليهم من أمثال "أبو تريكة"".
فضلًا عن ما قاله "أيمن نور" رئيس حزب غد الثورة، من أن الحل يكمن في تسريب معلومات لإثيوبيا عن امتلاك مصر لطائرات عسكرية لتقوية سلاح الجو، والضغط على إثيوبيا بشكل غير واقعي للوصول لحل دبلوماسي للأزمة.
ووسط تلك المهازل خرجت الحكومة الإثيوبية تعلن بدء العمل في بناء سد النهضة، كما خرج الرئيس السوداني "عمر البشير" يقول إن سد النهضة سيعود بالخير على كل دول حوض النيل، بما فيها مصر.
"السيسي.. وانفراجة في الأزمة"..
شهدت الأزمة انفراجة كبيرة في عهد الرئيس "عبد الفتاح السيسي" حيث حاول فتح صفحة جديدة في العلاقات بين مصر وإثيوبيا، من خلال لقاء القمة الذي جمع بينه بين ورئيس الوزراء الإثيوبي، على هامش القمة الإفريقية في أغسطس الماضي، على استئناف المفاوضات الثلاثية.
وأمس، استقبل الرئيس السوداني عمر البشير الرئيس عبد الفتاح السيسي بحفاوة بالغة بمطار الخرطوم؛ للمشاركة في القمة الثلاثية التي تضم نظيره السوداني ورئيس الوزراء الإثيوبي "هليماريام ديسالين".