رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماذا يعنى حكم الدستورية؟


المحكمة الدستورية أحكامها ملزمة للجميع، فهى التى تحكم بمدى مطابقة القوانين وعدم تعارضها مع النصوص الدستورية، وهذا يؤكد مبدأ الفصل بين السلطات وعدم تغول سلطة على سلطة أخرى أى عدم إطلاق يد السلطة التشريعية فى التشريع والالتزام بالدستور الذى يحدد العلاقة بين السلطات والمواطن.
وهناك نظام يسمى بـ«الرقابة الدستورية السابقة» على إصدار القوانين، وهناك نظام الرقابة اللاحقة وتعمل مصر منذ إنشاء المحكمة الدستورية بنظام الرقابة اللاحقة أى عرض القوانين المشكوك فى عدم دستوريتها بعد إصدارها من السلطة التشريعية على المحكمة الدستورية، وهذا كان منصوصاً عليه فى كل الدساتير المصرية عدا دستور 2012 الإخوانى الذى أقر الرقابة الدستورية السابقة على إصدار القوانين ثم عاد أمر الرقابة اللاحقة فى دستور 2014.

وقد كان من أهم الأحكام بعدم الدستورية لبعض القوانين التى شغلت ومازالت الرأى العام وهى قوانين ترتبط بطريقة تشكيل المجلس التشريعى وكلها قوانين خاصة بعملية الانتخابات التشريعية، فكان الحكم بعدم دستورية قانون القوائم النسبية لمجلس شعب 1984، والأمر نفسه تكرر مع المجلس اللاحق وهو مجلس 1987، وتكرر مرة أخرى مع مجلس شعب 2012، والأحد الماضى أول مارس حكمت الدستورية بعدم دستورية المادة الثالثة من القانون 202 لسنة 2014 والخاص بتقسيم الدوائر الانتخابية، وذلك لعدم الالتزام بالمادة 102 من الدستور والتى تنص على الالتزام بالعدالة عند تحديد الدوائر بعدد السكان نسبة إلى عدد الناخبين، الشيء الذى تجاوزته اللجنة التى أعدت القانون فكان هناك تفاوت كبير بين دائرة وأخرى فى أكثر من محافظة الشىء الذى أصاب القانون بالعوار الدستورى.

فلماذا يحدث هذا ويتكرر؟ وهل لا يوجد رجال تشريع متخصصون ومتمكنون فى اللجان التشريعية بالمجلس التشريعى يملكون الخبرة فى الفصل ومعرفة وإدراك الدستورى من غير الدستورى؟ وماعلاقة مجلس الدولة المنوط به والمحدد عمله فى مراجعة القوانين قبل إصدارها من المجلس التشريعى أو المنوط به صفة التشريع فى غياب المجلس؟ وما دور الحكومة كسلطة تنفيذية فى قضية التشريع؟ وهل هناك دور للحكومة سواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر فى فرض رؤيتها لتحقيق مصلحة ما فى فرض قانون غير دستورى؟ وما مبررات الإصرار من جهة اللجنة التى شرعت قانون تقسيم الدوائر على إصدار القانون بالرغم من تلك المعارضة عالية الصوت التى قالت بعدم دستورية القانون؟ وهل كان هناك حوار مجتمعى حقيقى حول هذا القانون وغيره خاصة فى غياب البرلمان وإصدار القوانين عن طريق رئيس الجمهورية؟

وهنا لا نقصد بالحوار المجتمعى الأحزاب فقط؟ لأنها لها مصلحة خاصة فى مثل هذه القوانين ولكن نقصد بالحوار الذى يستهدف المواطن المصرى الذى هو صاحب المصلحة الحقيقية فى الانتخابات.

وعلى كل الأحوال وهذا هو الأهم لماذا لاقى هذا الحكم ارتياحاً غير مسبوق من جميع طبقات الشعب؟ هل كان هذا رفضاً للقانون أم كان ومازال شكاً بأن عدم الدستورية هذه كانت مقصودة ومرتباً لها من أصحاب القرار؟ وهذا الشك كان لأسباب كثيرة مازالت تتوه فى دهاليز غياب المصارحة وإهدار الشفافية.

وهل هذا الارتياح الشعبى كان نتيجة لما أسفرت عنه فضائح الترشيحات الفردية والتى صاحبها هذا الهجوم الكاسح من بقايا الحزب الوطنى والذين ترشحوا وراء تعبير مستقلين؟ خاصة ترشح أحمد عز الذى كان رمزاً للفساد والإفساد السياسى والذى كان الشرارة التى أشعلت هبة 25 يناير لإسقاط نظام مبارك؟ ناهيك عن تلك الفضائح المأساوية والتى كشفت المستور لهذه الأحزاب الورقية والتى فقدت صلاحيتها والتى لا علاقة لها بجماهير ولا قدرة لها على ممارسة أى عمل سياسى وحزبى حقيقى فى الواقع المعاش، إضافة إلى كشف زيف النخبة التى تتاجر بالثورة وتتشدق بالجماهير ولا تجيد غير نفاق السلطة والسعى نحو تحقيق مصالحها الخاصة، وهل هذا الارتياح الجماهيرى لحكم الدستورية والذى أجل الانتخابات لحين تعديل القانون والذى سيفتح باب الترشيح مرة أخرى للفردى والقوائم أملاً فى كشف مستور الانتهازيين الذين يعيدون التاريخ السييء بالتمسح في ذيل السلطة بإعدادهم قوائم يدعون أنها قوائم السلطة والنظام.

وكان الحكم وسيعاد الترشح، فهل من عقلاء فى هذا الوطن يشعرون بخطورة المرحلة وعظمة التحديات وجسامة المواجهة فيعيد الجميع كل الحسابات على أسس وطنية تعلى مصلحة الوطن وتنهى السعى لمصالح خاصة ضيقة؟ هل للسيسى أن يعلن بوضوح وبلا مواربة أنه لا يوجد ما يسمى بقائمة النظام ويضع حداً لنفاق المنافقين باسمه حتى لا ينسحب فعل هؤلاء ورد فعل الجماهير الرافضة لهم على السيسى والنظام؟ فهل أمثال من تاجروا بتمرد ومن يدعون انحيازهم للسيسى وهم لا ينحازون لغير ذواتهم قد أصبحوا بديلاً للشعب الذى اختار السيسى ومازال يسانده حتى نخرج من المأزق الذى يهدد سلامة الوطن؟ وهل يمكن أن يتم النظر فى هذه القبضة المركزية فى تشكيل القوائم وأن يكون هناك رأى ورؤية لمرشحى الأقاليم؟ ولماذا الإصرار على أن تكون القوائم بالتعيين وليس بالانتخابات وإذا كان الأمر كذلك فلتؤجل الانتخابات ويتم تعيين لجنة تأسيسية منتقاة لتسيير الأمور.

إذن لابد من حوار حول كل هذه القضايا حتى لا نعيد الأخطاء ويخسر الوطن ويخسر الجميع، وهل من قانون يجعل الرقابة الدستورية على القوانين سابقة حتى لا نكرر ما نحن فيه خاصة أن هناك قوانين مازالت منظورة أمام الدستورية بل لا نحرم أبداً من الساعين للشهرة والذين لن يكفوا عن رفع مثل هذه الدعاوى، هناك تغيير قد تم ووعى قد نضج وشعب لن يقبل بالعودة للوراء والوطن يحتاج إلى كل السواعد فهل للمنافقين من أن يعودوا خطوة للوراء حتى يوسعوا لمن يضعون الوطن فى حدقة العيون؟