رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«محلاها» عيشة الفلاح عايش متبهدل سواح


لماذا حين تحاول الحكومة حل أزماتها مع كبار الملاك أو كبار المحتكرين، أو كبار المستثمرين، أو كبار المتهربين من دفع الضرائب، أو كبار المتعدين على أراضى الدولة وعلى نهر النيل، تطبطب عليهم وتدلعهم، وتدخل معهم فى مفاوضات ومصالحات ومساومات، وقد لا تصل لحل فى قضايا متعلقة بحق الشعب وحق الدولة؟

 أما حينما تكون الأزمة مع صغار الملاك، أو مع بقية فئات الشعب خاصة الفقراء وصغار الفلاحين ومحدودى الدخل، فيتم الحل بالعنف والتدمير والتشريد؟ هنا تقف الدولة لتقول: «نحن نطبق القانون، ألا تريدون أن نطبق القانون؟

ومن لا يريد تطبيق دولة القانون؟ ولكننا نريد تطبيق القانون على الجميع دون استثناء، نريد تطبيق قانون الحد الأقصى للأجور دون استثناء يا سادة.. ما قول الدولة فى بعض الفئات التى مازالت مستثناة من هذا القانون؟

إننا نريد تطبيق القانون على الكبير قبل الصغير، بل ونريد تطبيق المادة الثامنة من الدستور، والتى تنص على «يقوم المجتمع على التضامن الاجتماعى، وتلتزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التكافل الاجتماعى بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين».. هذه مقدمة لابد منها لكى نتكلم عما يحدث الآن مع الفلاحين المصريين. وسنستمر نطالب بتطبيق المادة 29 الخاصة بالزراعة فى الدستور المصرى، والتى تتضمن أن الزراعة مقوم أساسى للاقتصاد الوطنى، والتزام الدولة بحماية الرقعة الزراعية وزيادتها، والتزام الدولة أيضاً بتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعى والحيوانى وشراء المحاصيل الزراعية بسعر مناسب يحقق هامشاً للربح للفلاح، وتخصيص نسبة من الأراضى المستصلحة لصغار الفلاحين وشباب الخريجين.

وهنا ياسادة مربط الفرس. ففى زمن الاستبداد والفساد، حينما كان المخلوع حاكماً للبلاد، كان يستحوذ على الأراضى كبار رجال السلطة والمال من المحاسيب، يستصلحها البعض، ويصدر منتجاتها للخارج، ويعيش متهنى ومتنغنغ من خير البلاد، بغض النظر عن مصالح خريجى الزراعة وصغار الفلاحين. أما أغلبية من أخذوا الأرض لم يقوموا باستصلاحها، بل إما تركوها ليزيد ثمنها وباعوها بعد ذلك بالملايين من تلك المضاربة، أو حولوها لاستثمار عقارى لا علاقة له بالزراعة والرقعة الزراعية. وكانت الدولة تغمض عينيها عن أحبائها من هؤلاء المستغلين الكبار.

أما صغار الفلاحين الذين صدقوا الدولة وباعوا ما يملكون وجاءوا لاستصلاح الأراضى منذ سنوات طويلة وأعطوها الجهد والمال والعرق، ولم تبخل الأرض عليهم بالمحاصيل. أتكلم هنا عن فلاحى أرض السادات الذين استيقظوا من نومهم على أصوات البلدوزرات التى دخلت أرضهم لتدمير الزرع والمحصول، وأكلت الأخضر واليابس لتطبيق القانون، حيث إن هذه الأرض وضع يد، رغم أن الفلاحين قاموا باستصلاحها منذ أكثر من عشر سنوات، ورغم أن معهم أوراقاً تثبت تبعية هذه الأراضى لوزارة الزراعة.

يدور الحديث هنا على المشكلة الخاصة بأرض مدينة السادات التى تبلغ مساحتها 75 ألف فدان، والتى قام الفلاحون، رغم شرائها من واضعى اليد، باستصلاحها وزراعتها وأصبحت مصدر رزقهم لسنوات طويلة. استيقظت الدولة فجأة الآن ودمرت زراعاتهم.

لماذا لا تجلس الدولة معهم لحل المشكلة؟ إنهم مستعدون لتقنين أحوالهم ودفع جميع الرسوم حتى يستمروا مستقرين فى زراعاتهم؟ هل رأيتم ياسادة يامسئولين فى وزارة الزراعة ومجلس الوزراء هؤلاء المزارعين فى وقفتهم أمام مجلس الوزراء وهم يلوحون بعيدان المحصول الخضراء المليئة بالثمار ويناشدونكم أن تتركوهم شهرين حتى يتم جمع المحصول ويبيعونه ويسددون مديونياتهم للبنك؟ هل سمعتم يا سادة يا مسئولين الشاب الذى قال إنه مديون للبنك بأربعين ألف جنيه وطلب من بين دموعه تركهم لحين جمع المحصول وتسديد المديونية؟ والله إن صورة تدمير زراعتهم لا تقل بشاعة عن صورة تدمير أشجار الزيتون واقتلاعها على يد الصهاينة فى أرض فلسطين!

هل هيبة الدولة وتطبيق القانون يكون بمعالجة الأخطاء والفساد الذى استشرى فى عهد النظام الأسبق بمزيد من الخطأ؟ هل تطبيق القانون يكون على الصغار فقط الذين لا سند لهم فى الوقت الذى يتم فيه ترك الكبار الذين ردموا مياه النيل وأقاموا الفيللات والقصور، ويتم التفاهم معهم الآن، بل يقول الوزير إنه يتم الاتفاق مع الكبار على أن يزيلوا المخالفات بأنفسهم «كما يحدث فى منطقة منيل شيحة»؟ سبحان الله! نترك أصحاب الجاه والمال ونفترى على الصغار الذين قال أحدهم نحن نزرع الأرض ليأكل منها كل الشعب المصرى، ومن عرقنا يأكل هؤلاء الكبار.

الفلاح هيلاقيها منين واللا منين؟ الفلاح بيلف ويدور حول نفسه كعب داير من وزارة الزراعة لبنك الائتمان الزراعى، للجمعية الزراعية، لهيئة استصلاح الأراضى، لهيئة الإصلاح الزراعى، لوزارة الأوقاف. يلف ويغنى ويقول سواح وأنا ماشى ليالى سواح.. ولا دارى بحالى، ولسان حاله يشكو المسئولين الذين ليس عليهم إلا إصدار القرارات والقوانين دون النظر لكل الظروف المحيطة بالمصريين، ودون الانحياز لفقراء الشعب وعماله وفلاحيه. المسئولون الذين مازالوا يطبقون نفس سياسات نظام المخلوع التى تنحاز لكبار أصحاب الجاة والمال، وكبار المستثمرين. المسئولون الذين يسارعون بوضع قوانين لمزيد من التسهيلات والامتيازات لقلة من قمة الأغنياء على حساب أغلبية الشعب المصرى. فهل تسمعونهم أم مازالت الحكومة ودن من طين وودن من عجين؟