رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أطفالنا.. فى الشوارع!!


لا أدرى لماذا تداعت إلى ذهنى هذه الأفكار والخواطر وأنا أشد الغطاء حول أطرافى فى هذه الليلة الشتائية الباردة حد الصقيع، وأشعر أن لفحات نسمات هواء الفجر فى الخارج تكاد تجمِّد الأطراف وتتسلل عبر النوافذ والستائر السميكة إلى عصب النخاع فتصطك أسنانى وأرتجف وأنا تحت كل هذه الأغطية الصوفية.

يا الله .. ما بالكم بمن يهيمون على وجوههم الآن فى الشوارع والحارات والأزقة بلا مأوى .. بلا غطاء .. بلا صدور حانية تعطيهم وتمنحهم جرعة من الدفء والحنان الذى تهفو إليه كل نفس بشرية تعيش كحياة الأسوياء من البشر !!

أولئك هم أطفالنا وفلذات أكباد العباد فى الشوارع، ويتخذون من فجوات مواسير الصرف الصحى وأقبية الكبارى العلوية مسكنًا ومأوى فى أخطر الأماكن بقاهرة المعز عاصمة مصر التى نتمناها جديدة بكل المقاييس الحضارية.

تجسدت الصورة المأساة أمام مخيلتى.. طار النوم.. اعتدلت فى جلستى والصورة تحاصرنى فتزداد الرعشة وتشرُد خواطرى فيمن نسج وما زال ينسج ُثوب تلك المأساة لهذه النماذج من البشر الذين ستغادرهم ملامح الإنسانية وصفات البشر بعد قليل من سنى حياتهم ليصيروا نهبًا ولقمة سائغة لكل من تسوِّل له نفسه استخدامهم ضد كل الشرائع والقوانين والأديان وضد المجتمع بأسره، ويستثمر فيهم بذور الحقد والضغينة التى لابد أن تنمو تترعرع فى تربة أرواحهم المتعبة والساخطة على الحياة والدنيا بأسرها، وقد خرجوا إلى الشوارع.. منهم المتمرد على حياة الأسرة المفككة وغياب الراعى أيًا كان سبب الغياب، أو انفصال من كانوا سببًا فى وجودهم أصلاً على ظهر البسيطة.. منهم من خرج إلى الشوارع هروبًا من أسرة لا تراعى أدنى حقوق الطفل فى أن يحيا حياة سوية كريمة.. وربما لانشغال الأسرة فى أعمال غير مشروعة فيخرج إلى الدنيا وهو يحمل «جينات» الشر الآتى مع عصب حياته المكتوب عليها التشرد والضياع حتى قبل أن يولد.

مهلاً يا قلمى.. وعذرًا استغرقنى الإحساس فأسهبت فى رسم تلك الصورة المأساوية، ولكنى أبحث الآن عن الحلول وليس نقل هذه الصورة التى يراها الجميع دون أن تهتز لهم خلجة من خلجات الأحاسيس، وإذا اهتزت ربما ــ أقول ربما ـ يجود بالقليل فى نفحة سريعة عاجلة متعجلة فى لحظة من لحظات صحوة الضمير ثم يمضى إلى حال سبيله ويترك المشكلة ككرة الثلج التى تتدحرج فتكبر وتكبر حتى تسقط على رأس الجميع، وساعتها سنعض أصابع الندم والحسرة ولن نستطيع أن ننزع فتيل تلك القنبلة الموقوتة بين ظهرانينا، لأنه ساعتها سيكون قد فات الأوان، ونمصمص الشفاه .. ونمضى!!

ولا أدعى أننى أملك الحلول لتلك الدراما السوداء التى يعيشها مجتمعنا منذ بدأت جحافل الجرافات اللامسئولة فى تجريف كل شىء جميل حولنا على أرض مصر .. ولكن دعوتى إلى الإسراع بإجراء حوار مجتمعى شامل، يضم كل المؤمنين الشرفاء برسالة الوطن ومواطنيه، وهذا الحوار المجتمعى لابد أن يضم خيرة أساتذة علماء الاجتماع الذين استفاد منهم العالم الخارجى بل ويخططون لدول العالم الغربى منذ زمن، ولا نستفيد من مهاراتهم وعقولهم فى محو تلك الخطيئة الكبرى عن وجه مصرنا الحبيبة، حوار مجتمعى يخرج بقرارات وليس توصيات كما يحدث فى معظم المؤتمرات التى تجتمع وتنفض لتصدر «توصيات» ـ للأسف ـ لا تساوى ثمن الورق الذى كُتبت عليه!!

حوارًا نخرج منه بالعلاج الناجع بدءًا من النظرة الموضوعية فى مناهج التعليم التى ترهلت حد التفاهة فى مراحل التعليم، والقضاء على المشاكل التى تعتور مسارالأسرة المصرية، هذه المشاكل التى تؤدى بدورها إلى غياب الدور الفاعل والتوجيهى للأجيال التى تخرج إلى معترك الحياة ولا تجد من يمد لها يد العون والتوجيه الأمثل لاقتحام أسوار الحياة العالية، وهذا لن يتأتى إلا بإصدار قرارات لها قوة القانون، لمحاسبة الأسرة منذ لحظة قيام كيانها، ولا مانع أن يتم إدماج تلك القرارات بقوانين فى عقود الزواج.. للمحافظة على الجيل الذى سيخرج للنور، لأنه سيكون اللبنة الأولى فى صرح الوطن.

ومن هنا كان حرص القيادة السياسية متمثلة فى الرئيس أن يلتفت إلى هذه المشكلة الخطيرة والمتفاقمة يوماً بعد يوم، فيصدر القرارات بتخصيص حصة مالية للإنفاق على محو المشكلة من الأساس، وفى رأيى ـ كمشاهدة ـ أن الأموال لن تكون كافية لروشتة العلاج الناجع والناجح، إذا لم نقم بإعداد الكوادر الواعية الفاهمة لأبعاد المأساة.

هل أنا أحلم؟ مارأيكم؟

مركز اللغات والترجمة-أكاديمية الفنون