رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هذا المحتوى بأقلام قراء جريدة وموقع الدستور

هل يفلح العنف فى جرنا لما يريد ؟

جريدة الدستور

التماسك والترابط والتوافق بين فئات المجتمع المصرى هي إحدى أهم المميزات التي تجسد العمق الثقافي والحضاري لهذا الجذر الأجتماعي في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط ككل .
فمصر واحدة من دول قليلة في العالم لا يوجد فيها طوائف وعرقيات وأديان، وكل التباينات الموجودة في المجتمع المصرى هي تنويعات أجتماعية وسياسية، بأستثناء قلة قليلة هي (تنوع ديني) يتمثل في معتنقى الديانة البهائية الذين يقل عددهم اليوم عن 100 مواطن مصرى.
هذا النسيج المجتمعي المتين مثّل واحدة من أهم العقبات أمام الراغبين في تفتيت المجتمعات وتجزأتها حتى يسهل السيطرة عليها، لهذا تصدرت أمريكا وحلفائها الدفاع والتواطؤ مع جماعات العنف المسلح، وتسعى إلى خلق جماعة إرهابية هناك، وتوكل أخرى بمحاربتها، وتقف هي راعية ومشرفة على كل هذا الدمار، وفي السنوات الأخيرة ظهرت السياسة الأمريكية جلية من خلال خلق أقليات تم دعمها ثم البحث عن موطئ قدم لها، ثم تمكينها من السيطرة والحكم، حتى يشعر المجتمع كم هو مجروح في قيمته، ومشروخ في تماسكه.
إلى ما قبل ثورة 25يناير، كان المجتمع المصرى لا يعرف تلك النعرات الضيقة، مهما اختلفت قناعات أبنائه وتعددت انتماءاتهم، إلا أن الهوية الوطنية جامعة وواحدة بما فيها من تنوع سياسي واجتماعي وثقافي، وتنوع مذهبي طفيف ومحدود.
ومن عاش أو زار مصرمن الأجانب يجد أنه في مجتمع يفوق عدده 90 مليون نسمة، يبدو كقطعة زجاجية واحدة، فيها تناغم لوني جميل، لكن لا تبدو عليها شروخات وأنقسامات.
بأستثناء بعض المناطق الحدودية ، أكون قد زرت كل منطقة في مصر، ومكثت فيها ولو لأيام قليلة، وفوق كل شبر يجد المصرى أنه يتنقل بين أهله وعشيرته، لا يشعر بوحدة، ولا تهزه مشاعر فقد وبين.
أكتب هذا وأشعر بألم حاد يضرب جسدنا المصرى القوي المتماسك؛ نتيجة تصدر المشهد لجماعات العنف التي أرادت أن تأخذ دور المقاول، وتوقع العقد مع أمريكا لتجزئة البلد، والدفع بآخرين إلى مقاومة هذا المشروع، حتى تتعمق الشروخ الأجتماعية، ويسهل التعامل معها والسيطرة عليها.
وكانت فاجعة وسيئة كبيرة أن تنطلق من عاصمة السلام والثقافة هتافات عنصرية ومذهبية نتنة، لم يعرفها المجتمع المصرى على الأقل منذ 100سنة، ولعل أيادي المخططات السوداوية رأت ذلك واطمأنت لنجاحاتها، لكنها لم تعِ أن تلك لحظات عابرة ونزقة ولا تمثل قيم المجتمع المصرى المتماسكة كضفائر الفولاذ.
وأيا كان رعاة التمزق داخلياً وخارجياً، لن يتمكنوا من جرنا إلى صراعات مقيتة قد غادرت ذاكرتنا قبل عشرات ومئات السنين