رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفرصة الأخيرة


إن الذوق العام لكل مجتمع يتشكل كسلسلة طويلة من الأفكار والقيَّم والفلسفات ونوع النظام السياسى والتراث والأوضاع الطبيعية ولقد استقى الإنسَان أبجديات الذوق العَام ومفاهيمِهِ من التشريع الدينى الحنيف فى الكتاب الحكيم الذى هذّبه وأحسن أدبه وسلوكه، ومناهل السنة النبوية العظيمة على صاحبها أفضَل الصَلاة وأتم التسليم التى يرتقى من خلالها كلما كانت له نبراساً مُتّبعًا بالقول والفعِل فى شتى شئون الحياة وأدق تفاصيلها، ومن المعروف أن كل ما هو جميل هو خير، وكل الخير جميل، فالجمال والخير متلازمان.والذوق يعتنى بكل ما هو جميل ويحمل الخير فى كل صوره وهيئاته وحالاتها ومنذ سنوات عديده انحدر الذوق العام فى مصر إلى أدنى مستوى له. قد يكون فى جزء منه تجاوز للقانون. قد يكون هو الفهم الخطأ للحرية. قد يكون الفقر والإحباط هما السبب. قد يكون. وقد يكون... إلا أننا فى النهاية أمام تسيب عام فى الجمال «بفتح الجيم». تدهور عام فى الذوق والإبداع والفنون ككل. المثقفون ساهموا فى ذلك. كما الساسة. كما السلطة التنفيذية بصفة عامة.اعتاد الأجداد والآباء الجلوس بالساعات طويلة لسماع موسيقى هادئة أو لحفلات كوكب الشرق أم كلثوم وعبدالوهاب ونجوم زمن الفن الجميل وعندما أشاهد هذه الحفلات ومدى الوقار والاحترام وحسن الإنصات والذوق والشياكه للحاضرين فيها، ثم أشاهد حفلات التى نحضرها الآن، أعرف الفرق الشاسع بين هذا الزمن وما فات من أزمنه سابقه واتيقن أن هناك انحدارًا فى الذوق العام لم نعد لدينا الرغبة ولا الوقت لاختيار الأفضل فاعتادنا على أن كل أمور حياتنا تيك أواى بدءًا من تناول الطعام إلى التعاملات الانسانية وصولا إلى تربية أبنائنا وأتساءل كم أسرة مصرية تذهب لحفلات الأوبرا.وتحضر عروض الباليه وحفلات الأوركسترا السيمفونى مثلاً ونعود لنعيب على الشباب فإنه ليس لديه من الذوق العام مثل آبائه مع أن الآباء هم المقصرون واشاهد اليوم الأطفال وهم يرددون الأغانى التى تستخدم فيها أسماء للمخدرات والسجائر وكثير من المصطلحات التى لا أنزل الله بها من سلطان وأصبحت القدوه غائبة أتعجب عندما أسمع من والداتى أنه عند ظهور عبدالحليم حافظ اعتبره آباء يهم نوعًا من الميوعة فى الفن فما بال هذا الجيل لو استمع وشاهد ما نشاهده اليوم من أشياء هى أبعد ما تكون عن الفن لقد أصبحت الدراما هى تعبير عن أسوأ ما يوجد فى المجتمع.وكانت مصر أصبحت هى البلطجة والمخدرات والسلاح والتهريب والفساد وهذا هو الواقع الوحيد الذى نعيش فيه القبح والقبح فقط أن العديد من أطفال اليوم شباب الغد يتناولون جرعات يومية لإفساد الذوق العام تكفى لتدمير عقول ووجدان الجميع فكيف سيحملون الراية بعد ذلك وعلى أى شىء ستبنى المستقبل؟! لو لم يعلم جميع المسئولين أن هناك جيل يضيع الآن ونحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه ومحاولة السمو بالذوق العام ابتداء من كيفية تعامل بعضنا لبعض أخلاقيات الحديث وقياد السيارات والتعامل مع المنشآت العامة ووساؤل المواصلات العام والمدارس والجامعات كل هذا على سبيل المثال وليس الحصر ولو لم نستعد القدوة الحسنة، لو لم نستعد القيم والمبادىء التى حثت عليها الأديان السماوية وعادات المجتمع المصرى الأصيل لو لم نستعيد معنى الرجولة الحقيقى وقيمة المراعاة داخل المجتمع واحترام الكبير والعطف على الصغير فسنجد أنفسنا فى غياهب الطرق فاقدين هويتنا الحقيقية أفيقوا قبل فوات الأوان وحدوا الصفوف وحددوا الأهداف هل نريد البناء أم الهدم؟ هل نريد التأخر أم التقدم؟ هل نريد الحرية أم الفوضى؟ وفى النهاية اللهم احفظ مصر.