رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هذا المحتوى بأقلام قراء جريدة وموقع الدستور

داعش للتدمير

جريدة الدستور

ليلة الخميس الماضى التقيت بمدينة 6 أكتوبرعراقياً يقيم هنا في مصر، وجدتها فرصة للحديث معه عن ما يجري في العراق بفعل تنظيم داعش وخاصة الموصل التي علمت خلال حديثى معه أنها مسقط رأسه.
كان يبدو منزعجاً للغاية، تسيطر عليه حالة من الحزن والألم الشديد، تحدث معي عن ما يجري بكل وضوح ونبرات صوته تدل على حرقته على ما الم بوطنه ، قال: إنهم يستبيحون كل شيء، لا حرمة لأحد عندهم حتى النساء؛ بل إنهم يتحسسون المنازل فمن وجدوا عنده أكثر من بنت واحدة أرغموه على تزويج من زاد على مقاتلين منهم، ومن يرفض يقتل أو يعذبونه عذابا لا يكون بعده للحياة رغبة.
قال بصوت تملأه الحرقة والأسى : يمارسون ضد الناس عنفاً همجياً لا يحتمل، بل أندى من ذلك يهجرونهم ويرغمون أولادهم على القتال معهم وما أحداث الموصل عنك ببعيد.
وأنهى كلامه على وقع اتهام مباشر لهؤلاء المتحاملين على الإسلام بأنهم يتبعون أجهزة استخبارات غربية وأنهم صنيعة لعبة دولية لأستنزاف المنطقة العربية وإبقائها في دوامة الصراعات الدائمة.
وبالنظر إلى كلامه ومقارنته بالواقع تجد تقارباً كبيراً إن لم يكن كاملاً بين المدلول الحقيقي للهجته المعبرة عن المجريات بحسب تواصله مع أهله وذويه هناك وبحسب ما نسمعه ونشاهده عنهم من ممارسات لا تمت لتفاصيل الإسلام بشيء وبعيدة كل البعد عن الكنه الإنساني ذو الرسالة المخلدة للبقاء وحق الإنسان في الحياة كشريك فيها وخليفة.
إننا حين نشاهد مشاهد الرعب تلك المخالفة لكل أعراف القتال وسلوكياته ليست فقط الإسلامية بل حتى الجاهلية، ندرك أنهم وحوش تجردوا وجُردوا من كل أصول البشر وأطباعهم.
لقد فاقوا بتلك الأفعال الشنيعة كل محارق الدنيا التي تعاقب على افتعالها وتصدر واجهاتها شر البشر وأفسدهم ولم يورثوا في التاريخ غير السواد والذكر القبيح وشماتة الناس بهم ونكرانهم لوجودهم، فاق هؤلاء المحسوبون على الإسلام جدلا لا حقيقة، ونكاية به لا خدمة له، وتشويهاً لا تحسيناً وأندى من ذلك أنهم يصورون الدين الحنيف على أنه آلة تسحق كل من يخالفها ويقف في طريقها.
ليس للإسلام صلة بمثل هذه الأفعال الشنيعة، إنه لا يهجر الناس من بيوتهم ولا يكرههم على القتال ولا يشرعن للمقاتلين بأبتزاز النساء الآمنات في أخدارهن لمجرد العداء، ولا يقبل ديننا أن يكره المرء على دينه بل حتى الطيور والحيوانات شرعن لهم حرمة في حال القتال.. هذا الإسلام في صميمه وفي أصل ما جاء به كدعوة تحمل في طياتها بناء الحياة وإصلاح البشر.
لا يوجد تفسير يحاكي حقيقة هؤلاء غير أنهم صنيعة استخباراتية بأمتياز، تستنزف الأمة وتنهب خيراتها وتستفحل في إنتاج الأزمات واستنساخها كما يحلو للمدبرين والداعمين، بل ويبرهنون من حين لآخر أنهم على علاقة كاملة بتلك القوى الكبرى حيث أننا إذا جئنا إلى حقيقة الإسلام فهو لا يدعو لمثل هذه الإفرازات النتنة التي تستهدف وجوده وكنه ما جاء به.
كما أن المتغيرات الطارئة التي عاشتها المنطقة العربية مؤخراً شكلت فرصة مواتية لظهور مثل هذه الأعباء المأزومة والتي لا نية لها غير استمرار حالة الذعر بين الناس ونشر المخاوف وتفكيك المجتمعات وصناعة فجوات كبيرة في مجتمعات إسلامية محافظة وفي ذلك خدمة جليلة مسداة لأعداء الدين والأمة وهو ما نحن فيه اليوم أو نسري فيه على الأقل.
يحاول هذا التنظيم ذو الاسم الباهت على تصوير نفسه كمواجه لمستعمرين غربيين ويقصد في ذلك التحالف الدولي ضده ناسياً أن هذا التحالف جاء بعد ظهوره بأشهر وبعد أن كان قد استفحل في استمراء الناس تعذيباً وفتكاً وقتلاً، ثم إن هذا التحالف هو الآخر يعمل لمصلحة ذاتية حيث وأن عدم الاستقرار وغياب الدولة في الوطن العربي بالنسبة له يعد نجاحاً كبيراً لتثبيت أقدام الكيان الصهيوني في المنطقة من جهة ومن جهة أخرى ليتسنى له نهب ثروات العرب دون مواجهة أو استنكار يذكر.
إن هذه المغالطات لم تعد تنطلي علينا بعد أن انكشف الستر وباتت الأوراق أمام الجميع ليقرأوها ويدركوا حقيقة هذا التنظيم الذي يعد صورة من صور الهيمنة الغربية في المنطقة على اعتبار أن لا متضرر من ذلك غير أوطاننا ومواطنينا.
استسلمت حقاً لهذه الرواية التي تؤكد أن هذا التنظيم هو صنيعة استخباراتية لاستنزاف الأمة ودول المنطقة ذات الثراء الفاحش ويؤكد ذلك محدثى العراقي حين قال لي: إن أردت أن تتأكد من حقيقتهم فاسأل نفسك عن هؤلاء أين يقاتلون؟ ومن يقاتلون؟
فاسألوا أنفسكم هذان السؤالان ليتسنى لكم معرفة هؤلاء ولتنقشع عنكم غمة الانجرار خلف مثل هذه النداءات المجحفة بحق الدين والأمة والتي لن يحالفها النجاح ولن يكتب لها البقاء مهما تفننت في ابتكار أساليب الغدر والإفساد.