رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

احذروا الطرف الرابع!


أظن أنها أول مرة أستخدم مصطلح الطرف الرابع، فقد تعودنا فى السابق، وما زلنا على سماع مصطلح الطابور الخامس باعتبار أن الطوابير الأربعة القلب والجناحين والذيل أو المؤخرة، لكن الكتاب استخدموا مصطلح الطابور الخامس إشارة إلى الجواسيس الذين ينقلون المعلومات إلى العدو.

أو أنهم يقومون بأعمال التخريب فى عمق الطرف الآخر، واعتبروهم من الأهمية مما يجعلهم أقرب، وربما أهم من الطوابير الأربعة السابق ذكرها، فسموهم الطابور الخامس، وما زلنا نقرأ فيما يكتبه البعض ونرى ما يذكره المشاركون فى البرامج التليفزيونية من هذا المصطلح حتى الآن، لكن ليس هذا هو المطلوب، فالحديث هنا ليس عن الطوابير، ولكن عن الأطراف.

ما دفعنى إلى التفكير فى الطرف الرابع ولأول مرة، هو ما تردد من أحاديث وآراء حول حادث مقتل الناشطة شيماء الصباغ رحمها الله، فقد تذكرت كيف انتشر فى أحداث ماسبيرو فى أكتوبر عام 2011 الحديث عن طرف ثالث، فالقوات المسلحة والشرطة نفت تماماً إطلاق رصاص على المتظاهرين، وكان هناك قتلى ومصابون فمن أين جاء الرصاص؟ ومن ذا الذى أصاب المتظاهرين؟ وتردد مصطلح الطرف الثالث، فالطرف الأول هو المتظاهرون، والطرف الثانى القوات المسلحة والشرطة، أى الحكومة، وكان المجلس الأعلى للقوات المسلحة يدير شئون البلاد، ولما كان كلا الطرفين ينكر إطلاق النيران، بل وينكر أى علاقة بها، جاء مصطلح «الطرف الثالث» مثل ما يقال «الشخص المجهول»، أو «مستر إكس»، وتردد الحديث عن «الطرف الثالث» بعد ذلك فيما سمى بـ «أحداث محمد محمود»، ثم «أحداث مجلس الوزراء»، ثم «أحداث مجلس الشورى»، لكن أحداً لم يستطع أن يكتشف كينونة وما هية «الطرف الثالث»، وظل الاتهام معلقاً برقبة القوات المسلحة صاحبة السلطة، وبالشرطة دون إثبات طالما أنه لم يمكن الكشف عمن يستخدم السلاح، واستخدم البعض مصطلح «اللهو الخفى» كنوع من السخرية، وكثر ترديد هتاف «يسقط يسقط حكم العسكر»، حيث أصبح الطرف الثالث وسيلة للدس بين الشعب وقواته المسلحة.

وجاءت يونيو لتكشف لنا مجموعات إرهابية إجرامية، لا تقتصر على استخدام الرصاص والخرطوش، بل وعبوات المولوتوف الحارقة والقنابل البدائية الصنع وقنابل المسامير، والتفجير عن بعد، واستنتج كثيرون أن الطرف الثالث كان من المجموعات الإخوانية الإرهابية التى كانت قد أعدت نفسها للاستيلاء على السلطة إذا لم تصل إليها بالانتخاب، لكن لا بد من القول إننا إلى الآن لم نستطع أن نقدم الدليل على أنهم هم الذين استخدموا الأسلحة فى تلك الأحداث، وهى مسئولية أجهزة جمع الاستدلالات متمثلة فى الشرطة والمخابرات، كما أن على السلطة التحقيق متمثلة فى النيابة العامة والعسكرية أن تتابعها وتقدمها إلى الرأى العام كما تقدمها إلى القضاء. وما زلت رغم ذلك أتحدث عن الطرف الثالث، فماذا عن الطرف الرابع؟

لفت نظرى إلى هذا الطرف ما نشر فى أعقاب مقتل ووفاة الناشطة شيماء الصباغ أدعو لها الله بالرحمة والمغفرة، فقد استمعت وقرأت لبعض من علق على الحادث بشكل علق المسئولية كاملة على الشرطة، بينما اتجه البعض الآخر إلى تبرئة الشرطة تبرئة تامة. الخطير فى الأمر يتلخص أولاً فى أن بعض هؤلاء يشغل منصباً إعلامياً كبيراً كرئيس تحرير جريدة قومية يومية، أو رئيس مجلس إدارة لمؤسسة صحفية قومية، وأغلبهم إن لم يكن كلهم يعلقون المسؤولية فى رقبة الشرطة، وقد بحثت فيما قرأته من كتاباتهم عن أدلة استندوا إليها فلم أجد! كما قرأت طبعاً للبعض من برأ الشرطة تبرئة تامة متجاهلين جميعاً أن القضية معروضة على النيابة وأن تقرير الطبيب الشرعى لم يكن قد صدر حتى ذلك الوقت، ولست أدرى إذا كان قد صدر حتى الآن!

هكذا أصبح كبار كتابنا بمن فيهم مسئولو الصحف القومية أطرافاً فى النزاع الدائر فى مصر، وقد كان حريا بهم أن يضربوا المثل فى تبيان الأسلوب الصحيح للتعامل مع مثل هذه الأحداث، ولما كانوا غير منخرطين فى أى من الطرف الأول «المتظاهرين»، أو الثانى «الشرطة»، ولماكان من المؤكد أنهم ليسوا من الطرف الثالث الذى يستخدم السلاح والإرهاب، فقد فضلت أن أسميهم «الطرف الرابع» وأدعو الجميع إلى الابتعاد عن الانضمام إلى هذا الطرف الرابع. واستفزنى حديث مسئول الحزب المنظم للمظاهرة الذى طالب بإقالة وزير الداخلية بمنطق أنه «الوزير»، إما مسئول عن قتلها بواسطة الشرطة، أو أنه مسئول عن مقتلها، لأنه فشل فى حمايتها، وبهذا المنطق يصبح من اللازم إقالة عشرة وزراء داخلية يومياً على الأقل، لأنهم فشلوا فى حماية من قتلوا فى هذا اليوم! هل هذا طرف خامس؟!

خبير سياسى واستراتيجى