رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أمن مصر بين دافوس وباب المندب


اشتملت كلمة الرئيس فى دافوس على فقرات خاصة بالسياسة الخارجية، أردت أن أنقلها خاصة لما بها من إشارة إلى القضية الفلسطينية، ولما كانت القضية الفلسطينية عادة ما تثار بواسطة رئيس الجمهورية على هذا النحو.
تميز الأسبوع الثالث من يناير 2015 بعوامل خارجية بدأت تثير أسئلة حول الأمن القومى، وقد بدأ الأسبوع بزيارة رئيس الجمهورية لدولة الإمارات العربية المتحدة، فى حين قام الرئيس بزيارة منتدى «دافوس» أو على الأصح حضور المنتدى وإلقاء كلمة فيه، وفى نفس الوقت كانت هناك أحداث فى اليمن تثير القلق، ودفعت الكثيرين للتساؤل حول مصير الملاحة فى مضيق باب المندب باعتباره المكمل الجنوبى لقناة السويس التى تعتبر المدخل الشمالى للبحر الأحمر.

ولقد اشتملت كلمة الرئيس فى دافوس على فقرات خاصة بالسياسة الخارجية، أردت أن أنقلها خاصة لما بها من إشارة إلى القضية الفلسطينية، ولما كانت القضية الفلسطينية عادة ما تثار بواسطة رئيس الجمهورية على هذا النحو، فإنى أرى ضرورة التنبيه إلى أن هذا ليس البديل الأفضل على الأقل من وجهة نظرى، لقد قال رئيس الجمهورية فى كلمته: «فى ذات الوقت فإن مصر الجديدة على وعى كامل بأنه بقدر حاجتها للانفتاح على العالم لتحقيق طموحات شعبهاً، فإنها تعى أيضاً حاجة محيطها المباشر العربى والأفريقى والأوسع دولياً إلى إسهامها لتدعيم الاستقرار وإلى التعامل مع التحديات التى تواجهنا جميعا، إذ طالما كان دور مصر إيجابياً قائماً على مبادئ راسخة تتمثل فى ميثاق الأمم المتحدة والقانون والشرعية الدولية، ولسوف تظل مصر ساعية لإنهاء الصراع الفلسطينى الإسرائيلى على أساس حل الدولتين الذى يكفل حصول الشعب الفلسطينى على حقوقه المشروعة بما فى ذلك إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية باعتباره السبيل الوحيد لكى تحيا كل شعوب المنطقة، بما فيها الشعب الإسرائيلى فى أمن وسلام».

على الرغم من الإشارة إلى أن دور مصر طالما كان إيجابياً قائماً على مبادئ راسخة تتمثل فى ميثاق الأمم المتحدة والقانون والشرعية الدولية، فإن الوعد بأن تظل مصر ساعية لإنهاء الصراع الفلسطينى الإسرائيلى على أساس حل الدولتين يتناقض مع ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولى والشرعية الدولية، فميثاق الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية ترفض الاستيلاء على أراضى الغير بالقوة، كما أن القانون الدولى يدين تصرفات إسرائيل، وإسرائيل ترفض الالتزام بقرارات الأمم المتحدة التى تمثل الشرعية الدولية، ورغم أنى أدرك الموقف الدولى وتوازناته إلا أننى أعتقد أن حل الدولتين أصبح مستحيلاً عملياً بعد عمليات الاستيطان التى قامت بها الدولة الصهيونية، وأن استمرار سعى مصر لإنهاء الصراع على أساس حل الدولتين لا يكفل حصول الشعب الفلسطينى على حقوقه المشروعة، ولا على إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. وقد كان ولايزال من الأفضل أن تسعى مصر لإنهاء الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أساس ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولى وقرارات الشرعية الدولة، ويا حبذا لو أوضحنا أكثر بالحديث عن قرار حق العودة باعتبار أنه لب القضية الفلسطينية. ويلاحظ هنا أنى لا أوافق على تعبير «الصراع الفلسطينى الإسرائيلى» وكنت أفضل استخدام تعبير «الصراع العربى الإسرائيلى» أو الصهيونى لكنى أدرك صعوبة ذلك بعد توقيع معاهدة سلام معهم، لذلك فإن تعبير الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين أكثر مناسبة.أصابنا بعض القلق على أمننا مما حدث ويحدث فى اليمن، ولا نستطيع أن نتجاهل أن دماء مصرية زكية سالت على أرض اليمن واستشهد جنود مصريون هناك، ولطالما افتخرنا بالدور التنويرى الذى قامت به مصر هناك من تخليص الشعب اليمنى من حكم الإمامة الذى تسبب فى تخلف اليمن نحو ألف عام، وإنى أستشعر الخطر بأن اليمن يعود إلى ما قبل عام 1962 بعودة سيطرة الحوثيين عليه، ولا يتغير الأمر بالقول بأن وراءهم إيران، بل يزيد الشعور بالخطر، ولنتذكر أن الأمن العربى كل لا يتجزأ، وأن التهديد الذى يهدد أرض عربية سرعان ما ينتقل إلى باقى الأراضى العربية، لكن البعض أثار بصفة خاصة تأثير سيطرة الحوثيين على اليمن فى الملاحة فى قناة السويس بالتأثير فى مضيق باب المندب، وهو ما أرى أنه يجب ألا نبالغ فيه حيث لا تتوافر لدى الحوثيين الوسائل التى تمكنهم من تهديد الملاحة هناك مثل سفن السطح من فرقاطات ومدمرات، ولا الطائرات المقاتلة، ومن جهة أخرى فإن المنطقة حول مضيق باب المندب تكتظ بسفن وطائرات تستطيع أن تساهم فى تأمين الملاحة، كما أن هناك قاعدة أمريكية أجنبية فى جيبوتى إضافة إلى قاعدة فرنسية، وأخيرا فإن مصر تستطيع عند الضرورة أن تتدخل لحماية الملاحة هناك.