رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأحزاب وأوهام القائمة الموحدة


الديمقراطية فى جوهرها الأساسى لا تعنى التشدق بصندوق الانتخابات وفقط، فكثيراً ما تم تزوير هذا الصندوق بشتى الصور وبمختلف الأساليب فكان هذا الصندوق دليل إدانة لمسخ الإرادة الجماهيرية واللعب بها لتحقيق مصالح لا علاقة لها بالجماهير بل تتناقض جذرياً مع الجماهير ومصالحها.
ولكن الديمقراطية تعنى التعددية فى الرؤى والاختلاف فى البرامج بهدف تحقيق المصلحة للأغلبية الشعبية مع إعطاء الفرصة للمواطن ليعبر عن رأيه ويختار ما يريد من أحزاب وبرامج تتوافق مع فكره وتتسق مع مصالحه فى حرية تامة بلا وصاية فكرية أو دينية أو قبلية أو جهوية أو اقتصادية فلا ديمقراطية دون تعددية ولا تعددية دون أحزاب، ولذا تظل الأحزاب بتواجدها وببرامجها وبكوادرها وبقدرتها على التواجد الجماهيرى فى الشارع السياسى تمثل حجر الزاوية والخطوة الأولى فى طريق الممارسة الديمقراطية، فهل لدينا مثل هذه الأحزاب التى يمكن أن تقود مسيرة الديمقراطية وفى ظل الحالة الاستثنائية التى تعيشها البلاد هنا وبملء الفم نستطيع أن نقول لا توجد لدينا أحزاب بالمعنى الحقيقى حزبياً وسياسياً وواقعياً.

وذلك مبدئياً، حيث إن التجربة الحزبية ومنذ ولادتها فى أوائل القرن العشرين لم تعتمد على برامج حزبية، حيث إن نسبة التعليم كانت متدنية للغاية ودرجة الوعى لم تكن على المستوى الذى يتعامل مع هذه التجربة، فظهور الأحزاب حينئذ اعتمد على رموز فردية ذات مصداقية وفى إطار شعارات سياسية تتناسب مع الظروف السياسية الحالية واللعب على المشاكل الجماهيرية المسيطرة، ولذا فقد اعتمدت هذه الأحزاب وتلك التجربة على اللعب على قضية الاستقلال وهى قضية كانت ومازالت تلهب المشاعر الجماهيرية دون النظر للقضايا الحياتية الحاكمة والمسيطرة على رقاب الأغلبية الغالبة من المصريين، فظلت التجربة الحزبية وحتى الآن أسيرة النخبة حتى وإن تغيرت هذه النخبة نظراً للمتغيرات الجذرية التى تتم على الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

كما ظلت هذه التجربة فوقية ولا تنبع من القواعد الجماهيرية كما يجب أن تكون، ولذا ظل التواصل الحزبى من أعلى إلى أسفل تواصلاً نخبوياً محدوداً ومحدداً وتحكمه مصالح خاصة وتوجهات ذاتية بعيداً عن امتلاك البرامج الجماهيرية التى يمكن ترجمتها لصالح الجماهير على أرض الواقع وغابت الكوادر الحزبية الواعية والمدركة لبرامج أحزابها فكانت كوادر لا تعرف غير إثبات الوجود المفقود فى الانتماء لأى حزب حتى يتاح لها تواجد إعلامى أو ظهور اجتماعى أو حضور سياسى مع رئيس أو وزير وهنا فلا عزاء للجماهير، وعلى ذلك فمن الطبيعى أن تكون هناك عزلة بين هذه الأحزاب والجماهير فلا تواجد لها فى غير العاصمة والإعلام وبالرغم من حدوث هذه الهبات الجماهيرية فى يناير ويونيو فلم تنتهز هذه الأحزاب هذه الفرصة الذهبية وتلتحم بالجماهير لتحقيق مبادئ الثورة وأهدافها.

ولكننا وجدناها تتسابق وتتزاحم حول كعكة لم تكتمل ولم تنضج بعد حتى بعد 30 يونيو وبعد مقاربة الانتهاء من بناء الشرعية الدستورية بإقرار الدستور وانتخاب رئيس الجمهورية والاستعداد لانتخابات البرلمان وهو الاستحقاق الخاص بهذه الأحزاب لم نجد تواجداً جماهيرياً حقيقياً لها فى الشارع وسط الجماهير، ولكن وجدنا صراعاً ممقوتاً حول ما يسمى بالقوائم المطلقة وذلك الصراع حول مائة وعشرين مقعداً تاركين أربعمائة وعشرين مقعداً فردياً وذلك بهدف الوصول إلى البرلمان عن طريق هذه القوائم، حيث لا يملك رؤساء هذه الأحزاب الورقية إمكانية الفوز فى الفردى، ولأن الصراع لم يكن على برامج متنوعة أو على أيديولوجيات مختلفة أو على تبنى قضايا جماهيرية ملحة ولكن الصراع على مقاعد لأهداف حزبية ومصالح ذاتية وجدنا من يتصدر المشهد بحجة تكوين ما يسمى بالقائمة الوطنية وهذا المسمى لا علاقة له بما فى نفس يعقوب، ولأن الرئيس السيسى يعلم هذه الأحزاب حجماً وقدرة وجماهيرية كان اللقاء معهم متأخراً وحاول وفى إطار رؤيته ومسئوليته التاريخية التى يسعى فيها إلى توحد وطنى واصطفاف مصرى للخروج بالوطن وبناء مصر الجديدة وطلب منهم الاتفاق على قائمة وهنا كان القصد عدم الصراع المخزى بين الأحزاب على مائة وعشرين مقعداً أو ترك باقى المقاعد للمستقلين وبقايا الوطنى والإخوان. ولكن فاقدى الحس السياسى وعديمى إدراك المصلحة الوطنية والغارقين فى الزعامات المتخيلة صوروا الأمر أن الرئيس يقصد قائمة واحدة وحيدة ناسين ومتناسين أن هذا مستحيل على ضوء هذا الواقع الحزبى المشين، حيث إن كل حزب يريد الوصول إلى أكبر عدد من المقاعد حتى يضمن وصول أكبر عدد من مستفيديه إلى البرلمان بالتعيين أقصد بالقائمة.

الشىء الآخر وهو الأهم أن من يتصور أن تكون هناك قائمة واحدة فقط دون سواها فهذا خطأ فى فهم الديمقراطية وخطيئة فى حق الوطن وإسقاط ليناير ويونيو واستعادة لما قبلهما وخيانة للجماهير العظيمة التى غيرت نظامين فى سابقة لم تحدث فى غير مصر، فإذا كان واقعنا الحزبى بهذا الإسفاف وإذا كانت نخبتنا بهذه الفجاجة فى حب الذات المغلفة بشعارات وطنية كاذبة فمن الطبيعى أن يكون البرلمان القادم من المستقلين والوارثين لكل نظام ومع كل نظام ومعهم بقايا الوطنى من جامعى الثروة مع السلطة والذين هم أيضاً مع كل نظام حماية لمصالحهم الرأسمالية مع بقايا من التيار المتاجر باسم الدين، وهنا فأغلبية المستقلين فى البرلمان ستكون توجهاتها مع السلطة ومع السيسى لأن بوصلتها دائماً فى اتجاه السلطة ولكن هذا لا يجعلنا لا نشعر بالخطر الحقيقى على المسار الديمقراطى فى غياب أحزاب حقيقية تعتمد على الجماهير للوصول إلى الحكم من خلال اختيار جماهيرى واع حتى تكون مصر لكل المصريين.

■ كاتب برلمانى سابق