رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هذا المحتوى بأقلام قراء جريدة وموقع الدستور

شارلى ايبدو والارهاب

جريدة الدستور

بعد الحادث الذي استهدف الصحيفة الفرنسية الساخرة "شارلي إبيدو"، والتي قتل على إثره 12 شخصا للثأر مما نشرته من قبل من رسوم كاريكاتيرية تسيء إلى النبي "محمد"- تصارعت الجماعات المسلحة على تبني الهجمة، حيث استبق تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، في إعلان مسئوليته عن الحادث، فيما أعقبه تنظيم القاعدة في اليمن وأعلن مسئوليته عن الهجمات في محاولة منهما للإظهار الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن من خلال عملية إرهابية، هزت العالم.
وتبنت "داعش" الهجوم، حيث أعلن أبو سعد الأنصاري، مسئول أئمة وخطباء تنظيم الدولة الإسلامية خلال خطبة صلاة الجمعة قبل الماضية في أحد مساجد الموصل أن "عمليات فرنسا هي رسالة لكل دول التحالف الدولي وستكرر في كل من بريطانيا وأمريكا".
ومن جانبه أعلن عضو بارز في تنظيم القاعدة في اليمن أن مجموعة تابعة له نفذت هجوما ضد المجلة الساخرة "شارلي ايبدو" الفرنسية في باريس "انتقاما لشرف" النبي محمد.
فالإرهاب بات ظاهرة عالمية ذات جذور تاريخية وسياسية واقتصادية واجتماعية، ومعالجة ظاهرة الإرهاب في العالم واجتثاثها من جذورها يفرض ألا يتم التعامل مع هذه الآفة من الناحية الأمنية فقط، فلقد ثبت أن استخدام القوة وحدها لا يكفي وذلك لأن العنف لا يولد إلا العنف، ولذا إذا ما أرادت دول العالم وخاصة الدول الكبرى مثل الولايات المتحده وبريطانيا ومنظمه الأمم المتحدة القضاء على هذه الظاهرة عليها معالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الموجودة في دول العالم وخاصة في افريقيا وآسيا ، حيث الدول الفقيرة التي تعاني من الفقر والبطالة والأمراض. لا تعتقد الدول الكبرى أنها بمنأى عن الإرهاب وذلك لأن الإرهاب ظاهرة عالمية وأن معالجة ظاهرة الإرهاب والتعامل معه لا بد أن يخضع لقوانين السلم والأمن العالميين والتي قام عليها المجتمع الدولي الحديث. ومن الناحية التاريخية فإن من أوجد ظاهرة الإرهاب هي أميركا والغرب الذين شجعوا على الإرهاب منذ الحرب الباردة بين الدولتين العظميين أميركا وروسيا، وخاصة ما حدث بينهما من صراع على أفغانستان أثناء الحكم الشيوعي لها، فكان الاتحاد السوفياتي حريصا على التمسك بأفغانستان وذلك حتى يجد له نفوذا يطل به على مناطق المياه الدافئة في منطقة الخليج وكذلك إيران وتركيا وجزء من المنطقة العربية مما جعل من أفغانستان منطقة صراع إقليمي وأخذت أميركا تدعم {المنظمات الجهادية} التي كانت في حرب أهلية مع النظام الشيوعي، وجاء من يسمون أنفسهم (بالمجاهدين) من كل أنحاء العالم تقودهم حركة طالبان و«القاعدة» وغيرهما.
فالاعتقاد بأنه يمكن حسم المعركة من الجو، أو عبر حملة عسكرية في العراق فقط، هو وهم، أو تبسيط للحالة الصعبة التي كبرت مع الوقت، ومع الإهمال. نحن أمام حرب ضروس في سوريا وجوارها، ستستهلك على الأقل عامين، والأرجح ضعف ذلك. وكل مؤشرات الاستعداد الحالية تعطي الانطباع بأن الزمن سيكون أطول من ذلك خاصة في سوريا، على اعتبار أن في العراق دولة، وجيشا، وإمكانيات، وتحالفات محلية، قادرة على طرد وهزيمة «داعش»، طالما أن الحكومة المركزية في بغداد تتعامل بجدية مع الخطر. أما الحرب على «داعش» في سوريا، فإنها القصة الأصعب سياسيا واجتماعيا وعسكريا.
لا شك أن الإرهاب الذي تمارسه داعش أدخل العالم مرحلة شديدة الخطورة في تأثيره على الأمن والسلم العالميين وذلك لأنه إرهاب متعدد الجنسيات، ومنذ أن حذر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ال سعود في كلمة له منذ فترة من خطورة الإرهاب على المنطقة والعالم، وأن الإرهاب سوف يتمدد إلى أوروبا وأميركا والتي وجهها في اجتماعه بسفراء الدول الأجنبية وطلب منهم إبلاغ زعماء بلدانهم بأنه لا بد من محاربة الإرهاب
داعش لم تعد شأ نا إقليميا خاصا، لا يجدي الآن التنصل من المسؤولية عن داعش من قبل طريقة الولايات المتحدة في الحملة على الإرهاب، التي لم تجد صدى نقديا يليق بتبعاتها الكارثية، كما أن إدانة داعش على المستوى الأمني والسياسي لا يحل المعضلة إذا لم يترافق مع تتبع للجذور الفكرية والاجتماعية وبيئة الاستقطاب والخطاب السائد وتفكيك المفاهيم الأساسية ورصد نماذج التجنيد والتسويق والدعاية على الإنترنت.
هذا على مستوى التنظيم بما يعني القيادات، الكوادر، التمويل، التحالفات مع تيارات ورموز أخرى يبدو أن «داعش» أملها الوحيد بعد سقوط تجربة «الإسلام السياسي»، لكن السؤال الذي يولد الآن: هل تكفي محاصرة داعش للخروج من حالة داعش؟! هل محاولة استدعاء التدخل الغربي تحت أي مظلة لسحق التنظيم ستكون كافية للقضاء عليه، أم سيدخل في حالة بيات ليعود بشكل أقوى كما أخبرتنا تجارب طالبان والقاعدة والقاعدة في جزيرة العرب ؟