رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"المجاهدين المرتزقة" في سوريا والعراق يشعلون الجيل الثاني من الإرهاب في مصر..

3500 إرهابي في مهمة انتحارية لإسقاط القاهرة

تشارلز ليستر و ماتزوف
تشارلز ليستر و ماتزوف

"داعش في مصر.. إرهابيو سيناء عادوا من سوريا والعراق أثناء حكم "مرسي" وبايعوا البغدادي خليفة".. "سوريا استقبلت الكثير من الجهاديين والتكفيريين الذين تدربوا في ليبيا وأفغانستان".. "العائدون من سوريا والعراق شاركوا في جميع الأحداث التي شهدتها مصر منذ ثورة 30 يونيو".

بعد عشرين عاما من كارثة العائدون من أفغانستان يستعد المواطن المصري المنكوب لمواجهة جديدة هذه المرة من سوريا والعراق، فطوال فترة حكم "مرسي" ومنذ أن فتح باب الجهاد في غزوة استاد القاهرة سمح للكثير من الجهاديين والتكفيريين للذهاب إلى سوريا، واليوم وفي ظل ما تشهده الحالة الأمنية في مصر من ضربات تحت الحزام منذ اندلاع ثورة الثلاثون من يونيو أضحى "العائدون من بلاد الشام والهلال الخصيب" هم الخطر الحقيقي الذي يجب علينا أن نستعد إليه.

ووفقا لخبراء الأمن ومكافحة الإرهاب ليس في مصر فقط ولكن في العالم أجمع سيشكل العائدون من سوريا والعراق القنبلة الإرهابية القادمة إلى كثير من دول العالم، وكما شكل العائدون من أفغانستان موجة خطيرة من الإرهاب فى عدد من الدول وفى مقدمتها مصر، سيكون العائدون من سوريا والعراق هم الأخطر من كافة النواجي.

الكارثة الحقيقية، أن جميع الدراسات والأبحاث الأمنية أكدت على أن المقاتلين الأجانب في سوريا يفوقون على الأقل خمس أضعاف المقاتلين الأجانب في أفغانستان، حيث قدرت أكبر دراسة مسحية للمعهد البريطاني للدفاع المعروف باسم "IHS Janes’s" والتي جاءت تحت عنوان "المقاتلون الأجانب في سوريا وجنسياتهم" حجمهم بما يقرب من 100 أو 130 الف مقاتل، ينضمون لتشكيلات مسلحة تبلغ 1000 جماعة.

استندت الدراسة التي اشرف على اعدادها الدكتور تشارلز ليستر خبير دراسات وتحليل الارهاب بمركز بروكنجز بجامعة ستانفورد الى عدد كبير من المقابلات الشخصية على ارض سوريا مع مسلحين ينتمون لاجهزة استخباراتية مرتبطة بتنظيم القاعدة في العالم، وكشفت ان الوطن العربي باكلمة قدم مقاتلين عدا جيبوتي، وان هناك 30 ألف عنصر ينتمون إلى الجهاد العالمي يقاتلون في سوريا.

"الارهاب في سوريا والعراق على كل شكل ولون.. جهاديين وتكفريين ومتطرفين وتنظيم قاعدة".

بتلك الجملة بدأ "تشارلز ليستر" تقريرة، ليكشف عن ان هناك 83 دولة قدمت مقاتلين مرتزقة للعمل العسكري في سوريا، وان سوريا دخلها ما يقرب من 100 الف مقاتل اجنبي، بينهم 50 الفا و266 مقاتل تم تحديدهم من 54 دولة، في حين لم يتم تحديد المقاتلين الاجانب القادمين من 29 دولة اخري، مبينا ان من قُتلوا من الاجانب في الحرب السورية بلغ 11 الفا و282 مقاتل اجنبي، في حين ان هناك ما يقرب من 8460 مفقودا.

احتلت المركز الاول المملكة العربية السعودية بعدد يتراوح ما بين 5 الى 8 الاف مقاتل، قُتل منهم 1029 في حين بلغ عدد المفقودين 1800 جهادي، وفي المرتبة الثانية جاءت دولة العراق برصيد 6 الاف مقاتل قُتل منهم 971 في حين بلغ عدد المفقودين 900 مقاتل، وفي المرتبة الثالثة جاءت ليبيا برصيد 4500 مقاتل، قُتل منهم 802، في حين بلغ عدد المفقودين 1650 مقاتل، ورابعا جاءت تونس برصيد 4 الاف مقاتل، تم قتل 983 في حين كان عدد المفقودين قد بلغ 1270 مقاتل، وفي المركز الخامس كانت تركيا برصيد 3600 مقاتل، مات منهم 381 وكان هناك 55 من المفقودين.

وفي عهد "مرسي" تم السماح لما يقرب من 3500 مصر بالجهاد في سوريا لتحصل مصر علي المركز السادس، مات منهم 814 في حين بلغ عدد المفقودين 370 مقاتل، في حين جاءت لبنان في المركز السابع برصيد 3200 مقاتل، مات منهم 791 في حين كان عدد المفقودون 600 مقاتل، وفي المركز الثامن جاءت فلسطين برصيد 3 الاف مقاتل، مات منهم 885 في حين وصل عدد المفقودين الى 87 مقاتل، وجاء تاسعا دولة اليمن برصيد 2800 مقاتل، مات منهم 512 ووصل عدد المفقودين 700 مقاتل، وفي المركز العاشر جاءت دولة الشيشان برصيد 1700 مقاتل، مات منهم 718 وبلغ عدد المفقودين 250 شخص.

من كل قارة إرهابي:

بعيدا عن الترتيب والمراكز أكد الدراسة ان المقاتلين الاجانب في سوريا لم يقتصر علي الجنسيات العربية او الاسلامية فقط، بل ان هناك 83 دولة موزعة علي القارات الخمس، احتلت فيه قارة اوروبا المركز الاول برصيد 30 دولة، تلتها القارة الاسيوية والاسترالية برصيد 27 دولة، وفي المركز الثالث القارة الافريقية برصيد 19 دولة، واخيرا قارتي الامريكتين برصيد 7 دول قدمت مقاتلين لاحراق سوريا.

الدراسة أوضحت ان 18 دولة اوروبية قدمت ما لا يقل عن 5406 مقاتل اغلبهم ينتمي الي عناصر تنظيم القاعدة المنتشر حول العالم سمح "مرسي" بتدريبهم في محافظة مرسي مطروح، وان ابرز تلك الدول تمثل في اوكرانيا برصيد 350 مقاتل، ثم روسيا 250 مقاتل، والبوسنة 150 مقاتل، وفرنسا 120 مقاتل، والمانيا 110مقاتل، وبريطانيا 80 مقاتل، بالاضافة الي 12 دولة مجهولة العدد حتى الآن وعلى رأسها دول البرتغال وكرواتيا والمجر وبلغاريا وايطاليا والسويد وبلجيكا والنرويج والتشيك وسلوفاكيا وفنلندا.

أما القارة الاسيوية والاسترالية فقد قدمت 23 دولة ما يقرب من 30 الفا و660 مقاتل، كان ابرز تلك الدول الالباكستان برصيد 1500 مقاتل، يليها افغانستان 900 مقاتل، والكويت 900 مقاتل، تركمنستان 360 مقاتل، والصين 200 مقاتل، واستراليا 200 مقاتل، وطاجيكستان 190 مقاتل، وماليزيا 140 مقاتل، بالاضافة الى 3 دول لم يتم تحديد 3 دول حتى الآن على رأسهم قطر التي لا يعلم عدد ما قدمته من مقاتلين للحرب في سوريا، واوزباكستان وقرغستان.

في حين قدمت القارة الافريقية 11 دولة 13 الفا و610 مقاتل للجيش الحر في سوريا، كان ابرزهم الصومال 350 مقاتل، تلتها السودان برصيد 300 مقاتل، ثم المغرب والجزائر واريتريا برصيد 200 مقاتل لكل منهم، بالاضافة الى 8 دول لم يتم تحدد عدد من خرج منهم للقتال في سوريا، على رأسهم السنغال واثيوبيا وبوركينا فاسو وموريتانيا وجنوب افريقيا ونيجيريا والنيجر وتشاد.

القارتين الامريكيتين كان لهما نصيب من تلك اللعبة القذرة على ارض سوريا، حيث قدمت 3 دول فقط 560 مقاتل وهم الولايات المتحدة الامريكية 290 مقاتل شكلوا قيادة تقوم بتدريب الجهاديين والجيش الحر، تلتها المكسيك برصيد 150 مقاتل، ثم كندا برصيد 120 مقاتل، بالاضافة الى اربعة دول لم يتم التوصل الى اي معلومات لعدد ما قدمتة من مقاتلين ابرزهم الارجنتين والبرازيل وسورينام وترينداد وتوباجو.

العالم يهتم:

لم تكن دراسة المعهد البريطاني للدفاع هي الاولى من نوعها، ففي الاشهر الماضية اهتمت العديد من الدوائر البحثية بحجم وكثافة المقاتلين المرتزقة في حرب سوريا، وجميعهم يخشون من اللحظة التي يقرر فيها هؤلاء المرتزقة الى بلادهم كما فعل المقاتلين الاجانب في أفغانستان في مطلع التسعينيات وأدى الى الكثير من العمليات الارهابية في الكثير من بلاد العالم.

أول تلك الدراسات جاءت من التيار السلفي "الجهادي" الأردني والذي أكدت علي ان المقاتلين الاجانب يصل عددهم الى ما يقرب من 70 الف مقاتل جاءوا من 50 دولة مختلفة، وان المقاتلون الأجانب في سوريا يشملون عرب من لبنان والعراق والأردن وفلسطين والكويت وتونس وليبيا، والجزائر ومصر والسعودية والسودان واليمن، بالإضافة إلى أعداد أخرى من المسلمين، بما في ذلك من جنوب ووسط آسيا من أفغان وبنغاليين وباكستانيين، وغربيين يمثلون بلجيكيين، بريطانيين، فرنسيين وأمريكيين.

دراسة التيار السلفي "الجهادي" الأردني رصدت احصائية بعدد من قتلوا من المقاتلين الاجانب، حيث وصل عددهم حتى نهاية ابريل الماضي 9936 مقاتلا ينتمون لحوالي 20 جنسية، مبينين ان ما تبقى من المقاتلين الاجانب يبلغ 60 الف مقاتل.

المركز الدولي لدراسة التطرف في العاصمة البريطانية لندن وتحديدا بجامعة "كينغز كوليدج" هي الاخرى قدمت دراسة علمية اعتمدت على 1500 مصدر مختلف ينتمي لتنظيمات الجماعات المتطرفة في سوريا، وأكدت على ان عدد الدول التي قدمت جماعات مسلحة وصل الى 74 دولة حول العالم، وان عدد المسلحون المرتزقة يصلون الى 11 الف مقاتل تم رصدهم والتعرف على جنسياتهم، بالاضافة الى عدد مقارب لنفس الرقم لجهاديين عادوا الى اوطانهم.

الدراسة كشفت ان 80% من المقاتلين الاجانب ينتمون لجنسيات عربية واوروبية، فقد تم تحديد هوية مثل هؤلاء الأفراد من جنوب شرق آسيا وأمريكا الشمالية وأستراليا ودول غير عربية في أفريقيا، مبينة أن السعودية احتلت المرتبة الثانية بعد الشيشان بعدد مسلحين، حيث قارب عددهم 12 ألف مسلح يقاتلون في سوريا، تمت تصفية 3872 بالاضافة الى نحو 2689 مفقود، وان الشيشان احتلت المرتبة الاولي برصيد 14 الف مقاتل.

اكثر ما مميز دراسة المركز الدولي لدراسة التطرف رصدها للنساء الذين قتلن في سوريا، وان تونس هي الدولة الاولي في الترتيب جدول تصدرها لأعداد القتلى النساء في الحرب السورية وتفوقت علي كافة الدول العشرين التي احتوتها الدراسة الاحصائية، مبينة ان 18 ألف تونسية لقيت مصرعها في سوريا، متقدمة على المغرب والسعودية والشيشان ولبنان، ما جعل تونس تتحول بشكل شبه صريح الى دولة مصدرة للارهاب وللارهابيين في الدول العربية عامة، وفي سوريا.

التقرير اوضح ان اوروبا قدمت ما يقرب من 18% من المقاتلين المرتزقة، حيث يأتي معظم المجندين من فرنسا التي قمت 412 مقاتل، وبريطانيا التي قدمت 366 مقاتل، والمانيا 240 مقاتل، وبلجيكا 296 مقاتل، وهولندا 152 مقاتل، مشيرا الي انه وفقا لحجم السكان احتلت بلجيكا المركز الاول بما يصل الى 27 ارهابي لكل مليون، ثم الدنمارك 15 ارهابي، وهولندا 9 والسويد 9 والنرويج 8 والنمسا 7 ارهابيين.

وكشفت الدراسة عن ان 20% فقط ينتمون لمجموعات بعينها، وان الغالبية العظمى انضموا لـ"جبهة النصرة" وتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش"، واثنتان من جماعات المعارضة المسلحة التي هي الأقرب إلى تنظيم القاعدة، بالاضافة الى ان بعض المقاتلين هم أعضاء في "جيش المهاجرين والأنصار"، و"حركة أحرار الشام الإسلامية"، و"كتيبة صقور العز"، و"لواء الأمة"، و"حركة شام الإسلام"، وبعض الجماعات التكفيرية مجهولة المصدر.

الموجه الثانية من الارهاب:

من مديرية امن المنصورة للقاهرة.. ومن كرداسة لمسطرد لعرب شركس والقواديس، من يتابع تلك العمليات الارهابية سيجد تطور كبير في عمليات العنف في العتقد الثاني من الالفية الجديدة، عن الارهاب الذي ضرب مصر خلال فترة الثمانينات والتسعينات، من حيث تغيير استراتيجية المواجهة باستهداف جنود للجيش.

خبراء الامن والعسكريين أكدوا على ان تلك الاستراتيجية تؤكد ان من يرتكب تلك الجرائم ليسوا من الجهاديين الموجودين في مصر، ولكنهم مجموعات من التكفيريين العائدين من جبهات القتال في سوريا شكلوا ما يسميه خبراء الإرهاب وقوداً للجماعات التابعة للقاعدة في مصر، ويكررون موجات سابقة عرفتها مصر في التسعينات عندما عاد قادة الجماعات الأصولية من جبهات القتال في أفغانستان ومنطقة القوقاز.

الكارثة الحقيقية ان خبراء الشئون العسكرية ووكلاء المخابرات أكدوا على ان هؤلاء التكفيريين تم تدريبهم داخل معسكرات موجودة الآن في جنوب بنغازي بليبيا، ويتم تهريبهم بعد الدورة التدريبية الى مصر عن طريق السلوم ايام حكم "مرسي" قبل أن ينقلهم للقتال في سوريا، ثم عاد بعضهم إلى مصر ليرتكبوا بعض الجرائم واخرها جريمة عرب شركس بمحافظة القليوبية.

وقد أجمع خبراء مكافحة الإرهاب على ان هناك مؤشرات وقرائن عديدة تثبت تواصل جماعات التكفير في مصر مع جماعات في الشام والعراق والجزيرة العربية، حيث وجه زعيم أنصار بيت المقدس أبو أسامة المصري التحية لداعش "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وأشاد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب المتمركز في اليمن بعمليات بيت المقدس في سيناء.

السفير الروسي فيتشسلاف ماتزوف رئيس لجنة مكافحة الارهاب الدولي والخبير في شئون الشرق الاوسط، أكد ان الولايات المتحدة الامريكية لعبت دورا كبيرا في تصعيد حركة الارهاب الدولي بكل اشكاله، مشيرا الى ان الهدف هذا يعود الى مخطط وضعته الادارة الامريكية منذ اندلاع الحرب على العراق في 2003 الى ايجاد وطن قومي للارهاب في الشرق الاوسط، من خلال منحة دولة كبرى ترتبط معها بمصالح مشتركة وتتعهد بتحقيق امن اسرائيل.

وقال ماتزوف إن الولايات المتحدة الامريكية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وجدت ضالتها في الاسلاميين لتصنع عدوا جديدا يوجد لها مكانا في الشرق الاوسط، موضحا ان العالم العربي قدم لها حلولا على طبق من ذهب من خلال حالة الخلل الفكري للاسلاميين والجهاديين الجدد، وان ما يحدث في سوريا دليلا على هذا الخلل، مبينا انه ليس من مصلحة الولايات المتحدة الامريكية ان يجاهد العرب في القدس حفاظا على الحليف الاستراتيجي اسرائيل في حين انها تريد ان تتواجد بقوة في سوريا من خلال المقاتلين المرتزقة بعد ان حققت غرضها في العراق.

واوضح ماتزوف ان الازمة الحقيقية ليست في الارهاب او الارهابيين ولكن في من يحرك الارهاب من خلف الستار من البلدان والكيانات التي ظهرت في السنوات الاخيرة في الخليج العربي الذي يتلقي دعما امريكيا وبريطانيا للحفاظ على المصالح الامريكية في مقابل الحفاظ على عروشها، مبينا في الوقت نفسه ان القوى العظمى تقوم بما يسمى بصراع الديناصورات فيما بينها من خلال دعم الجهاديين الجدد، وانه عندما كان مفوض الحكومة الروسية في مفاوضات الحرب الروسية الافغانية، جاءت مندوب من الرئاسة الامريكية يطالبه بإيقاف الحرب في مقابل ان تتوقف الحكومة الامريكية عن دعمها للخلايا الارهابية في افغانستان والشيشان، مشيرا في الوقت نفسه ان المانيا تعلب نفس الدور بعد ان وصل بها عدد الجهاديون المتشددون الى 42 الف جهادي وتريد ان تصدرهم الى سوريا والشرق الاوسط.

الجهاديين الالمان:

كانت البداية عبارة عن دعوة أطلقها الجهادى الألمانى الشهير حاجان إم عبر الإنترنت باللغة الألمانية يطالب فيها المسلمين الألمان بالانضمام إلى الحرب المقدسة فى سوريا، وأخذت الأحداث تتطور بسرعة مذهلة حتى خرج وزير الداخلية الألمانى منذ أيام ليؤكد مخاوف بلاده من أن عدد هؤلاء الذين لبوا النداء فى تزايد وأنهم قد يعودون فى يوم من الأيام إلى برلين لينفذوا فيها عملياتهم الجهادية.

وفيما يعد مؤشرا على أن ألمانيا تربة خصبة لإنتاج الجهاديين السلفيين منذ فترة، يؤكد جيرهارد شيندلر مسئول الاستخبارات الخارجية الألمانية إن سوريا أصبحت أكثر اغراء بالنسبة للجهاديين الألمان نظرا للصعاب التى يواجهونها إذا ما أرادوا الذهاب إلى أفغانستان للحاق بطالبان أو الجماعات المتشددة التى تسير على خطى القاعدة فى باكستان، ففى الطريق إلى أى منهما قد توقفهم السلطات الايرانية وتقوم بالتحقيق معهم، أما سوريا فقد أصبحت فى ظل الأزمة الأخيرة معسكرا لتدريب الجهاديين على تنفيذ عمليات عسكرية ضد أهداف "كافرة".

الكارثة الحقيقية ان هؤلاء الجهاديون القادمون من ألمانيا استطاعوا الوصول إلى قلب العالم العربى بعد نجاحهم فى تشكيل خلية داخل مرسى مطروح فى مصر كانوا يقومون خلالها بتدريب الجهاديين على العمليات العسكرية، حتى أصبحت هذه الخلية مركزا ينطلق منه الجهاديون إلى رفاقهم فى مالى وليبيا والسودان والصومال.

وتساءل ماتزوف.. أين كانت السلطات الألمانية من كل هذه الأحداث وهى ترى البلاد وقد أصبحت مرتعا للقاعدة تستقطب من بين مواطنيها من تشاء للانضمام إليها؟ وكيف لم تضع فى حساباتها النتائج الكارثية التى قد تحل بها هى واقتصادها ومكانتها الدولية؟ كل الدلائل تؤكد أن رد الفعل الألمانى على مثل هذه الظواهر جاء متأخرا حيث يؤكد المسئولون الألمان أنهم يعكفون "الآن" على بحث الأسباب التى أدت بهم إلى ذلك.

صحيح أن أى إجراء أمنى قمعى ضد هؤلاء الجهاديين من قبل السلطات الألمانية سيزيد الأمور تعقيدا على جميع المستويات، بل وقد يعجل من النتائج الكارثية التى تخشاها ألمانيا، إلا أن الأمر الوحيد الأكيد حتى الآن هو أن الوقت ليس فى صالح السلطات الألمانية لحين الوصول إلى أسباب هذه الظاهرة وترجيح حلول لها والشروع فى تنفيذها، لأنه وفقا لما أعلن فان أعداد المجاهدين المترددين فى تلبية النداء للجهاد فى سوريا تقل بعد أن حسم عدد كبير منهم أمرهم بشد الرحال إلى هناك واللحاق بأقرانهم ومعهم أسرهم كاملة للقتال على الجبهة السورية، ويبدى المسئولون الألمان مخاوفهم من تأثير مقاطع الفيديو التى من المنتظر أن يبثها كبار رجال الدعوة السلفية الجهادية الألمان من سوريا فى نفوس أولئك الموجودين فى ألمانيا، حيث من المتوقع أن تلهب مشاعرهم الحماسية للجهاد ما يسفر عن زيادة أعداد المتوجهين إلى هناك.

استراتيجية جديدة:

تلك المعطيات تجعلنا نتسائل بجدية، هل نملك إحصاء حقيقي وبيانات ومعلومات بعدد وأسماء الذين خرجوا للجهاد في سوريا والعراق؟ وهل تجتهد الحكومة المصرية في منع الشباب من التسلل إلى سوريا؟ ولماذا لا نسمع عن ضبط متسللين مصريين إلا من السلطات السورية؟ هل يسمح القانون بسفر مصريين للجهاد في دولة أخرى؟، وإن كان لا يسمح، لماذا تترك شخصيات عامة مشهورة تدعو الشباب للسفر؟ وهل وضعت السلطات الأمنية استراتيجية للتعامل مع المجاهدين بعد عودتهم وضمان عدم تحولهم إلى العنف؟

فقد نجح تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام "داعش" فى تجنيد المئات من المصريين، واختراق العديد من عقول الشباب فى مصر من خلال مواقع التواصل الاجتماعى، وبالتحديد شباب التيار الإسلامى من الإخوان والسلفيين، وبات أول تنظيم إقليمى يضم فى مجلس الشورى الخاص به قيادات من المصريين، ما يشكل خطراً حقيقياً وتهديداً للدولة والمجتمع المصريين.

والحقيقة ان وجود المصريين فى داعش لم يكن مفاجأة علي الاطلاق، ولكنه يظهر من دراسة الدفاع البريطنية انه يمتد الي ما بداية الثرة في سوريا، وهناك بالفعل 3 من التنظيم "ملثمين" ظهروا فى فيديو نشرته مؤسسة "البتار" التابعة، لـ "داعش"، يدعون إلى "الجهاد فى مصر"، ويؤكدون أنهم جاءوا إلى العراق وسوريا من أجل إقامة "الخلافة الإسلامية"، وأنهم كفروا بالديمقراطية، وطالبوا الشباب المصرى باتباع نهجهم، فى إشارة واضحة إلى وجود مئات من المصريين، فى صفوف الجماعة الإرهابية.

وقد استطاع تنظيم "داعش" فى عهد أبو بكر البغدادى، أن يركز فى تجنيده على المقاتلين المصريين، لأنهم يرون أن مصر يجب أن تكون هدفاً تالياً لها بعد سوريا، كونها تحتل المرتبة الأولى فى أجندة الجهاد العالمى، لكن تأخيرها كان اضطرارياً لعدم وجود ثغرة يمكن التسلل من خلالها إليها، وهو الأمر الذى كان يشابه الحالة السورية قبل الانتفاضة المسلحة هناك، والتى رأى زعيم "داعش" أنها وجبت بعد ذلك، وكان ذلك واضحاً من الرسالة الصوتية لـ"أبو محمد العدنانى"، المتحدث باسم "داعش" التى وجهها للمصريين، وحملت عنوان "السلمية دين من؟" حذر فيها أتباع منهج السلمية، لأن الإسلام لم يعرف سوى السيف الصارم فى فرض حاكميته على البشر، معتبراً أن أصل الداء لا يتمثل فى الحاكم بل فى القوانين والأحكام التى يحكم بها، ومن ثم فلا فرق بين محمد مرسى، وحسنى مبارك، وراشد الغنوشى، لأنهم جميعاً "كفرة مرتدون"، تخلوا عن حاكمية الشريعة، وارتضوا بالقوانين التى صنعها البشر، وإن كان "مرسى والغنوشى" في وجهة نظرة أشد فتنة على المسلمين من "مبارك وبن على".

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي وتحديدا على "تويتر" أظهرت كلمات في صفحات متبوعة لتنظيم الخلافة الاسلامية في الشام "داعش" أن أتباع التنظيم موجودون فى مصر، وأشار إلى مئات الشباب الذين التحقوا بتنظيم "البغدادى"، والذين عاد بعضهم ليشكلوا بؤراً إرهابية، أقل ما توصف به، أنها ستكون مصدراً للتكفير والتفجير، مهدداً بقوله "رداً على المشككين فى وجودنا على أرض الكنانة مصر نبشرهم لم ولن ننشر شيئاً قبل نشر أول عملية ذبح بالصوت والصورة وستكون مهداة لكم ولكل مشكك فى وجودنا".

وجاءت رسالة مصورة من أحد قضاة المحكمة الشرعية التابعة لتنظيم "داعش"، هى الأخطر من وجهة نظر رجال الامن، لتثبت بما لا يدع مجالاً للشك، حقيقة وجود أتباع "داعش" المصريين، حيث أبان أنه مصرى، ولم يكشف اسمه، موجهاً حديثه، لـ"أنصار بيت المقدس" فى مصر، واعداً إياهم بعدم التخلى عنهم، وإمدادهم بالمال والرجال.

هنا تاتي أهمية الاسئلة التي طرحناها هل نملك إحصاء حقيقي وبيانات ومعلومات بعدد وأسماء الذين خرجوا للجهاد في سوريا والعراق؟ وهل تجتهد الحكومة المصرية في منع الشباب من التسلل إلى سوريا؟ ولماذا لا نسمع عن ضبط متسللين مصريين إلا من السلطات السورية؟ هل يسمح القانون بسفر مصريين للجهاد في دولة أخرى؟، وإن كان لا يسمح، لماذا تترك شخصيات عامة مشهورة تدعو الشباب للسفر؟ وهل وضعت السلطات الأمنية استراتيجية للتعامل مع المجاهدين بعد عودتهم وضمان عدم تحولهم إلى العنف؟

كلها اسئلة مشروعة يحتاج الشعب المصري لعرفتها حتي لا يفاجئ بعمليات ارهابية يخطط لها وينفذها تنظيم "العائدون من سوريا".

فلسفة المواجهة:

في البداية طالب اللواء حسين كمال مدير مكتب الراحل عمر سليمان، رئيس المخابرات العامة الأسبق الحكومة والجهات الامنية بضرورة مساواة معاملة "العائدون من سوريا" بمعاملة "العائدون من افغانستان" مبينا ان تلك الجماعات يمكن ان تنشق عنها جماعات مدمرة تحرق الاخضر واليابس في المستقبل.

واوضح اللواء حسين كمال، ان الجهات الامنية اضحت في حاجة الى بعض الاجراءات والاليات لمواجهة الجهاديين والتكفيريين العائدون من سوريا، مطالبا باهمية وضع كل من خرج من مصر بطريقة غير شرعية للتوجه الى بلاد الشام يجب ان يتم وضعة تحت حيز ترقب الوصول، وبمجرد دخولة الحدود المصرية يتم اتخاذ الاجراءات الامنية القانونية اللازمة بعيدا عن اهدار كرامته كانسان.

وقال مدير مكتب اللواء عمر سليمان ان كارثة "العائدون من سوريا" سببها الرئيسي "مرسي" الذي دعاهم للذهاب للجهاد في بلد عربي مسلم، كما انه قام بتسهيل عبور بعض الوافدين الجهاديين من بلاد المغرب العربي واوروبا وتدريبهم في مرسي مطروح، مشيرا في الوقت نفسه الى ان العالم الذي يشعر بالذعر اليوم من الجماعات المسلحة العائدة من سوريا لن تتفق مصالحها الي الحد الذي يؤدي الى ظهور كيان دولي مؤيد للقضاء على الارهاب.

في حين يري اللواء جمال مظلوم الخبير العسكري والمدير السابق لمركز الدراسات الاستراتيجية بالقوات المسلحة ان الموقف السعودي كان هو الموقف الوحيد الذي تحرك لمواجهة تلك الظاهرة قبل ان تتضخم وتصبح ازمة ارهابية كبيرة، مطالبا المشرع المصري والحكومة بسرعة الاستفادة من النموذج السعودي والعمل على سن قانون خاص بالتعامل مع من يخرج من مصر للقتال في اي دولة أخرى على ان يتم تجريمة ووصفة بانه عمل ارهابي.

وطالب اللواء مظلوم ان بضرورة اعداد وثيقة تعامل مع كل من يثبت بالدليل القاطع انه خرج من مصر الى سوريا او الدول المجاورة خلال فترة اندلاع الثورة السورية ليشارك في الصراع المشتعل هناك، مبينا في الوقت نفسه ان تلك الوثيقة لن تخرج عن مجموعة من التحريات بقدر الامكان تقوم على البحث الدائم عن كل الشخصيات التي ذهبت الى بلاد الشام، على ان يتم تشديد العصا الامنية علي مواقع بؤر الارهاب في سيناء ومناطق الظهير الصحراوي في الشرقية والاسماعيلية والصعيد.

وقال المدير السابق لمركز الدراسات الاستراتيجية بالقوات المسلحة على ان اهتمام العالم بمسالة العائدين من سوريا لحجمهم الضخم ولاحتمالية عودتهم الى 83 دولة لن تؤدي الى وجود تكتل دولي للقضاء علية، خاصة الولايات المتحدة الامريكية ودول الاتحاد الاوروبي الداعم للجماعات المسلحة، موضحا اهمية التعاون مع العديد من دول العالم التي لا تهتم بشبكة المصالح الغربية للقضاء على المقاتلين المرتزقة، من خلال ايجاد شبكة احلاف دولية، والتعاون مع جهاز الانتربول الدولي.

أما العميد السابق بجهاز أمن الدولة حسين حمودة فيري ثلاثة محاور لمواجهة كارثة "العائدون من سوريا"، اولها الآلية القانونية، مطالبا بضرورة الاستفادة من التجربة الروسية الحديثة في التعامع مع الارهابيين والمخربين، خاصة وان تلك التجربة التي اقرها "بوتين" الشيوعي تعتمد على الشريعة الاسلامية، في تغريم عائلة من يرتكب جرم ارهابي بدية القتل العمد، مبينا في الوقت نفسه ان القانون الروسي يعاقب كل من سافر الى دولة اجنبية للمشاركة في عمل عسكري حربي بعد عودته يعاقب بالسجن المشدد سبع سنوات.

أما عن المحور الامني لمواجهة تنظيم "العائدون من سوريا" اوضح العميد حمودة ان روسيا قامت باعتبارها دولة شعرت بانها في مرمي نيران الجهاديين والتكفيريين المرتزقة في سوريا، بعدة اجراءات اولها العمل على تشكيل وحدة خاصة في قتال الاسلاميين المتشددين ويتم تدريبهم على الحدود الروسية الشيشانية خشية عودة اسلاميين ولدوا في روسيا الى منطق شمال القوقاز وقيادة تمرد للانفصال.

في حين يؤكد اللواء محمد علي بلال نائب رئيس القوات المسلحة الاسبق وقائد الجيش المصري في عاصفة الصحراء علي ان ضرورة اعادة الوظيفة الرئيسية لجهاز امن الدولة او الامن الوطني فيتلك المرحلة لتجنيب البلاد سلسلة جديدة من الارهاب تتشابه مع ما ارتكبة "العائدون من افغانستان" في التسعينيات، مبينا ان الامن الوطني عليه ان يجهز من الآن قوائم للترقب لكل من شارك في اي صراعات مسلحة في سوريا.

واوضح اللواء بلال ان كل من خرج من مصر بشكل سليم وعاد بشكل سليم وشرعي لن يكون هناك خطورة من ناحيته، ولكن الخطورة الحقيقية فيمن خرج بشكل غير مشروع اثناء حكم "مرسي"، مطالبا الجهاد الامنية بضرورة تشديد المنافذ الثلاث الرئيسية التي تستغلها جماعات الارهاب، وهي الحدود الليبية التي يسيطر عليها المسلحين والتكفيريين، والحدود السودانية، والانفاق والمعابر المصرية الغزاوية.

وقال اللواء بلال ان العالم الغربي رغم وجود 37 دولة قدمت جهاديين وتكفيريين للجيش الحر السوري الا انها سترفض بشكل كبير تقديم اي مساعدة او تفعيل اي تحرك ضد المقاتلين الاجانب في سوريا، ولكنها ستعكف على حماية نفسها فقط، مشيرا الى ان العديد من الدول الغربية ساعدت وشجعت تلك الجماعات المسلحة وستكون او من يحترق بنيرانها.

اما الدكتور كمال الهلباوي القيادي المنشق عن جماعة الإخوان فأكد على اهمية تتعقب كل من ذهب الى دولة اخرى ليحارب ضد شعب مسلم دون اي سبب ومعاقبته على جريمته، مبينا ان ما يحدث في سوريا يختلف كثيرا عن ما حدث في افغانستان، وان الجهاد في افغانستان جاء نتيجة احتلال روسي لاقليم الشيشان، بعكس سوريا مجرد اشكالية بين السوريين وبعضهم البعض، وثورة جزء من الشعب ضد النظام، وان من مات منهم ليس شهيدا.

وطالب الهلباوي العالم الغربي وامريكا وجميع الدول الراعية للارهاب والتنظيمات المسلحة ان يلتفتوا قليلا الى مصر وما تواجهة من حرب حقيقية على الارهاب، وعليهم ان يتعلموا كيف سينتهي الارهاب في محطته الاخيرة على ارض مصر، مشيرا الى ان ازدواجية المعايير والمصالح الخاصة جعلت الغرب يقف ساكنا وداعما لما يحدث في الشرق الاوسط لتنفيذ مخطط تم اعداده منذ عقود لتوطين الإرهاب.