رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تضامنوا مع الطفل عبد المسيح


إن العدالة الحقيقية تقتضى التعامل مع «عبد المسيح» على أنه ضحية وليس مجرماً، هو ضحية مجتمع غلب عليه الظلم والفقر والقهر وتشغيل الأطفال حتى إن هناك أطفالاً يعولون أسرهم ونراهم فى إشارات المرور يتسولون ويستعطفون ويستجدون.
لست أعلم بأى ضمير
يتم القبض على الطفل عبد المسيح ومعاملته كعتاة المجرمين لمجرد أنه سرق خمسة أرغفة يسد بها جوعه وربما جوع أسرته، ولا أعلم أى نص قانونى يتيح لجهات التحقيق إحالة هذا الطفل إلى المحاكمة بهذه التهمة التى اعتبروها خطيرة وتهدد الأمن الوطنى وربما الأمن القومى أيضاً فى الوقت الذى تقف فيه أجهزة الدولة «مشلولة» عاجزة عن استعادة مليارات أهدرها أو استولت عليها عصابة مبارك وحرامية الحزب الوطنى.

يا له من مجتمع ظالم هذا الذى يمنح مبارك البراءة لانقضاء الدعوى الجنائية فى قضية تربح الفيللات الخمس بشرم الشيخ لوجود ثغرة فى القانون تمنع تحريك الدعوى الجنائية لمرور أكثر من 10 سنوات على ارتكاب الواقعة، ثم يحصل «مبارك» على براءة أخرى فى قضية تصدير الغاز لإسرائيل ويصدر القرار بألا وجه لإقامة الدعوى، حيث لم تستدل المحكمة على أن «مبارك» أهدر أموال الشعب فى تلك الصفقات. وبنفس المنطق يحصل رجل الأعمال «حسين سالم» على البراءة استناداً لنفس المواد.. ونحن نحترم أحكام القضاء الذى تحكمه ثوابت راسخة من بينها أن الشك يفسر دائما لمصلحة المتهم، وأنه خير للعدالة أن يفلت 100 مجرم من العقاب من أن يعاقب برىء، فضلاً عن تقيد المحكمة بنصوص قانونية تحت يدها لا يمكن أن تحيد عنها.. غير أنه إذا كانت كل تلك الثوابت شفيعاً لمبارك وعصابته المجرمة فى الإفلات من يد العدالة، أفلا يشفع لهذا الطفل بؤس حاله وحال أسرته؟

إن العدالة الحقيقية تقتضى التعامل مع «عبد المسيح» على أنه ضحية وليس مجرماً، هو ضحية مجتمع غلب عليه الظلم والفقر والقهر وتشغيل الأطفال حتى إن هناك أطفالاً يعولون أسرهم ونراهم فى إشارات المرور يتسولون ويستعطفون ويستجدون.

ماذا حدث؟ وكيف تم تكييف الوضع القانونى لقضية الطفل عبد المسيح الذى لم يتجاوز العشرة أعوام وعومل هكذا كما يعامل عتاة المجرمين.. والسبب مجرد حصوله على خمسة أرغفة.. انتفض من أجلها صاحب المخبز، واستنفرت معها قوات الشرطة للقبض على هذا الطفل الخطير على الأمن، وبالطبع وصلت هذه الانتفاضة الأمنية إلى جهاز النيابة العامة الذى اكتشف أن القضية جد خطيرة ولا يجب التهاون معها فتمت إحالة هذا الطفل البائس إلى المحاكمة الفورية.

ماذا حدث؟ وما سر هذه الانتفاضة الأمنية القانونية مع هذا الطفل الضعيف؟ دعونى أكثر صراحة وأسأل: هل لأنه مسيحى؟ هل استشعرت أجهزة الأمن والتحقيق أن هذا الطفل يمكن أن يثير فتنة طائفية بسرقته للأرغفة الخمسة فأرادوا أن يقطعوا الطريق عليها بما فعلوه مع هذا الغلبان؟ وإذا سلمنا بهذا التفسير فأى مجتمع هذا الذى يمكن أن ترتهن وحدته الوطنية على خمسة أرغفة سرقها طفل فقير تصادف أنه مسيحى؟

التعامل المفرط فى القوة مع الطفل عبد المسيح يثير ألماً شديداً فى ضمائرنا، ويحمل جريمة تتجاوز فى معانيها وخطورتها ما هو أشد وأخطر مما فعله الطفل، إذ إن أجهزة الدولة تورطت فى انتهاك صارخ وحقيقى لحقوق هذا الطفل التى يكفلها الدستور والقانون، وجميع التشريعات الدولية التى وقعت عليها مصر وأصبحت ملزمة لها.

ما حدث مع الطفل عبد المسيح لا يجب أن يمر هكذا دون محاسبة لكل من انتهك طفولته، وأتمنى أن يبادر معالى النائب العام المستشار هشام بركات بالتحقيق فى كيفية إحالته للمحاكمة، والرجاء كل الرجاء أن يكلف المستشار محفوظ صابر -وزير العدل جهاز التفتيش القضائى- بالتحقيق ومحاسبة كل من تورط فى إهدار آدمية وحقوق هذا الطفل.

■ نائب رئيس تحرير الجمهورية