رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مبدأ الاقتناع القضائى الحر للقاضى الجنائى وحقوق الإنسان


مبدأ حرية الاقتناع القضائى هو من أهم عناصر الإثبات فى الدعوى الجنائية، فالقاضى حر بأن يأخذ بالأدلة التى يراها مناسبة للكشف عن الحقيقة وله أن يتحرى بنفسه صدق الأدلة، والقاضى حر فى تقدير جميع الأدلة وله الحق فى أن يستمد اقتناعه وعقيدته من أى مصدر يطمئن إليه دون أن يملى عليه المشرع أو أى جهة أى سلطة فى هذا الشأن، ويستمد القاضى الجنائى اقتناعه من أدلة لها أصل فى أوراق الدعوى سواء كانت فى محاضر الاستدلال أو التحقيق أو المحاكمة، وسواء كانت هذه الأدلة قد قُدمت من قِبل أطراف الدعوى أو أن القاضى حثهم على تقديمها أو أنه قد قام بدور إيجابى للبحث عن مثل هذه الأدلة التى تفيد الدعوى وتوصله إلى الحقيقة... ومع ذلك فإن القاضى الجنائى حر فى تكوين عقيدته فى أن يعتقد أو لا يعتقد فى قيمة الأدلة، والأخذ ببعضها الآخر، فهو حر فى اقتناعه بالدليل الذى يراه طالما تحقق فيه شرط ثبوته بالأوراق وطرحه بالجلسة، كما أن طرح الدليل بالجلسة لا يحول دون حق القاضى فى الأخذ بما ورد فى التحقيقات الأولية طالما اقتنع بها، وينبغى أن يكون اقتناع القاضى الجنائى مبنيا على أدلة مشروعة وأصول منتجة فى الدعوى سواء من تحقيقات أو شهادة الشهود أو من قرائن أو من غيرها من طرق وعناصر الإثبات بشرط أن تكون مستمدة من إجراءات صحيحة ويؤسس هذا الشرط على قاعدة مشروعية الدليل الجنائى أو قاعدة الشرعية الإجرائية.. ومبدأ الاقتناع القضائى الحر هو من الأمور الموضوعية التى يستقل بها القاضى الجنائى فى حكمه دون رقابة من محكمة النقض بشرط أن يستخلص ذلك من أصول مادية منتجة من الأدلة وأن يكون استخلاصه للأمور الموضوعية استخلاصاً سائغاً وإلا كان محلاً للطعن عليه بالنقض. وتمثل مسألة الاستخلاص القضائى السليم للوقائع لمبدأ الاقتناع الحر ضمانة أساسية لحقوق الإنسان نصت عليه إعلانات حقوق الإنسان والعهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وعبرت عنه المادة 302 من قانون الإجراءات الجنائية بأن « يحكم القاضى فى الدعوى حسب العقيدة التى تكونت لديه بكامل حريته ومـع ذلك لا يجوز له أن يبنى حكمه على أى دليل لم يطرح أمامه فى الجلسة...وكل قـول يثبت أنه صدر مـن أحد المتهمين أو الشهود تحت وطأة الإكراه أو التهديد به يهدر ولا يعول عليه، ولا شك أنه يمثل ذلك النص ضمانة كبرى للمتهم فى المحاكمة العادلة المنصفة، وهو ما استقر عليه قضاء محكمة النقض بالتأكيد على ذلك المبدأ بأن يستخلص استخلاصاً سائغاً وسليماُ من أصول إثبات مشروعة وسليمة فالقاضى حر فى استخلاصه واستنباطه للحقيقة من جميع عناصر الدعوى ولا قيد عليه سوى ضميره.

هيئة قضايا الدولة