رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الموقف الرمادى تجاه سوريا


بنظرةٍ موضوعيةٍ مجردة، فإننى أثق فى أداء وكفاءة الدبلوماسية المصرية ورؤيتها الصائبة وجهودها المخلصة على مسار تحقيق الأهداف الوطنية لثورة 30 يونيو، ولا شك فى أن كل الخطوات والمواقف الدبلوماسية التى تعبر عن التوجهات المصرية الثورية، تقوم على معلومات دقيقة وتحكمها ثوابت المبادئ المصرية والمصالح العليا للوطن.

من جانبٍ آخر فليس لمثلى مساحةُ الرؤية وحجمُ المعلومات المتاحة لصانع القرار، وبالتالى فإن انتقاد أى قرارٍ أو موقفٍ سيكون مقصوراً بشكلٍ أو بآخر، ولكن يظل التأمل والتساؤل فى الشأن العام حقاً مشروعاً ويبقى التعقيب وإبداء الرأى واجباً مطلوباً، فإن أفاد كان خيراً وإن لم يكن فلا تثريب على المخلصين.

من هذا المنطلق وفى هذا الإطار أطرح اليوم موضوعاً سبق أن تناولته فى عدة مقالاتٍ سابقة، ومازال غامضاً مستعصياً على الفهم، بما يدعونا لمطالبة الدبلوماسية المصرية بالقدر الكافى من التوضيح أو بالتعديل الواجب للتصويب. هذا الموضوع هو الموقف الرسمى والعملى للدولة المصرية تجاه الشقيقة سوريا فى ظل ما تتعرض له من تآمر وعدوان والحرب التى مازالت تخوضها منذ نحو أربع سنوات دفاعاً عن سيادتها واستقلالها وسلامة أراضيها. وبعيداً عن التوصيفات العاطفية التى يحلو للبعض التشدق بها، فإننى أعتقد أن ما يجرى على الأرض السورية - من قتلٍ وتخريبٍ وتدمير مع تزايد الفصائل الأجنبية المسلحة وتصعيد حربها الشعواء ضد كيان الدولة وجيشها الباسل - لا يمت بأىِ صلةٍ إلى مفهوم الثورة الوطنية ولا يندرج تحت هذه التسمية بأى معيار، وإنما هو نفس المخطط الآثم الذى يستهدف إسقاط وتدمير الدولة السورية تحقيقاً لأهدافٍ وأطماعٍ دولية متعددة صارت واضحةً للجميع .

وإذا كنا نتفق على أن سوريا بحكم التاريخ والجغرافيا وقبل دواعى روابط القومية العربية، تمثل خط الدفاع الأول عن أمن مصر القومى، وأن مصيرَ كلٍ منهما مرتبطٌ حتماً بالآخر، كما أن سرعة وتصاعد وتيرة الأحداث فى المنطقة لن تمكن دولها من تدارك أخطائها فى الحسابات والمواقف، فإن ذلك يدعونا للتساؤل المُلح عن الموقف الاستراتيجى الصحيح الواجب والمفترض على الدولة المصرية تجاه شطرها الثانى سوريا. وفى الحقيقة أن مايثير الدهشة والقلق فى آنٍ واحد أن الموقف المصرى رغم ثورة يونيو العظيمة مازال رمادياً غيرَ واضح المعالم ودون التأئير المأمول على أرض الواقع، ولا أدرى إن كان ذلك مقصوداً لمجرد إرضاء ومؤازرةتوجهات دولٍ شقيقةٍ آخرى لدوافع دينية أو اقتصادية - وهذا أراه خطأ فى الاعتقاد وقصوراً فى التوفيق والمواءمة - أم أنه مسايرةٌ مؤقتة لأصحاب المخطط الآثم توقياً لمخاطره بعد دوران عجلته الطاحنه وعلو ضجيجه الصاخب، وهو ما آراه أيضاً خطأ فى التقدير وهروباً إلى نفس المخاطر؟

إن الموقف المصرى الرسمى المعلن لم يزد حتى الآن عن مجرد تصريحاتٍ متناثرةٍ بأن مصر يهمها مصلحة الشعب السورى وأمنه واستقراره وأنها ترفض تقسيم دولته وترى أن حل الأزمة بالوسائل السياسية وليس عسكرياً. هذا الموقف الرمادى العقيم تتبناه دون عناء سائر الدول الأخرى حتى المعادية، ولكن أين نحن من التوصيف الصحيح للحرب الدائرة والنيران المشتعلة على الأرض السورية؟ وما رؤيتنا الصحيحة فى تصنيف تلك الفصائل المسلحة ذات الجنسيات المختلفة لثمانين دولة؟ وهل مصلحة الدولة السورية واستقرارها ببقاء النظام الشرعى الحاكم وتأييده أم بإزاحته وتكرار السيناريو الليبى؟ ثم أين التعاون والتنسيق الواجب بين الدولتين أمنياً وعسكرياً، بحسبان أن عدو اليوم واحد ومخاطر المستقبل مشتركة؟ إنها بعض أسئلة حائره تبحث عن إجابتها فى المنهج السياسى الحر لمصر العروبة.. حفظ الله مصرنا الغالية، وهدانا جميعاً سواَءَ السبيل،،

لواء ــ بالمعاش