رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قهوة الملحدين !


وفق ما أكده المهندس جمال محيى ــ رئيس حى عابدين ــ فقد تبين أن عندنا فى القاهرة قهوة اسمها «قهوة الملحدين»! تقع فى المبنى رقم 61 بشارع الفلكى من ناحية شارع هدى شعراوى. لا أدرى بأى «جهاز كشف» تأكد لسيادة رئيس الحى أن رواد المقهى ملحدون؟ بل هم ــ على حد تعبيره ــ «عبدة شيطان»؟!. لكن المهندس جمال كان واثقاً مما يظنه إلى درجة أنه أمر بتحطيم المقهى وإغلاقه وقطع التيار الكهربائى عنه، وفاته للأسف – وجلَّ من لا يسهو – أن الملحدين مثل البوم الذى يرى فى الليل يواصلون إلحادهم فى العتمة بمزيد من الدقة! ولابد من دون شك أن لدى رئيس الحى جهازاً يابانياً الكترونياً حديثاً يضعه على صدر المشتبه به فتخرج له ورقة زاهية الخضرة عاطرة تعنى أن الشخص مؤمن، أوأخرى حمراء فاقعة برائحة كريهة تعنى أن «الأبعد ملحد». أما نحن البسطاء ممن لم نلحق بركب العلم، فإننا مازلنا عند حدود الحديث الشريف «ألا شققت عن قلبه؟». العجيب أن جلال مصطفى سعيد ــ محافظ القاهرة ــ أثنى على تلك الخطوة مؤكداً أنها «ممتازة»! يترافق معنى هذه الواقعة الصغيرة مع حدث آخر مهم هو عقد مؤتمر رسمى برعاية الرئيس عبد الفتاح السيسى لمواجهة الإرهاب. وأول ما تقتضيه مواجهة الإرهاب هو أن نستأصل من ثقافتنا «منهج التكفير» الذى يعتمد عليه الإخوان وغيرهم وينطلقون منه فى التدمير والعدوان على الآخرين، وأيضاً أن نستأصل هذا المنهج نفسه من أجهزة الدولة أيضاً ومؤسساتها والقائمين عليها. إذ لا يصلح أن نعقد مؤتمراً لمواجهة الإرهاب فى الوقت الذى يعتمد فيه المسئولون فى الدولة على منطلقات داعش والإخوان فى تكفير الآخرين! والمأساة ليست فى رئيس الحى المهندس جمال فحسب بل وفى محافظ القاهرة الذى أشاد بإغلاق المقهى وأثنى على الإجراء! وإذا كان للمؤتمر أن يقوم بعمل مهم فهو أن يضع خطة لمواجهة ذلك المنهج داخل الدولة أولاً، ليتمكن بعد ذلك من المواجهة بدولة ليست صديقة للتكفير، لا بمسئوليها، ولا بمناهج التعليم فيها، ولا بثقافتها. لكن على ما يبدو، فإن المنهج التكفيرى والعداء للفن والثقافة مبدأ شبه ثابت لدى أجهزة الدولة. وفى حى عابدين نفسه كان هناك شارع منذ ثلاث سنوات باسم الفنان على الكسار، يحمل اسم ذلك الفنان منذ عام 1989، لكن رئيساً للحى قام فجأة بتغيير اسم الشارع فى مارس 2010 إلى شارع « الجنينة»! ولم تفلح كل جهود ماجد على الكسار ابن الفنان الراحل فى إعادة اسم الفنان إلى الحى! كان الأجدى لنا وللقاهرة أن ينظر رئيس الحى – ليس فى إغلاق مقهى – بل فى مشكلات حى عابدين الذى يرجع تاريخه إلى عهد «الخديو إسماعيل» وفى الإهمال الذى عشش على قصر عابدين جوهرة القصور الملكية المصرية، وكان القصر مقراً للحكم من 1872 حتى 1952. تعاقب عليه ستة ملوك، واكتسب اسمه من «عابدين بك» أحد القادة العسكريين فى عهد محمد على، وكان يمتلك قصراً صغيراً مكان القصر الحالى، فاشتراه الخديو إسماعيل من أرملته وهدمه ليبنى القصر الكبير. الآن أصبح القصر التاريخى محاطاً بشوارع أغلقها الباعة الجائلون، وغدا المرور فيها معجزة، بينما تتكدس تلال القمامة شاهداً على الإهمال وغياب الشعور بالمسئولية، وتترنح أعداد من البيوت الآيلة للسقوط. هذه هى المشكلات التى ينبغى مواجهتها وحلها. أما تكفير المقاهى والدخول فى النيات والنفوس والرءوس فليس من شأن رئيس الحى، ولا محافظ القاهرة، ولا أى كائن بشرى استورد جهازاً إلكترونياً للكشف عما فى القلوب!

كاتب وأديب