رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكنبة.. أقوى حزب


الكنبة فى مصر هى المجلس فى السعودية والديوانية فى الخليج وصحن الدار فى سوريا.. باختصار أنها مكان تجمع العائلة والأصدقاء، حيث المسامرات والمناقشات.. زمان قبل اختراع التليفزيون ارتبطت الكنبة بالثرثرة النسائية.. وأحياناً ما كانت دردشة الستات تتم عبر النوافذ والمشربيات، حيث يستقر تحت كل شباك كنبة.. كثيراً ما تندرنا على لغو السيدات وقلنا إنه «كلام شلت» أو «طق حنك» كما يقول أهلنا فى لبنان.. لكن مؤخراً وخصوصاً بعد ما تم استيلاء ما يسمى بـ «الربيع العربى»، أصبحت الكنبة أهم حزب سياسى فى الوطن العربى.. نحن لم نعرف أحزاباً بالمعنى الحقيقى فى مصر، ربما فى لبنان ارتبطت الأحزاب بالطوائف واكتسبت قوتها من التوازن الفسيفسائى للنسيج اللبنانى.. لكن مصر شىء آخر.. بعد 2011 صارت الكنبة أشبه بمنصة الحكم.. الجالسون إليها أو عليها يراقبون شاشات التليفزيون يومياً ويتابعون ما تبثه من شجار سياسى وتوك شو انفعالى وبرامج إخبارية وتحليلات عشوائية..

من ثم ارتفع وعى المواطن وصار له رؤية نقدية لواقع الحال.. ورغم أن كثيرين ممن يسمون أنفسهم نشطاء أو ثواراً سياسيين يسخرون من حزب الكنبة باعتباره حزباً سلبياً.. لكن الحقيقة أنه أقوى حزب فى الوطن العربى.. عدسات المحطات الفضائية فى مصر تقدم لك الوطن برؤيتها هى وتسوق لك المبررات بأن هذا هو الصحيح.. كل محطة لها وجهة نظر.. وكل ضيف يتلو عليك كل ليلة بيان حالة، لكنك فى كل الأحوال لا ترى نفسك فى أى من المتحدثين ولا تشعر فى أحيان كثيرة أنك تشبه الذين يتحدثون عنهم.. فأنت تحتاج الخبز والوظيفة والحياة البسيطة وهم يحدثونك عن دولة مدنية أم دينية.. عسكر أم ثوار.. تعددية تنافسية أو شمولية.. والمصيبة أنهم لا يشركونك فى الحوار رغم أنك من تقرر أو تحكم على ما تريده وليس على مايريدون هم!

أنت جزء من بلدك، لكنك لست بالضرورة جزءاً من المشهد الإعلامى الذى تراه أمامك كل مساء، فهو مشغول عنك بعالم خاص يريد تسليط الأضواء عليه لتبدو الحياة ضيقة، على مقاس أشخاص، أو شوارع وفرقاء. التليفزيون مشغول بالـ «توك شو»، الذى جاء خصيصاً ليحكى ساعات عن مشكلات وهموم وأحداث، كلها يجعلها كبيرة أياً كان مقاسها وحجمها. بعض المذيعين يمسك الميكروفون ولا يتركه إلا رغما عنه، يعشق «المونولوج» والتحاور مع نفسه وتحليل الأحداث وفق رؤيته ومن منظوره، أو بأبعد الحدود يتناقش مع زميله فى الأستديو، وهما يقدمان البرنامج معاً، ويسألان ويجيبان ويحسمان ويؤكدان.. كأن كل الخيوط فى أيديهما. البعض الآخر يستضيف من يدعمه فى توجهاته السياسية فيتحول البرنامج إلى وسيلة ترويجية لخدمة جهة دون الأخرى، ولتلميع صور أشخاص وتشويه آخرين. وهنا لن نتحدث عن القنوات المأجورة للخارج، التى تشعل النيران بين الدول والشعوب وهى معروفة جداً، حتى الفلاح البسيط فى أبعد قرية مصرية يعرفها ويرجم فريقها بالحجارة