رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لغتنا.. وإزاحة الهويَّة المصرية!! «2-2»


ورحم الله أمير الشعراء أحمد شوقى الذى كان يغار على اللغة العربية الفصحى من أشعار اللغة العامية لشاعر الشعب محمود بيرم التونسى، وكان يقول: لا أخشى على اللغة العربية إلا من شِعر / بيرم التونسى.. ووصلت تلك المقولة إلى بيرم التونسى الذى رد على شوقى متهكمًا وقال: يا أمير الشِّـعر غيرك.. فى الزَّجل يبقى أميرك
وهكذا كانت الغيرة والحرص على اللغة ومفرداتها ودلالاتها، برغم أنها كانت غيرة حميدة على اللغة العربية من اللغة العامية التى تعتبر مستولدة من رحم اللغة الفصحى لا من لغة دخيلة على الفصحى أو إحدى لهجاتها، وكانت تلك الغيرة فى مجريات الزمن الجميل، وذلك على سبيل المثال لا الحصر والأمثلة كثيرة ومتشعبة لمن يريد تتبعها أو إخضاعها للدراسة / وكان لكل صاحب فكر وجهة نظره التى يدافع عنها بحسب قناعاته وثقافته، وبحسب الشكل والمضمون الذى ينتقى منه ألفاظ إبداعاته وأشعاره.. طالما لا يخرج عن الآداب العامة والعرف المجتمعى.ولاجدال فى أن «اللغة» كائن حى ـ كباقى مخلوقات الله سبحانه وتعالى ـ تنمو وتكبر وتتنفس وتجدد خلاياها باستمرار، وتعطى دلالاتها طبقًا لمفهوم كل مجتمع بشرى وثقافته، لضمان عدم انقطاع الوشائج التى تربط خلايا المجتمع الإنسانى ببعضه، فهى أداة التوصيل للمعرفة والتفاهم والنقاش والجدل والاتفاق والاختلاف، ولكل مجال من المجالات الحياتية توجد اللغة المتعارف عليها بمصطلحاتها ومدلولاتها الضمنية التى لاتقبل التأويل والتبديل إلا فى حدود ضيقة وفى مناسبات بعينها، ليختلف مدلول اللفظ فى طريقة «التلفُّظ» به وتكون بنبرة صوتية تجسِّد المعنى الحقيقى المقصود منها؛ كما يحدث أحيانًا فى لغة المسرح.

واللغة كائن حى يعيش بيننا ليس بالتعبير المجازى، ولكنها حقيقة لا تقبل الشك أو الجدل وتقوم بتطوير نفسها بنفسها تلقائيًا بحسب ازدهار أو انحسار ثقافات المجتمعات والشعوب، ففى عصور الازدهار الثقافى ترتدى «اللغة» أجمل ما فى جعبتها من ثياب راقية براقة لتتراقص فى قصائد الشعراء والمبدعين، لتقتنص الحياة والخلود بين الدفاتر والأوراق وتحتفظ بذاكرة الشعوب وتراثها الإنسانى، وتنحدر فى عصور التردِّى والانحطاط فى مفاهيم المجتمع وسلوكياته التى تنعكس على الإبداع والفنون والشعر بصفة خاصة لأنه ـ كما يقال ـ ديوان الشعوب.فهل نطمع أو نحلُم بالدعوة إلى مؤتمـر لعلماء اللغة مع علماء الاجتماع والتنمية البشرية وجميع منظمات المجتمع المدنى، لدراسة كيفية الخروج من هذا المأزق، ومحاولة رأب الصدع الذى حدث فى أرضية اللغة والذى يتسع يومًا بعد يوم، الأمر الذى يُخشى منه على بنيان لغة الحوار فى مجتمعنا ومعاملاتنا اليومية، ويكون هذا بأسرع وقت ممكن وحتى لا يتسع «الخرق على الراتق» وحتى لا تذهب كل محاولات التقدم والرفعة والازدهار للوطن وللمجتمع المصرى أدراج الرياح. وحتى يكون هذا المؤتمر بمثابة حائط الصد القوى لتفويت الفرصة على كل ما يحاك بليل لهذا المجتمع من مؤامرات تستهدف سقوطه فى براثن التغييب والتعتيم، وضرورة أنه كلما انتبهنا إلى ثغرة جديدة تحيق بنسيج اللغة ووحدتها لابد من الإسراع بإيجاد العلاج لها وبكل الجدية، ولابد أن يكون هذا بوازع وضمير كل مصرى دون الحاجة إلى استصدار قوانين تنظم هذا، فالوطنية الصادقة الحقة لا تحتاج إلى ترسانة من اللوائح المنظمة والموجِّهة،ولابد أن تكون نابعة من الإحساس بالمصرية الخالصة المخلصة لتراب هذا الوطن العظيم.. وساعتها ستقف أمام المرآة فى الصباح لتتعرف على ملامح وجهك الحقيقية ذى الملامح المصرية العظيمة، والتى قام أجدادنا العظماء بنحتها على جدران المعابد وكُتب لها الخلود على مر الزمان.

مركز اللغات والترجمة ـ أكاديمية الفنون