رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشهيد أحمد بكر


عشرات التهديدات التى وصلت لى من جماعة الإخوان الإرهابية، قامت وزارة الداخلية بتعيين حراسة شخصية لى من إدارة الحراسات بالوزارة، وكان من ضمن الحرس الشخصى الذى رافقنى لمدة طويلة أمين شرطة متفوق فى مجاله اسمه «أحمد بكر» وكان لأحمد بكر طموحاته الشخصية .كان قد وصل إلى الصف الرابع بالكلية، وكان أيضاً قد اجتاز سنوات الدراسة بتفوق رغم أعباء عمله الذى يقتضى غيابه عن منزله لأيام، وقبلها كان قد تزوج زواجاً قصيراً لم يوفق فيه إلا أنه أنجب ابنين صغيرين ثم انفصل عن زوجته فتزوجت من آخر ثم بحث هو عن زوجة ترعى ابنيه الصغيرين فوفقه الله لذلك، ومن زوجته الجديدة أنجب ابنة لا تزال فى السنة الأولى من عمرها، وبعد أن تخرج الأمين أحمد بكر من كلية الحقوق تقدم للوزارة بطلب ليدخل أكاديمية الشرطة تمهيداً لترقيته، وقد كان، وبعد ستة أشهر أصبح الأمين «أحمد بكر» ملازما ثم ملازماً أول، واقتضى الأمر أن ينتقل إلى إدارة أخرى غير إدارة الحراسات، وجاء تعيينه كضابط فى إدارة الأمن المركزى بالقاهرة، إلا أننى فوجئت به يزورنى فى مكتبى بصحبة حارسى الجديد وهو يحمل «تورتة» كبيرة ويزف لى خبر أنه قدم طلباً للنقل إلى العريش وأن الوزارة وافقت، تعجبت مما قاله لى، وقلت له: ولماذا شمال سيناء يا أحمد؟! أليست محافظة خطيرة وأنت فى بداية عهد جديد لك، وابنتك الوليدة لم تكمل عامها الأول بعد، فقال لى بالحرف الواحد: وهل ترضى يا أستاذ أن أترك زملائى يقاتلون ويواجهون الإرهاب فى سيناء لأجلس أنا هنا فى القاهرة، أما أبنائى فلهم الله ويكفينى أننى إذا مت فسأكون شهيداً وهذه أمنية أتمناها من كل قلبى، فلم أستطع الرد عليه إلا بعبارة قصيرة هى: إذا كنت صادقاً يا أحمد فيما تقول فستموت شهيدا، وكن على ثقة أن أبناءك سيكونون فى رعاية الله، فمن كان الله معه فهو حسبه.ومضت أيام قليلة ثم وجدت والدة أحمد تكلمنى فى التليفون وهى فى حالة هلع قائلة: أحمد أخفى عنى أنه طلب نقله للعريش وعلمت بهذا الأمر الآن منه، وهو فى الطريق إليك الآن ليودعك قبل أن يسافر، وأنا أرجوك أن تقنعه بالعدول عن السفر للعريش، وهناك فرصة لذلك لأن أحد زملاءه طلب السفر للعريش بدلاً منه، والمدير المختص وافق ولكن بشرط أن يوافق أحمد، فوعدتها خيراً، وبعد دقائق حضر لى أحمد أبو بكر: فرجوته كما طلبت منى أمه، ولكنه أصر وقال : أنا مسافر علشان استشهد.وبعد عدة شهور نزل أحمد فى أجازة وجاء لزيارتى وأخبرنى عن الإرهاب وقسوته، وامتدح لى ضباط العمليات الخاصة قائلاً: هؤلاء أسود وقلوبهم من حديد، ثم أخبرنى أنه كان فى حملة لتطهير بعض الأماكن فى شمال سيناء من الإرهابيين وأثناء القتال معه نظر بجانبه فوجد أن رصاص الإرهاب أصاب فى مقتل زميله الذى كان يجاوره، ثم قال: ومن يعلم قد تكون الرصاصة القادمة فى صدرى أنا، قال أحمد لى هذه الكلمات ثم ودعنى، ودار فى نفسى هاجس أن هذا قد يكون آخر لقاء لى مع أحمد، واليوم فوجئت ببيان من وزارة الداخلية عن استهداف مدرعة شرطة بالعريش واستشهاد الملازم أول أحمد بكر وأمين شرطة كان معه، فتمنيت أن يكون الأمر مجرد تشابه أسماء إلا أننى تأكدت من الخبر، وها هى الشرطة تقدم للوطن الشهيد وراء الآخر، يبذلون أرواحهم دفاعاً عن أبناء وطنهم، وكثيرٌ من الفارغين يجلسون آمنين فى بيوتهم يثيرون الشائعات وينتقدون بغير علم أو فهم وزارة الداخلية!.لن أستطيع أن أقول إن أحمد بكر سقط شهيداً، فالشهداء لا يسقطون ولكن يرتفعون، ولن أقول إنه مات، فالله سبحانه قال «ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون» اللهم ارحمه رحمة واسعة وألهم أهله وأمه الصبر وتغمد أولاده برعايتك