رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"الدستور" تقتحم العالم السري لأجهزة التنصت والتجسس في مصر

جريدة الدستور

"إحنا راصدينكوا وعارفينكوا وشايفنكوا كويس أوووي.. وعارفين إنتوا بتعملوا إيه وبتخططوا لإيه".

"رصدنا مكالمات بين قادة عسكريين واللجنة العليا للانتخابات لمحاولة تنحية مرسي".

كانت تلك أحد أهم عباراتين ألقيت الأولى منها الرئيس المعزول محمد مرسي في أحد خطاباته الماراثونية للشعب الذي انتخبه، وعلى ما يبدو كانت أصدق عبارة أطلقها في تاريخ خطاباته التي سيسجلها التاريخ.

فقد اثبتت مقوله "مرسي" أن جماعة الإخوان المسلمين كانت تدير أكبر شبكة تجسس ورصد وتنصت على جميع مسئولي مؤسسات الدولة، من قضاء وجيش وشرطة ونقابات ومعارضيه السياسيين وإعلاميين، لرصد جميع تحركاتهم، حتي ان بعض خبراء المعلومات أكد علي ان الجماعة حولت مصر الي اضخم شبكه تجسس لم يشهدها العالم منذ الحرب الباردة، وكان آخرها زرع أجهزة تنصت وتجسس داخل مكتب النائب العام، والتي يشتبه أن المستشار طلعت عبد الله النائب العام السابق قام بزرعها.

في ألقي العبارة الثانية خيرت الشاطر نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما يؤكد قطعا بأن الشاطر كان مسئولا عن إدارة مركز المعلومات داخل مكتب الإرشاد"، وقد تم وفقا لرجال القضاء إخفاء هذه الأجهزة في أحد مقرات الإخوان، وهذه الأجهزة تم توزيع جزء منها على العديد من الأماكن الحيوية في مصر، وعلى رأس تلك الأماكن مؤسسة الرئاسة، التي كان يتجسس عليها وعلي "مرسي" مكتب الإرشاد، كما عثرت الأجهزة المعنية بالدولة داخل الرئاسة على أجهزة تنصت عن بعد زرعها الإخوان لنقل كل مكالمات ومقابلات الرئيس المعزول إلى جهة غير معلومة يرجح أن يكون مكتب الإرشاد.

الغريب ان خبراء الاتصالات وتكنولوجيا المهلومات أكدوا علي أن جماعة الإخوان المسلمين كانت تقوم بالتجسس على جميع مؤسسات الدولة من خلال أجهزة اتصالات حديثة والربط غير المعروف لشبكات المحمول مع تلك الأجهزة، موضحين أن الجماعة قامت بأول عملية تجسس على أعضاء المحكمة الدستورية العليا في غرف المشورة أثناء نظرهم للطعن المقدم على عدم دستورية قانون انتخابات مجلس الشعب، والتي رصدت فيه جماعة الإخوان آراء الأعضاء حول القضية.

واشاروا الي أن عملية التجسس على المحكمة الدستورية امتدت إلى ما بعد حكم حل مجلس الشورى والطعن المقدم من الفريق أحمد شفيق المرشح الخاسر في انتخابات الرئاسة، حيث كانت الجماعة تقوم بوضع أجهزة تنصت داخل غرفة المشورة الخاصة بالمحكمة، بل وان هناك دلائل قاطعة على أن الإخوان كانوا يمتلكون جهاز مخابرات لجمع المعلومات عن معارضيهم، وهو ما سجلوه بألسنتهم من خلال التأكيد على أنهم يعلمون بالمؤامرات التي تحيك بحكم مرسي حيث أكد عصام العريان أن الجماعة والرئاسة يملكان تسجيلات صوتية للنائب العام السابق عبد المجيد محمود، وقت الأزمة بينهما، وهو ما ذكره الرئيس المعزول في أحد خطاباته بوجود النائب العام السابق عبد المجيد محمود، داخل مكتب أحد المحامين وآخرين لتدبير مؤامرة على الحكم.

ومن هنا أصبح الدكتور مراد على أحد أعمدة شبكات التجسس في جماعة الإخوان المسلمين، فقد وجهت له النيابة العامة تهمة بإنشاء جهاز تحت مسمى المركز الإعلامى لجماعة الإخوان المسلمين، بأمر من المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع، ونائبه خيرت محمد الشاطر بغرض التجسس على قوات الشرطة وإحداث عمليات تشويش لأجهزة الاتصالات، كما تم اتهامه بزرع أجهزة تجسس وصلت تكلفتها الي حوالي 120 مليون دولار داخل بعض المقرات الإعلامية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين.

الكارثة ليست فيما فعلته جماعة الاخوان المسلمين من نشر أجهزة تنصت وشبكات للتجسس علي اجهزة الدولة، بل ان الكارثة الحقيقية في الصندوق الاسود التي فتحته تلك القضية، وعلي الاخص صندوق عمليات التجسس التي قامت بها على مؤسسات الدولة، فجميع المصادر الامنية تؤكد أن جماعة الإخوان المسلمين كان تقوم بربط جميع الأجهزة داخل الوزارات والجهاز المركزي للمحاسبات وجهاز التعبئة والإحصاء بمقر الجماعة بالمقطم والمنيل، للسيطرة على مفاصل الدولة من خلال مراقبة ما يدور داخل تلك الوزارات.

الخطورة الان لم تعد فيما فعلته جماعة الاخوان المسلمين من تجسسها علي أجهزة الدولة، الخطورة في أن أجهزة التنصت والتجسس أضحت فى يد الجميع، وتلك ليست مبالغة او تضخيم للقضية، ولكنها تعبير واضح عن ان اي فرد في مصر اصبح قادرا علي امتلاك أجهزة التجسس، بعد ان اصبحت متاجة للجميع في الاسواق الالكترونية العادية، فهناك عدد لا حصر له من موزعي تلك الاجهزة في الشوارع الخلفية لبعض الاسواق، وعلي راسها شارع عبد العزيز او كما يطلق عليه خبراء الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات شارع التجسس الاول في مصر.

قائمة أسعار:
والاغرب من ذلك ان موزعي اجهزة التنصت والتجسس في مصر وضعوا قائمة بالاسعار في متناول يد الجميع، وتلك القائمة تمكن اي شخص من التجسس علي جارة او صديقة او عدوة باسعار تبدأ من 250 جنيها فقط، حتي 10 الاف جنية، طبقا لطبيعة الاجهزة والحجم، سواء كانت كاميرات المراقبة والتسجيل، التي تختلف في الشكل والحجم من اجزاء ساعات أو أزرار ملابس أو أقلام أو نظارات شمسية.

قائمة الأسعار سواء لكاميرات المراقبة وأجهزة التنصت المثبتة فى التليفونات الأرضية والمحمولة تشمل توكيلات لماركات عالمية أمريكية وكورية وتركية وفرنسية والمانية، والأسعار مختلفة حسب الجهاز وحاجة الاستخدام، فإذا أردت جهاز تنصت صغير الحجم يتم تركيبه بجوار شريحة التليفون المحمول الشخصى فسعره يصل إلى 8 الاف جنيه، ويقوم بتسجيل كل المكالمات الواردة والصادرة، أما إذا أردت جهاز التسجيل للتليفون المحمول فى الشركات، فسعره يصل إلى 1800 جنيه فقط.

القائمة ضمت ساعات مثبت بها كاميرات خفية يصل سعرها إلى 500 جنيه تصور لمدة ربع ساعة فيديو وتلتقط 50 صورة، بالاضافة الي كاميرا أخرى مثبتة فى "أزرار القميص" تصور 3 دقائق، ولا تلتقط صورا فوتوغرافية، وتعمل بمجرد لمسها ويصل سعرها إلى 350 جنيها، وأخرى مختفية فى شمسية تثبت بالرأس يستخدمها الحجاج والمعتمرون لتصوير مشاهد الحج والعمرة، ويصل سعرها إلى 150 جنيها، وأخيرا النظارة الشمسية وتصور 3 ساعات فيديو وتلتقط 1000 صورة، وسعرها 1900 جنيه، أما فيما يتعلق بجهاز تسجيل المكالمات، فيتم تثبيته فى أى جزء من الشقة ويعمل على ذبذبات التليفون، ويصل سعره إلى 3 الاف جنيه.

أجهزة صينية:

كان التساؤل كيف تدخل هذه الاجهزة الي مصر؟ وكيف يسمح لها بالدخول دون ادني رقابة؟، فالحقيقة التي كشفها احد بائعي شارع عبد العزيز ان مثل تلك الاجهزة يتم تهريبها وسط أكسسوارات الدراجات البخارية والاجهزة المنزلية والكهربائية، بل ويمكن أن تدخل بطريقة مباشرة عن طريق الجهات الأمنية، ويتم استيراها من ألمانيا واليابان وامريكا وايطاليا، ومن السهل بيعها على الأرصفة فى الشوارع خارج المحال التجارية في شارعي عبد العزيز والعتبة.

ونتيجة لتهريبها تسللت العديد من الاجهزة الصينية الرديئة والمغشوشة، فقد ضبطت الاجهزة الامنية بالقاهرة مؤخرا العديد من اجهزة التنصت الصينية التي تباع في شوارع القاهرة، واغلب الاجهزة التي تم ضبطها كانت تحتوي علي موضع لشريحة تليفون محمول، وكل جهاز مزود بكابل للشحن، ووصلة ""USB، يستخدم في تسجيل الصوت فقط لمدة ساعتين متواصلتين أو أربع ساعات متقطعة، ويعمل تلقائيا بمجرد الاتصال برقم شريحة التليفون من أي مكانٍ آخر، بالاضافة الي مجموعة أقلام جاف سوداء اللون صينية الصنع، مزودة بذاكرة فلاش ميموري تسع أربعة جيجا بايت، ووصلة ""USB، وبها كاميرا دقيقة جدا أعلي مشبك القلم بدقة 1.3 ميجا بكسل، تستخدم للتسجيل صوت وصورة، بالاضافة إلي أجهزة اخري علي شكل مفتاح سيارة"BMW" بالريموت، مزود بكاميرا دقيقة، وتستخدم للتسجيل صوت وصورة لمدة 45 دقيقة متواصلة.

شبكات الإنترنت:

لن يجد راغبي امتلاك أجهزة التنصت وشبكات التجسس اي صعوبة بحثا عن موزعي ومالكي تلك الاجهزة، فشركات بيع أجهزة المراقبة والتنصت فى مصر يمكنه أن يصل إليها بمجرد البحث عنها على الإنترنت، فبمجرد كتابة اسماء الاجهزة ستطل عليك أسماء وعناوين عشرات الشركات، التى تتنافس فى تقديم عروض خاصة، للحصول على أجهزة المراقبة والتنصت واغلبها يتواجد في مناطق وسط البلد ومدينة نصر.

فهل تتخيل انك يمكن ان تطالع علي الشبكة العنكبوتية مجموعة من العبارات التي تدعوك لشراء وحيازة تلك الاجهزة وبارخص الاسعار وتبدأ بمبلغ 300 جنية فقط، ومن يطالع أحد أهم مؤسسات التي تعلن عن مبيعاتها من اجهزة المراقبة والتجسس، وعلي راس تلك الشركات مؤسسات تعمل في مجال النظم والاتصالات والمراقبة الرقمية والاتصالات والتي تعمل في مجال نقل الصوت والصورة ونظم الاتصالات، وتمتلك الاحدث والأدق في عالم المراقبة وأجهزة الإنذار وبأسعار خيالية، فيمكنك الآن تركيب كاميرات المراقبة في الشركات والبنوك والصالات والمعامل والمستشفيات والمطاعم والمحلات التجارية والمدارس حيث يمكنك مراقبة شركتك أو فيلاتك أو أيا كان نشاطك من بعد أينما كنت عن طريق نظام"dvr card".

وقد كشف خبراء تكنولوجيا المعلومات بالقرية الذكية عن ان مثل هذا النظام يحتوي علي تكنولوجيا تتميز بأنة عند اختراق المجال يقوم بإصدار صوت الإنذار وإرسال رسالة على الموبيل للتحذير من أمر ما، بل ويقوم تلقائيا بارسال ملف بما حدث على البريد الالكتروني الخاص بمستخدمة، وتتميز ايضا بإمكانية الاتصال والتحكم عن بعد بطريق المودم ونظام إنذار متكامل ضد السرقة، ويمكن مراقبتة من خلال الانترنت علي جهاز الموبيل، مع امكانية التسجيل بشكل حي لاكثر من 16 قناة فيديو بالاضافة الي 15 تقنية صوت وامكانية عرض ما تم تسجيلة علي اجهزة التليفزيون، ويتم تقسيم الشاشة التي تعرض طبقا لعدد الكاميرات، مع القدرة علي التحكم بالكاميرات من بعد بالريموتكنترول، وامكانية الربط مع اجهزة الانذار وطرق الامان، وكل ذلك يمكن ان يكلف 10 الاف جنيه.

تجسس حريمي:
هل تعلم ان النساء هن أكثر من يقبل علي شراء اجهزة التنصت والمراقبة والتجسس؟

تلك كانت أكثر الملاحظات اثارة اثناء تجولنا في شارع "التجسس" عبد العزيز سابقا، فقد أجمع عشرات الباعة علي ان السيدات أكثر الزبائن الباحثة عن اجهزة التنصت والتجسس والمراقبة، وان التنصت على الاتصالات الهاتفية ومراقبة ورصد الأنشطة اليومية هي ابرز ما يلفت نظرها ويثير انتباهها، مبينين أن السيدات يبررن ذلك بالغيرة علي ازواجهن ورغبتهن في التلصص على عليهم، بغية التحقق من عدم وجود علاقات سرية في حياتهم، غير أن هذا لا يتعارض مع أهداف أخرى أكثر خطورة لجأ إليها رجال الأعمال لمراقبة الموظفين أو المنافسين التجاريين، هذا فضلاً عن قيام الشركات بمسح مكاتبها إلكترونيا للتأكد من عدم وجود أجهزة تنصت تسعى للتلصص على منتجاتها وأسرارها التجارية، خاصة في ظل انتشار ظاهرة التجسس التجاري والصناعي أي محاولة سرقة الأسرار التكنولوجية وغيرها من المعلومات الهامة، التي يمكن أن تترجم في وقت قليل إلى أموال طائلة.

تاريخ التنصت:
وقد بدأ التجسس على الهواتف المحمولة مع ظهور تلك الأجهزة وانتشارها الواسع منذ العام 1990، وحينها كان هناك اعتقاد شائع حول استحالة مراقبتها أو التنصت عليها، لأنها كانت تستعمل تقنية (GSM)، وأمام هذه الصعوبة في المراقبة طلبت وكالة CIA وضع رقائق صغيرة داخل هذه الهواتف لكي تتمكن من مراقبة المحادثات التي تجرى خلالها، وبينما كان النقاش يدور حول هذا الأمر ومدى مشروعيته، استطاعت إحدى الشركات الألمانية وهي شركة (Rode Schwarz) تطوير نظام اعتراض إليكتروني أطلقت عليه اسم (IMSI-catcher) وهــو اختصار لمصطلح (International Mobile Subscriber Identity)، الذي تمكنت بواسطته من التغلب على هذه المشكلة ورصد الإشارات الصادرة من هذه الهواتف.

ويؤكد خبراء الاتصالات إن المخابرات الألمانية لم تكتف برصد وتتبع مكالمات التي تجري عبر الهواتف المحمولة، بل توصلت إلى معرفة مكان المتحدثين أيضاً، كما طورت جهازا إلكترونيا يمكنها من استخدام الميكروفون الموجود في الهاتف المحمول، لكي ينقل كافة الأصوات والمحادثات الجارية حوله، وسرعان ما انتقل هذا النظام الإلكتروني إلى وكالتي NSA و CIA الأميركيتين، وكان هذا التقدم التكنولوجي المذهل هو السبب في اغتيال عدد من الشخصيات المستهدفة، مثل يحيى عياش، والرئيس الشيشاني دوداييف، كما وقع "أوجلان" في الخطأ القاتل نفسه، عندما اتصل بمؤتمر للبرلمانيين الأكراد في أوروبا، فتم تحديد مكانه.

أشهر وقائع التنصت:
وبقراءة عابرة في وقائع وقضايا سابقة جرت في مصر يتضح أن هناك نماذج لا حصر لها لحالات تجسس على هواتف شخصيات سياسية معارضة في مصر وغيرها من دول المنطقة، منها علي سبيل المثال ما حدث بعد الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 1979 حين فوجئ وقتها عدد من السياسيين بإلقاء القبض عليهم من بينهم نواب في البرلمان وعرفت العملية باسم "بلغاريا"، وأثارت ضجة كبرى وقتها وكان التلصص على الاتصالات الهاتفية حاضرا في العديد من القضايا التي طالت عدداً من الصحافيين والسياسيين، ومن بين أشهر هذه القضايا على سبيل المثال تلك التي اتهم فيها بالتخابر مع دول أجنبية، وتقاضي مبالغ مالية مقابل تسريب معلومات تضر بأمن البلاد، كل من: أحمد طه النائب البرلماني الشهير، ونبيل زكي رئيس تحرير صحيفة "الأهالي" السابق، والصحفية ليلى الجبالي، وكان دليل الاتهام بها تسجيلات هاتفية لهم، وانتهت القضية ببراءتهم جميعا بعد سنوات من تداولها أمام المحاكم المصرية.

وهناك أيضاً القضية التي أطلقت عليها السلطات المصرية عام 1981 اسماً كوديا هو "التفاحة"، والتي قالت إنها كانت إحدى الأزمات الخطيرة التي تعرض فيها عدد من اليساريين وغالبيتهم من أعضاء حزب "التجمع الوطني" للتعذيب، بعد أن ألقى نظام السادات القبض على مجموعة كبيرة من السياسيين والصحافيين واتهم بعضهم بالتخابر لحساب الاتحاد السوفياتي السابق، وكان المتهم الرئيس في تلك القضية "محمد عبد السلام الزيات" الذي عينه السادات نائبا لرئيس الوزراء عقب أحداث مايو عام 1971، وأقاله بسبب خلافاته الحادة معه، وكون بعد ذلك جمعية مازالت قائمة حتى اليوم، وتحمل اسم "جمعية الصداقة المصريةـ السوفياتية"، وإن تغير اسمها بالطبع بعد تفكك الاتحاد السوفياتي.

وهناك أيضاً قضية شهيرة تمكنت خلالها أجهزة الأمن المصرية من تسجيل اجتماع مجلس شورى جماعة "الإخوان المسلمين" الذي عقد بمقر الجماعة بمنطقة التوفيقية بالقاهرة، لانتخاب مجلس الإرشاد عام 1994، وجرى تسجيل هذا الاجتماع كاملا بالصوت والصورة، وإثر ذلك ألقت أجهزة الأمن القبض على 82 عضوا من الجماعة وتم التحقيق معهم، وكانت التسجيلات في صدارة الأدلة التي قدمتها الشرطة إلى النيابة العامة والمحكمة في تلك القضية.

كما تشير المعلومات القضائية في مصر أيضا إلى قضية أخرى تتعلق بمراقبة أنشطة "الإخوان المسلمين"، والتي اشتهرت باسم "قضية سلسبيل"، حيث ألقي على إثرها القبض على عدد كبير من أفراد الجماعة، بتهمة حيازة أوراق خاصة بالتنظيم والدعوة، وكانت التسجيلات أبرز الأدلة في تلك القضية.

الدكتور عمرو بدوى الرئيس التنفيذى للجهاز القومى لتنظيم الاتصالات فقد أوضح تلك الاجهزة يتم كشفها فور ظهورها، وان الجهاز يقوم حاليا بالاعداد لحملات موسعة لضبط كل من يقوم ببيع تلك الأجهزة ومصادرتها، مشيرا الي ان الإعداد لحملات ضبط يستلزم إجراء تحريات دقيقة، في ظل صعوبة تفتيش كل محال بيع أجهزة الموبايل لكثرة عددها.

وحول إمكانية إيقاف عمل تلك الأجهزة بواسطة الرقم المسلسل الخاص بها، مثلما حدث مع الموبايل الصينى، قال بدوى إن المرحلة الحالية لقطع الخدمة عن الموبايل الصينى لن تساعد فى إيقاف عمل أجهزة التنصت التى تعمل بخط الموبايل، فمستخدم الموبايل الصينى لا يستطيع إجراء مكالمات من الجهاز غير المرخص، لكن يمكنه استقبال مكالمات دون مشاكل، مبينا انه سيتم اصدار قرار للبدء فى تنفيذ المرحلة الثانية لقطع الإرسال والاستقبال عن أى جهاز لا يحمل رقماً مسلسلاً مرخصاً به فى أسرع، مع وضع أجهزة التنصت عن طريق خطوط الموبايل فى الاعتبار، خاصة وإن صغر حجم هذه الأجهزة ساعد على وضعها وسط محتويات الحقائب أو داخل صناديق الحاويات.

المهندس محمد فهمي طلبة نقيب العلميين وعميد كلية الحاسبات والمعلومات بجامعة عين شمس قال إن الفترة الأخيرة شهدت زيادة فى معدلات التهريب لجميع أنواع الأجهزة الإلكترونية من دول جنوب شرق آسيا، وتحديدا الصين وهونج كونج، مؤكدا علي أن نسبة الأجهزة المهربة فى السوق المحلية لا يمكن تحديدها لدخولها الأسواق دون أوراق أو مستندات إثبات.

وقال طلبة إن هناك تزايدا فى بيع الأجهزة المحظورة التى يتم تداولها بالأسواق حاليا على مرأى ومسمع من الجميع مثل ساعات يد للتصوير الدقيق وجهاز لاسلكى على شكل ساعة يد مداه يتراوح بين 3 و5 كيلومترات وسعره يتراوح بين 750 و1200 جنيه وأجهزة مراقبة دقيقة وشرائح تنصت تتراوح أسعارها بين 200 و300 جنيه وصواعق كهربائية محظور استعمالها.

فيما يري المهندس أحمد العطيفي خبير الاتصالات بوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أن نسبة كبيرة من أجهزة "الموبايلات" المطروحة فى السوق المحلية دخلت عن طريق التهريب، إضافة للأجهزة التى تفرض عليها الدولة قيودا أمنية ومن بينها أجهزة "GPS" وأجهزة تلتقط إشارات على بعد مسافات طويلة، موضحا أن الاجهزة المسئولة تنبهت في الفترة الاخيرة لهذه الظاهرة وعقدت اجتماعات بحضور مسئولين من جهات أمنية وسيادية لبحث آلية لمنع تهريب هذه الأجهزة ولكن للظروف الامنية التي تعيشها البلاد منذ عدة اشهر لم يتم اي شيء علي ارض الواقع، مطالبا بوضع مواصفات ومعايير لاستيراد الأجهزة الإلكترونية لتحجيم عمليات التهريب، مشيراً إلى أن منع التهريب يعد أمراً مستحيلاً وأن تقليل التهريب هو الأقرب إلى الواقع.

وقال إيهاب سعيد رئيس شعبة الاتصالات بغرفة تجارة القاهرة، ان التهريب اصبح الباب الخلفي لعالم دخول كميات كبيرة من الأجهزة الإلكترونية للأسواق، لافتا إلى أن الانفلات الامني الذي تعيشة مصر منذ اندلاع ثورة 30 يونيو والانشغال الامني بالشان الداخلي مع تراخى القبضة الأمنية أسهم فى زيادة معدلات التهريب، لافتا إلى أن هناك أجهزة غريبة تدخل البلاد تحت اسم "لعب أطفال" وعن طريق المنافذ الجمركية التى تفتقد الأجهزة اللازمة للكشف عن تلك الواردات.

شارع التجسس

إذا كنت تبحث عن ادوات واجهزة مراقبة وتنصت لتصبح جاسوسا تحت الطلب عليك ان تتجه الي "شارع التجسس" أو شارع عبد العزيز سابقا هناك ستجد ما تبحث عنه ومن كل شكل ولون.

"شارع التجسس" كما يحلو للبعض ان يطلق علية أصبح هو المنفز الوحيد لتلك التجارة التي اصبحت رائجة عقب ثورة 25 يناير، فتحول الشارع الي معرض مفتوح لكل انواع الات التجسس والتنصت.

فحينما تتجول فى شارع العزيز سيلفت انتباهك عبارة "أقلام عادية" علي واجهة أحد المحلات، ولكنها فى حقيقة الامر هي مجرد شفرة لعبارة اخر غير صريحة وهي "كاميرا للمراقبة" تم تهريبها من الصين او من اسرائيل تصل مساحتها من 2 جيجا الى 4 جيجا، ويتراوح سعرة ما بين 50 الى 150 جنية ويزيد الاقبال على شراء هذة الاقلام من فئة الشباب.

وطبقا لعدد كبير من اصحاب المحال فان مجموعة "أزرار القمصان والبدل" التي تبيعها المحلات الموجودة في الشوارع الجانبية والازقة تاتي بالطلب وهي في العادة عبارة عن ازرار تسجيل وكاميرات تصور جميع الاشياء التى امام الشخص المرتدى لها، وهذه النوعية ييطلبها كما يؤكد اصحاب المحلات رجال الاعمال والتجار.

والغريب فى الامر ان قسم الموسكى لا يبعد سوى امتارا قليلة عن شارع التجسس او شارع عبد العزيز، وبالرغم من ذلك يتم بيع هذة الادوات والتى يجرم القانون بيعها وتداولها، والاكثر من ذلك عدد من المحلات يبيع أجهزة لاسلكى يصل مداها لاكثر من 25 كيلو متر، اى انة جهاز في غاية الخطورة علي الامن القومي، وتصنع جاسوسا تحت الطلب.

المفاجاة الاكثر خطورة ان معظم الادوات المعروضه من اقلام وكاميرات وساعات وزراير تصوير المورد الرئيسي لها الكيان الاسرائيلي، فاكثر من نصف المحالات تبيع أكثر من 85 % من هذة الادوات المهربة تكون مصدرها الرئيسي اسرائيل عن طريق الحدود الشرقية ويتم شرائها من الوسيط المصرى وغالبا ما يكون من ابناء سيناء وبارخص الاسعار وتكون فى السر مثلها مثل تجارة المخدرات والسلاح.

قائمة الاسعار التي تعرضها اغلب المحلات يمكن ان تصبح في متناول يد البسطاء من الشعب المصري، فسعر القلم المزود بكاميرا يصل الي 300 جنية فقط رغم ان المحل قام باستيرادة بحوالي 40 جنية، وسعر النظارة يصل الي 500 جنية، وسعر ساعة اليد يصل الي 600 جنيه، واغلبها صنع في الصين، وهناك أنواعا اخري من الأجهزة الدقيقة يسعي المستوردون لادخالها إلي السوق المصرية وهي أكثر دقة وتستطيع اختراق الجدران والحوائط السميكة والحديدية ومزودة بالاشعة تحت الحمراء ويمكن زرعها داخل اللمبات أو رقيقة الحاسب الآلي ومحفظة الجيب، خاصة وان تلك الأجهزة تستطيع القراءة في الظلام علي بعد‏150‏ مترا ويمكن غرسها في كتاب أو في برواز صورة أو داخل حجرات النوم أو في كعب الحذاء أو داخل علبة السجائر‏، بل ان بعض التجار اكد علي ان ان الفترة القادمة ستشهد استيراد جهاز صغير يتنصت علي مكالمات التليفون أو جهاز يركب في لوحة مفاتيح الحاسب الآلي يسجل الأصوات اثناء الكتابة علي لوحة المفاتيح للتعرف علي ما يكتبه المستخدم.

وبعد ثورة 25 يناير استطاعت الجهات الامنية من ضبط عدد كبير من أجهزة التجسس الدولية، والعشرات من أجهزة اللاسلكي والتشويش محظورة تستخدم فى عمليات التجسس والتشويش على الأجهزة الأمنية، خاصة وأن تلك الأجهزة ثبت دورها فى إثارة الفوضى والعمل على تحقيق عدم الاستقرار بالبلاد أنه فى الفترة ما بعد ثورة 25 يناير، واغلب ما تم ضبطة كان يتصل بشكل مباشر بالأقمار الصناعية، حيث تم ضبط 20 ألف كارت ذاكرة للتليفون المحمول و340 جهاز تنصت، و99 كاميرا على شكل مفاتيح سيارة، و150 ساعة يد مشكلة تستخدم فى مثل هذه العمليات، بجانب عدد 14 كاميرا مراقبة مركزية، و4 أجهزة كاميرات تسجيل بالفيديو، وضبط 160كاميرا مراقبة ديجيتال للمراقبة لاسلكيا، كما تم ضبط عدد كبير من أجهزة تجسس محظور على أشكال قلم، ساعة، نظارة، ساعة بالموبايل مزودين جميعا بالشاحن ووصلات لاستخدامها.

أشهر أجهزة كشف التنصت:

لكل تكنولوجيا تكنولوجيا مضادة، وكما يبيع شارع عبد العزيز اجهزة التنصت والمراقبة والتجسس، توجد ايضا اجهزة كشف التنصت، أهمها علي الاطلاق كاشف أجهزة التجسس السلكية واللاسلكية الكفي بالليزر، ويعتبر هذا الجهاز من اكفأ اجهزة مكافحة التنصت حيث يكتشف اشارات الراديو وعدسات كاميرات التجسس السلكية واللاسلكية وتحديد مواقعها بتقنية المسح الليزرى للمكان "Laser Scanner"، ويتميز بكشف جميع انواع الكاميرات والاشارات السلكية واللاسلكية، بالاضافة الي قدرته علي كشف اجهزة الواى فاى "WiFi" بمختلف انواعها وباختلاف الترددات العاملة عليها حيث يمكنها كشف الموجات من 1 ميجا هيرتز وحتى 6500 ميجا هيرتز، والمسح الليزرى ذاتى الوميض للكاميرات السلكية واللاسلكية عن بعد عن طريق عدسة اشعة تحت حمراء موجودة بالجهاز.

كما ان جهاز كشف كاميرات التجسس السلكية واللاسلكية الذي يعمل على كشف كاميرات التجسس المتناهية فى الصغر، فكل ما عليك فعله هو توجيه الجهاز فى جميع ارجاء المكان المتواجد به حيث يتمكن الجهاز من كشف اضعف الاشارات اللاسلكية الصادرة من كاميرات التجسس وتحديد مكان تواجدها، ويأتي دور هذا الجهاز الصغير الحجم في مساعدتك فى الكشف عن وجود أي من تلك الأجهزة كاميرات كانت او اجهزة تنصت سمعية، وذلك بمجرد تمريره بالقرب من الجدران أوالسقف أو المكان الذي تشك فيه، وعندما يكتشف الجهاز وجود أي إشارة سيصدر تنبيها بذلك، يستطيع الجهاز كشف الترددات بين 50 ميجاهرتز وجيجا هيرتز، ويقوم بكشف كاميرات المراقبة واجهزة المحمول واجهزة التنصت اللاسلكية، حيث يحتوى على 4 لمبات للدلالة على قوة الاشارة او القرب من جهاز التجسس.

رجال الأمن:

رغم حالة الفوضي التي تعانيها الاسواق ببيع الكثير من اجهزة التجسس والمراقبة والتنصت الا ان قانون العقوبات المصري نص فى مادته 309 عام 1972 بمعاقبة كل من يقوم بتسجيل أو نقل أسرار وخصوصيات الأفراد واقتحام حياتهم الشخصية خلسة بالسجن مدة لا تزيد عن عام، ولكن مع تطوير الأجهزة التكنولوجية المعنية بالتنصت والمراقبة، أصبحت العقوبة من وجهة نظر رجال القانون لا تكفى، وهذا ما دفع أحدهم لتقديم مشروع قانون فى 2010 بعقوبة من تثبت إدانته فى استيراد أو ترويج أو استخدام تلك الأجهزة المهربة من الخارج بالحبس سنتين، ومصادرة الأجهزة التى يتم ضبطها وتجريم استخدامها ومعاقبة مستخدميها وبائعيها.

وكان المقدم الدكتور محمد خليل الدعدع قد تقدم بطلب إحاطة أثناء مناقشه لجنة الدفاع والأمن القومي برئاسة مهندس فتحي قزمان على خلفية إعلان نشرته الصحف المصرية عن أجهزة صهيونيه الصنع تحتل السوق المصري يمكنها التنصت علي المكالمات التليفونية وتقوم بعمليات تجسس حول ما يدور داخل الوزارات والأماكن الاستراتيجية في اختراق واضح للأمن القومي.

وأكد الدكتور محمد الدعدع خطورة هذا الجهاز الذي تم الإعلان عنه مشيرا إلي خطورة استخدامه في التجسس حيث يمكن متابعة المحادثات التليفونية من خارج البلاد، وخلال طلب الإحاطة تساءل عن أذا كانت هذه الأجهزة محلية الصنع أم مستوردة؟ وما هي الإجراءات المستقبلية لحماية المواطنين خاصة أن هناك أجهزة أخري على غرار "كاميرات صغيرة وأجهزة موبايل تستخدم في التنصت".

ورغم كل ذلك تعاني الاجهزة الامنية والقانونية أمام تلك المافيا التي سيطرت علي المجتمع المصري، فقد أكد اللواء أحمد عبد الرحمن مدير مباحث امن الدولة الاسبق علي ان تلك الاجهزة دخلت بالفعل الاراضي المصرية، وكان يجب ان يكون هناك رقابة مشدده علي المواني البحرية والبرية لمنع دخولها لخطورتها علي الامن القومي والسلم العام الداخلي، مشيرا الي ان استخدام الاجهزة الامنية لها بدون اذن او قرار من القضاء يعد جريمة يعاقب عليها القانون فما بال وان من يستخدمها ليس زي صفة امنية او قانونية.

اما عن الاجراءات التي يجب ان تتخذ للسيطرة علي خطورتها بفرض طوق امني علي جميع المنافذ المصرية وهذا ما يمكن تسميتة بالاجراء الوقائي بالسيطرة علي الجمارك، مبينا ان اغلب تلك الاجهزة صغيرة وبعضها دقيق جدا، لذلك يلجأ المهربين الي ادخالها وسط قطع الغيار الالكترونية واجهزة الاتصالات المعروفة، مطالبا في الوقت نفسه بسرعة عمل حملات تفتيشية علي جميع المحلات التي تبيع الاجهزة الالكترونية وضبط وتجريم كل من يبيعها او يستخدمها.

أما المحامى والقانونى مختار نوح فقد أكد علي ان أجهزة التنصت منتشره في مصر بشكل كبير ومفزع، وان إتاحة مثل هذه الأجهزة لدى الشخص العادى تمثل خطورة على أمن البلاد وأمن الافراد، مطالبا بسرعة مصادرته تلك الاجهزة ومعاقبة بائعيها ومالكيها، لأن قانون العقوبات لا يجيز التنصت على الأشخاص إلا بأذن من النائب العام أو قاضى التحقيق، مبينا في الوقت نفسه ان الظروف الغير طبيعية لمصر وهي تعيش فترة انتقالية لمرة الثانية في اقل من 3 سنوات جعلت من سوق السلاح والاجهزة المشبوهة السوداء بيئة رائجة للانتشار والعمل.

المهندس علاء فهمي رئيس الجهاز القومي للاتصالات أكد أن الوزارة بها جهاز يرصد السوق، وان اغلب الاجهزة الخاصة بالتنصت والمراقبة ذات تكنولوجيا سهلة ويمكن استخدامها بسهولة، ولكنه ممنوع بموجب القانون 10 لسنة 2003 والخاص بالاتصالات والمادة 309 من قانون العقوبات.