رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القوات المسلحة تدمر 1850 نفقا في سيناء. وأمراء الأنفاق يهربون بضائع تكلفتها 166 مليار دولار في 3 سنوات.

"الدستور" تكشف أنفاق تجارة الموت العابرة للحدود من "كوشي" إلى "ماجينو" حتى غزة

جريدة الدستور

"حرب الأنفاق".. هذا المصطلح الذي استخدمه الكثير من الخبراء العسكريين في وصف الحرب الطاحنة التي يقودها الجيش المصري في الشريط الحدودي مع قطاع غزة فيما يعرف بعملية "صيد الفئران" التي انطلقت عقب مذبحة "القواديس" التي أودت بحياة 30 من شباب الجنود المصريين المرابضين على الحدود.

والحقيقة أن مصطلح "حرب الأنفاق" لا تعني باي حال من الأحوال أن الجيش المصري في حرب مباشرة مع الشعب الفلسطيني، بقدر ما أنه يواجه فقط الجماعات الإرهابية المسلحة، ففى زمن الحصار تعاطف المصريون مع أهالى غزة وغضوا الطرف عن شق أنفاق بين غزة ومصر، وظلت سنوات طويلة تزود القطاع بمواد غذائية، ثم تحولت إلى شرايين لنقل السلاح والمخدرات والمواد التموينية بعد سيطرة حركة حماس على غزة.

وللعلم فقد شق الغزاويون والمصريون 450 نفقًا رئيسا و750 نفقًا فرعيا بإجمالي 1200 ثم ارتفع هذا الرقم إلى 1600 نفق بعد ثورة 25 يناير، حتى وصل اليوم إلى رقم يقدره البعض بحوالي 3 آلاف نفق، تم تدمير ما يقرب من 1850 نفقا حتى الآن.


السؤال الذي طرحه الكثير من الخبراء العسكريين قبل أن يصفوا ما يحدث في سيناء بحرب الأنفاق، هل بالفعل هناك حرب شعواء يقودها البعض ضد الجيش المصري، ولماذا هذا الكم الهائل من الأنفاق، ولماذا يستغلها البعض في جهاده ضد الجيش المصري الذي طالما ضحى بالدم من أجل القضية المصرية، ولماذا لم توجه تلك الأنفاق وبنفس الكثافة إلى المحتل لمواجهة آلياته العسكرية التي تقتحم الأقصي كل يوم.

والحقيقة أن حرب الأنفاق والممرات الأرضية استخدمتها قوى المقاومة في كثير من المناطق بعد استعصاء التقدم على الجبهات، نتيجة للقوة النارية الكبيرة التي يستخدمها الخصم في كبح أية محاولة تقدم فوق الأرض أو لتحقيق ضربات قوية ومباغتة.

التجربة الفيتنامية

وقد استلهم الفلسطينيون فكرة الأنفاق من الشعب الفيتنامي وأنفاق "كوشي" تلك الأنفاق التي أصبحت علامة للنضال الشعبي من خلال الانفاق واستفاد منها الكثير من دول العالم، وتمثل حرب الأنفاق الفيتنامية، التي كانت ضمن شبكة معقدة من الأنفاق السرية، تجانساً بين المقاتل الفيتنامي والتضاريس، إذ سخرها لمواجهة الجنود والأسلحة والآليات، والاحتماء من الغازات والقنابل الدخانية.

فأثناء ستينيات القرن الماضي، فوجئت القوات الأمريكية بظاهرة غريبة، وهي أن مقاتلي جبهة التحرير، الفيت كونج، كانوا يختفون فجأة في وسط الغابات، ولا يوجد أي أثر لهم على الإطلاق بعد ذلك، وكأنهم اختفوا من الوجود تماما، وقد عجزت القوات الأمريكية عجزا مطلقا عن أن تكشف سر هذا الاختفاء الغريب، واحتاجوا إلى فترة طويلة جدا، إلى سنوات في الحقيقة، كي يكتشفوا أن المقاتلين كانوا يختبئون داخل شبكة معقدة من الأنفاق المحفورة تحت الأرض داخل الغابات.

شبكة الأنفاق امتدت لنحو 200 كيلومتر تحت الأرض، وهي مقسمة إلى ثلاثة مستويات، بحيث تضم ملاجئ للإيواء والإعاشة، وللتخطيط لعمليات المقاومة وإعداد الأسلحة، وكانت تستخدم كطرق إمداد واتصالات، وكمستشفيات ومستودعات للأسلحة، وكان الآلاف من مقاتلي الفيت كونج والقرويين يعيشون داخل هذه الأنفاق أحيانا لمدد طويلة قد تمتد لشهر أو أكثر دون أن يخرجوا إلى سطح الأرض، حتى أنه في وقت من الأوقات كانت هذه الأنفاق تأوي نحو 16 ألفا من المقاتلين ومن القرويين في المنطقة.

أنفاق غزة

السؤال الذي يطرح نفسه الآن، فإذا كانت أنفاق "كوشي" لمقاومة الاحتلال، فأي هدف أنشئت من أجله أنفاق غزة في سيناء، هل يمثل لها الشعب المصري وجيشه عدوا وجب قتاله، فقبل عام 2000 "اتسم عمل الأنفاق في عمليات تهريب المخدرات والذهب، أي الممنوعات التي تدر أرباحاً هائلة، ونادراً ما كان يهرب السلاح للمقاومة، ومع بداية انتفاضة الأقصى في سبتمبر من العام 2000 بدأت الأنفاق تأخذ منحى آخر، وهو تهريب السلاح لفصائل المقاومة، وازداد عددها وتوسع نشاطها.

واليوم تحولت أنفاق غزة إلى صناعة كبرى، بعد أن اتخذت بعض العوائل عملية الحفر كمهنة تقوم بها لحساب أشخاص يتولون توفير المكان مقابل مبالغ مالية تصل إلى مئات الآلاف من الدولارات، فقد قدر الخبراء حجم تجارة الأنفاق بنحو 10 مليارات دولار سنويا تشمل تهريب جميع أنواع البضائع والسلع ويأتي في مقدمتها المنتجات الغذائية والأسلحة.

وتقدر حجم التجارة المهربة عبر هذه الأنفاق خلال الأعوام الثلاثة الماضية بنحو 166 مليار جنيه طبقا لتقارير معهد الدراسات العامة في رام الله، تشمل تجارة المواد الغذائية ومواد البناء والوقود، وتجارة السيارات وحتى أنابيب البوتاجاز والسولار والكيروسين والأدوية ويعمل بتجارة الأنفاق أكثر من 12 آلاف فلسطيني بشكلٍ مباشر وغير مباشر وتعتبر أنفاق غزة هي البوابة الشرعية لتجارة المخدرات الإسرائيلية والفلسطينية وتجارة السلاح وتهريب جميع المنتجات الإسرائيلية إلى إفريقيا بطريقة غير شرعية.

أمراء الأنفاق

تلك الحالة الاقتصادية الضخمة التي أوجدتها تجارة الأنفاق أوجدت ما يسمى بـ"أمراء الأنفاق" فرغم أن تلك الأنفاق ساهمت جزئيا في كسر محدود للحصار إلا أنها في الوقت نفسه جاءت بالمال الوفير للمهربين وأصحاب الأنفاق والتجار، وكذلك الجهات الحكومية التي تستقطع مبالغ من المهربين، مما أدى إلى حراك اجتماعي غير مسبوق.

وقد أصبحت تلك التجارة الرائجة حلم كل غزاوي، وجعلت كل من يمتلك حفنة من الدولارات يلهث وراء امتلاك نفق أو حتى مشاركة البعض في امتلاك نفق، حتى يصبح من أمراء الأنفاق، ورغم عدم وجود إحصائية دقيقة حول أعداد "أمراء الأنفاق" إلا أن الأرقام تتحدث عن حوالي الألف، موزعين بين أصحاب حصريين وشركاء مجتمعين للنفق الواحد، ومنهم من يفضل العمل دون الإفصاح عن طبيعة عمله.

ويعمل لدى "أمراء الأنفاق" عمال غالبيتهم من الأطفال والشباب لحفر الأنفاق مستخدمين مجموعة من الأدوات، منها الحفارات الآلية الصغيرة أو "المقادح" وأدوات بدائية مثل الأوعية البلاستيكية الكبيرة أو "الجالونات" لنقل الطين والرمال خارج الأنفاق، التي يتراوح طول أقصرها ما بين 250 إلى 300 متر وأطولها إلى 1500 متر تمتد عبر الحدود بين مدينة رفح والأراضي المصرية.

وهنالك بعض الأنفاق التي يضطر حافروها للحفر بشكل أعمق بسبب طبيعة الرمال، حتى يصلوا إلى التربة الطينية أو الصخور، ويترواح عمق الأنفاق ما بين 9 أمتار إلى 23 مترا، ويتحدد عمق النفق وعرضه وفقاً للسلعة المهربة، فأنفاق تهريب السيارات يصل عمقها إلى 15 مترا ويتم حفرها بشكل مائل باتجاه قطاع غزة، لتسهيل حركة عجلات السيارات.

وتقدر أجور الحفارين وفقاً لطبيعة الحفر ومتطلباته، فإذا قاموا بحفر نفق وثبتوا الأخشاب فيه، يتقاضون عن كل متر مبلغا يصل إلى 170 دولاراً أمريكياً مقسما على أربعة أو خمسة عمال يعملون بنظام "الوردية"، وتصل كلفة حفر النفق الواحد إلى ما يقرب من 100 ألف دولار على الأقل، وتفتقر عمليات حفر الأنفاق إلى أبسط شروط السلامة، فالنفق معرض للانهيار في أية لحظة بسبب طبيعة التربة وعدم تثبيتها من الداخل بأدوات تؤمن عدم انهيارها.

ضحايا الأنفاق

ورغم أن تلك الأنفاق مصممة بطريقة احترافية رغم بساطتها إلا أنها كانت سببا في سقوط العديد من الضحايا، فالرغبة في الثراء السريع جعلت أمراء الأنفاق لا يوفرون حتى أبسط عوامل الأمان لحافري الأنفاق، فوقعت الكثير من المآسي تمثلت بزيادة أعداد القتلى والجرحى من العاملين في الأنفاق بسبب إهمال مشغليهم وعدم توفر معايير السلامة، حيث وصل متوسط عدد الضحايا بين قتلى وجرحى من خمسة إلى ستة أشخاص شهريا بحسب منظمات حقوق الإنسان العاملة في قطاع غزة.

كما أن الإحصاءات الخاصة بمركز الميزان لحقوق الإنسان في غزة، والتي يقوم الباحثون الميدانيون فيه بجمعها ميدانيا، تشير إلى أن أعداد ضحايا الأنفاق قد وصلت منذ العام 2006 حتى عام 2010 إلى 183 قتيلا في خمس سنوات، من بينهم 6 أطفال 692 جريحا، من بينهم 17 طفلاً، نتيجة عدم توافر شروط السلامة في الأنفاق.

من التهريب إلى الإرهاب

الزيادة الهائلة في أعداد الأنفاق جعلت غايتها تتغير، فعلى الرغم من أنها اتخذت مشروعيتها من الحصار، إلا أنها تحولت إلى تجارة غير مشروعة، وغدت عملية التهريب تختلط فيها الدوافع بالأسباب، بعد أن تم تشريع عملها، وتختلط الدوافع والأسباب لدى العاملين بصورة مليئة بالتناقض والمفارقات، بدءاً من أسباب البطالة والفقر والحاجة، وصولاً إلى جشع التجار والعصابات عبر تهريب كل أنواع السموم والمخدرات، مرورا بالسلاح والمتفجرات.

فالأنفاق كما قلنا أصبحت مؤسسات تجارية تشبه الشركات الاستثمارية التي تتعامل بنظام الأسهم والحصص، فيوجد بالنفق أكثر من شريك وتدار عبر الأسهم، حيث يحدد سعر السهم وعدد الشركاء ونظام توزيع الأرباح على المساهمين، ولا يختلف نظام المساهمة والشراكة في الأنفاق عن أي نظام آخر، فمن يدفع عشرة آلاف دولار على سبيل المثال في كلفة حفر النفق يكون شريكا في حصة، ومن يدفع الضعف يكون شريكا في حصتين، كما أن "الأمين المصري" والذي تتمثل مهمته في جلب البضائع إلى النفق في الجانب المصري منه، وإنزالها وحراسته دون أن يكون قد دفع في تكاليف حفر النفق أي شئ، فيحصل على نسبة 50% من عائدات النفق الإجمالية.

أنفاق غزة .. وخط "ماجينو"

هل صحيح أن الأنفاق تشكل استراتيجية ناجعة لمواجهة العدو؟ أي عدو، الجيش المصري، الشعب المصري، الذي ضحي بالغالي والنفيس من أجل القضية الفلسطينية، ومن هو الطرف الذي يلجأ إلى هذه الاستراتيجية؟ ولماذا نجحت في مصر وفشلت في إسرائيل؟ هذا ما حاول الكاتب الفرنسي "مايكل بيك" أن يجيب عنه في مقاله: "خط ماجينو الجوفي؟ أنفاق غزة ليست مستقبل الحرب"، والذي نشرته مجلة "The national interest" وقام بمقارنة بين حرب الأنفاق والخط الذي اقترحه وزير الحرب الفرنسي أندريه ماجينو كنموذج للتحصينات الدفاعية الثابتة في فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية، بالرغم من فشله في ردع الألمان من احتلال فرنسا إذ قامت بالالتفاف على "خط ماجينو" عبر هولندا وبلجيكا لتصل إلى باريس.

وقد أكد "مايكل بيك" أن "حماس" أخذت "خدعة الأنفاق" من حزب الله، الذي وسع من نطاق شبكته في جنوب لبنان، فأحبط من خلالها المدرعات الإسرائيلية وجنود المشاة في حرب العام 2006، كما أن حزب الله تعلم بدوره من إيران، التي تسللت قواتها تحت الأرض خلال حرب الخنادق مع العراق في الثمانينات من القرن الماضي، لافتاً النظر أيضاً إلى أن عملية حفر الأنفاق أصبحت تشكل دائرة كاملة، إذ أن حزب الله وإيران يقاتلون المتمردين السوريين الذين هم بدورهم ينكبون على حفر أنفاقهم الخاصة.

فقتال الأنفاق في رأي بيك هو من "الطرق التي تسمح للقوى الضعيفة أن تحرج الأقوى، أنها استراتيجية الجيش الضعيف"، ولكنها ضلت الطريق إلى مصر، باعتبارها ليست دولة عدوة، ولكنها تستغل اليوم من قبل الجماعات الإرهابية المسلحة التي رفعت شعار العدو القريب والجهاد ضد جنود الجيش المصري.

الأنفاق السرية:

كان للأنفاق السرية دورا فعالا في الحروب والنضال ضد المستعمر خلال القرن الماضي، وعلى الأخص خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، كان أقدم تلك الأنفاق السرية في مدينة "لابرادور" السنغافورية، والتي تم بناؤها في عام 1886 والذي يحتوي على عشرات الغرف السرية، واستخدمها جيوش الحلفاء في حربهم مع اليابان في الحرب العالمية الثانية.

وجاء ثاني أقدم الأنفاق السرية الحربية حقول الفلاندرز البلجيكية والتي يعود تاريخ إنشاؤها إلى 90 عاما مضت، وتحديدا في عام 1924، أي بعد الحرب العالمية الثانية، فقد كانت فرنسا وإنجلترا تخشى من نشوب حرب عالمية جديدة فأرادوا إنشاء أنفاق سرية يمكن استخدامها وقت الحرب لخط دفاع أول.

ثالث تلك الأنفاق "الأنفاق السرية لمدينة لندن" والتي تم إنشاؤها في عام 1942، والتي حفرت تحت الأرض لتأمين الملاجئ وتخزين الأسلحة وحماية خطوط الاتصالات، واستخدمتها الاستخبارات العسكرية وكانت حلقة الوصل لـ"خط الهاتف الساخن" بين واشنطن وموسكو إبان فترة "الحرب الباردة"، وعندما وضعت الحرب أوزارها تحوّل استخدام الأنفاق إلى "مكتب السجلات العامة" لتخزين الوثائق التاريخية، ثم آلت مسئوليتها إلى مكتب البريد باعتباره الأكثر أمانا للمكالمات الهاتفية.

كان للأنفاق الباريسية التي تحولت بعضها لخطوط مترو الأنفاق دور بارز في الحرب العالمية الثانية، فقد استغلها الباريسيون في مقاومتهم لجيش الاحتلال الألماني خلال الفترة من 1940 حتى عام 1945.

وفي الاتحاد السوفيتي انتشرت شائعات المنطقة "دي-6" التي كان يعتقد أنه يمثل شبكة أنفاق شرية تربط الكرملين مع الملاجئ الحكومية المخفية في أعماق الأرض لحماية النخب السياسية والقيادة العسكرية في حال نشوب حرب نووية.

وفي عام 1991 نشرت مجلة تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية خريطة لخطوط ثلاثة لموقع أطلق عليه اسم "دي-6"، كلها كانت تنطلق من الكرملين على عمق يتراوح بين 200-300 متر، الخط الأول كان يصل مع ملاجئ هيئة الأركان العامة والحكومة وهي تقع على بعد 60 كم إلى الجنوب من موسكو، والخط الثاني يصل مع قيادة الدفاع الجوي المركزي والذي يقع على بعد 25 كم شرق العاصمة، أما الخط الثالث فهو يصل مع مطار فنوكوفو-2 الذي يقع جنوب غرب المدينة.

والحقيقة أن الأنفاق السرية التي تستخدم كمواصلات خاصة في موسكو لم تكن أمراً فريداً من نوعه، فهناك مترو حكومي في العاصمة الأمريكية واشنطن، ثلاثة من خطوطه تربط بعض المباني الإدارية. وهذا الأمر ليس سراً على أحد ويمكن للزوار أن يتجولوا بصحبة حراس الأمن. ولكن إذا تحدثنا عن كوريا الشمالية فإن مسألة الأنفاق الحكومية هناك تحمل طابع سري للغاية، كشف عنها أحد الهاربين من كوريا الشمالية والذي تحدث للصحفيين عن وجود شبكة من الأنفاق على عمق 300 م تحت العاصمة بيونغ يانغ المؤدية إلى مناطق مختلفة من البلاد والمخصصة لإخلاء المسؤولين في حالات الطوارئ، وبطبيعة الحال لا يمكن لأحد التحقق من صحة هذه المعلومات.

12 خطوة لإنشاء الأنفاق

رغم أن عملية بناء الأنفاق ليست بالسهولة التي يتصورها البعض، إلا أن الاحترافية التي تم الحفر بها تؤكد أن عمليات حفر الأنفاق تتم وفق دراسة وخطط وضعها خبراء متمرسين، وقد أكد الخبراء العسكريين أن تلك الأفاق لم تخرج إلى النور هكذا فجأة، ولكن حفاري الأنفاق يلجأون إلى 12 خطوة عملية لحفر النفق.

أول تلك الخطوات، البحث عن منزل قريب من منطقة الحدود المصرية من الجانب الفلسطيني، ثم يتم قياس المسافة من الجانب الفلسطيني من المنزل الذي سيقام فيه النفق إلى الحدود، أي ما يقارب 70 مترا من الحدود، ثم يتم إحضار بوصلة لقياس معيار النفق والحفر، ويسيروا على اتجاهها في بناء النفق، وبعد ذلك يبدأ حفارو الأنفاق في عملية الحفر، فيتم النزول أرضاً ثلاثة عشر متراً كنظام حفر بئر، وبعد الوصول إلى ثلاثة عشر متراً يتم البدء بالحفر باتجاه الحدود المصرية.

وتكون المهمة الأولى للقطيع قص الرمال بالكمبريسة أو المقدح ويكون خلفه بعض الشباب لتعبئة الرمال بالبايلة أو ما يسمى البرميل المقصوص، ويقوم ببناء عدة غرف على جوانب النفق مقاسها ما يقارب 70 في 80س م، ويكون هناك ما يقارب من ثمانية غرف وفي كل غرفة عامل، يمكنهم التواصل فيما بينهم عبر الإنتركم أو المخشير.

وأثناء عملية التقطيع تتم عملية التخشيب خوفاً من تساقط الرمال على العاملين والقَطيع، ويكون في داخل الثمان غرف أربع محركات لسحب البايلات الممتلئة بالرمال، وبعد تعبئة البايلة وتسليمها يتصل العامل على الإنتركم ويطلب من العامل الآخر سحبها ويقوم بتسليمه بايلة أخرى فارغة لملئها بنفس الطريقة، وفي العادة يكون هناك بعض الأشخاص في الغرف لمساندة الآخرين في حالة قضاء حاجة أو تعب أحد الأشخاص لتبادل الأدوار.

وفي حال وصول البايلة إلى آخر النفق من الجهة الفلسطينية يتم تعبئة  الرمال من البايلة في جرادل فارغة ثم ينادي العامل في الأسفل للعامل في الأعلى ليقوم بسحبها عبر المناويلة، وفي حال وصولها لأعلى يتم تعبئتها بأكياس فارغة ويتم تصريفها بعيداً، وذلك في حال عدم وجود مكان لتصريف الرمال في منطقة قريبة، للابتعاد عن دائرة الشك من قبل السلطة والأجهزة الأمنية، وفي العادة كون أبعاد النفق 70 سم في 70 سم، ويكون حجم الغرفة أكبر قليلا.


المشاركة في الجريمة

تلك العوامل جعلت خبراء الشئون العسكرية والخبراء الاستراتيجيين يطالبون بسرعة تدمير المنازل التي تحتوي على أنفاق ومحاكمة أصحابها واعتبارهم مشاركين في الجرائم الإرهابية التي ترتكب ضد الجنود المصريين، مبينين أن منازل الشريط الحدودي بمدينة رفح المصرية تأوي 74 نفقا يصل إلى قطاع غزة، وأن أصحابها يؤجرون النفق الواحد بحوالي 120 ألف جنيه شهريا.

وأوضح الخبراء أن أنفاق سيناء التي لم تحدد أعدادها تتصل بـ11 نفقا ضخما في غزة يتكون من ثلاثة طوابق، وأن عملية القضاء على الأنفاق لن تنجح بدون القضاء على أنفاق غزة، مشيرين إلى أن تلك الأنفاق في سيناء وغزة تستخدم في خمس اأشكال من التهريب، مطالبين في الوقت نفسه أن تمتد المنطقة العازلة إلى 7 كيلو مترات.

في البداية أكد اللواء أركان حرب زكريا حسين، الرئيس السابق لأكاديمية ناصر العسكرية، أن الأنفاق التي يدمرها الجيش المصري في سيناء هي مجرد شبكة أخطبوطية ترتبط بـ11 نفقًا رئيسًا في أرض غزة، مبينًا أن خطة القضاء على أنفاق الإرهاب لن تنجح إلا بالقضاء على رأس الأخطبوط في أرض القطاع.

وأوضح اللواء حسين أن الأنفاق الرئيسة في غزة أنفاق ضخمة تتكون من ثلاثة طوابق، الأول يتسع للأفراد، والثاني يتسع للأشياء المتوسطة، والأخير للمعدات الثقيلة، مشيرا إلى أن القوات المصرية غير قادرة على الوصول لرأس الأخطبوط لأنها داخل حدود غزة، وأن المشكلة الحقيقية التي تواجه القوات المصرية هي أن تدمير الأذرع والفروع دون تدمير الأنفاق الأصلية يمكن الجانب الآخر من مد أفرع جديدة.

في حين يرى اللواء أحمد عبد الرحمن، رئيس جهاز أمن الدولة الأسبق، أن القوات المسلحة اكتشفت 74 نفقًا داخل منازل الشريط الحدودي تصل إلى قطاع غزة، مشيرا إلى أن تلك الأنفاق تؤكد اشتراك بعض الأفراد المأجورين والمهربين من أبناء رفح المصرية وجبت معاقبتهم وفقا للقانون كمشاركين في العمليات الإرهابية.

وأوضح اللواء عبد الرحمن أن الأجهزة الأمنية في مصر ممثلة في القوات المسلحة والشرطة لديهم الإمكانيات التي تؤهلهم للقضاء على تلك الأنفاق، مشيرا إلى أهمية استكمال عمليات التهجير ليس لـ500 متر فقط، ولكن لأكثر من 7 كيلو للقضاء على كل الأنفاق المحتمل تواجدها.

أما العميد حسين حمودة، المفكر الأمني، والخبير في مكافحة الإرهاب الدولي وإدارة الأزمات والرئيس الأسبق لقسم التحليل والتنبؤ بجهاز أمن الدولة فأكد أن الجماعات المسلحة تستغل أنفاق سيناء وغزة في خمس أشكال من التهريب، مشيرا إلى أن تجارة الرقيق الأبيض والسلاح والأعضاء البشرية والعمالة الأفريقية والسلاح أهم تلك الأشكال.

وأوضح العميد حمودة أن مصر كان لها دور في إنشاء بعض تلك الأنفاق لمساعدة السلطة الفلسطينية على فك الحصار الإسرائيلي، وأن السلطة أهملت في فرض الرقابة عليها، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن عدم تنمية سيناء وفرض الرقابة الأمنية عليها أدى إلى استفحال تجار الأنفاق.

اللواء أركان حرب صادق عبد الواحد عبد الواحد، المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية أكد أن القوات المسلحة تمكنت من تدمير 1850 نفقًا بالشريط الحدودي، لافتا إلى عدم وجود أي إحصاءات أو معلومات عن شبكة الأنفاق، ما جعلها شبكة عنكبوتية يصعب حصرها بسهولة.

وأوضح عبد الواحد أن القيادة المصرية كانت راضية عن الأنفاق، لأنها كانت الملجأ الوحيد لقطاع غزة بعد حصار الكيان الصهيوني لها، لكنها أصبحت مصدر خطر كبيرا على الأمن القومي، لذا بدأت مصر اتخاذ إجراءات للحد منها، وأضاف أن الأنفاق لا تحتاج إلى تكنولوجيا لحفرها، وإنما إلى أدوات حفر بدائية، "فالأنفاق منها البدائي المدعم بالخرسانة، وهى التي تُهرب منها الأسلحة والسيارات والمعدات"، لافتا إلى أن النفق الواحد يتكلف مليون جنيه.

وقال اللواء عبد الواحد إن القوات المسلحة لديها وسائل كثيرة لمواجهة الأنفاق، أولها إخلاء الشريط الحدودي، ليسهل السيطرة عليها وسد فتحاتها، ثم المراقبة المستمرة، على ألا نسمح بحفر الأنفاق مرة أخرى حتى إذا كان من أجل غزة، فقد ثبت لنا أنها خطر كبير، مشيرا إلى أن الخندق الذي تقيمه القوات المسلحة على الشريط الحدودي، يمكنه منع خطر الأنفاق البدائية الصغيرة، وليس الكبيرة، لأنهن يمكن الوصول إلى عمق ثلاثين مترا، لتكلفتها الباهظة والتكنولوجيا المستخدمة فيها غير متوفرة.

في حين قال اللواء حمدي بخيت الخبير العسكري إن الأنفاق استفحلت بسبب الإرادة السياسية العاجزة لحسني مبارك، مبينا أن تلك الأنفاق استخدمت في بادئ الأمر لنقل البذور ثم تحولت لتهريب الذخائر والسلاح ثم وصل الأمر لتهريب المخدرات، ومع وصول حركة حماس للسلطة عام 2006 بدأت قدرة حسني مبارك تتضاءل، وإرادته السياسية تتجمد، فإسرائيل كانت ترغب أن يكون هناك مشاكل دائمة بين مصر وغزة، فكانت عامل من عوامل الضغط، أما الجانب الفلسطيني فلا يهمه الأمن المصري، فاتخذ من الأنفاق تجارة له.

وأوضح بخيت أنه عقب قيام ثورة 25 يناير، توسعت الأنفاق وأصبحت تجارة وتكونت لها هيئة في السلطة الفلسطينية، حتى وصلت التجارة إلى سبعة مليار دولار، مشيرا إلى أن خسائر مصر في المواد البترولية تصل إلى ثمانية مليون جنيه، بالإضافة إلى خسائر المواد التموينية والأسلحة المهربة.

وقال بخيت إن الإرادة المصرية بعد ثورة 30 يونيو باتت واضحة أنها ترغب في القضاء على الأنفاق، إلا أن العمل الإرهابي أصبح منظما في هذه المنطقة، ولكن الضربة القوية التي وجهتها لهم القوات المسلحة جعلتهم يتشتتوا وينتشروا في المناطق الشرقية، وسيسهل القضاء عليهم، مشيرا في الوقت نفسه إلى أنه لم يكن متوقعا أن يستفحل أمر الانفاق إلا بعد 2006، لذلك كانت تكنولوجيا الاستكشاف محدودة، ولكن بعد أن أدركت مصر أن حماس والإخوان تنظيم إرهابي يستهدف الأمن القومي، بدأت تكنولوجيا الكشف تزيد لدرجة أنها أصبحت قادرة على كشف أعماق بعيدة.

من ناحية أخرى أكد الدكتور حسين الشافعي مستشار وكالة الفضاء الروسية عل أن قدرات القمر التصويري المصري ايجيبت سات 2 يمكنها أن تمد القوات المسلحة بكل كبيرة وصغيرة عن منطقة الشريط الحدودي لمدينة رفح المصرية، بينما الأقمار الصناعية التصويرية ليس لديها القدرة على تصوير أعماق الأرض، ولكن القمر المصري قادر على أن يحدد بمنتهى الدقة بالتحليل الطيفي للتربة يمكن معرفة أن هذه الرمال هي رمال مستخرجة من باطن الأرض ويمكن من خلالها تحديد عمق وشكل النفق.

وقال الشافعي إن القمر المصري مساهم ومشارك في حرب مصر على الإهاب والأنفاق، باعتباره قمرا مصريا ومن البديهي أن يتم تجنيده لخدمة الأمن القومي المصري، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن الصور التي يقدمها القمر بالألوان وبالأبيض والأسود وبالفيديو يمكنها أن تساهم في إنجاح الحرب التي تدور في سيناء.


14 معلومة عن الأنفاق

- 12 ألف غزاوي يعملون في حفر الأنفاق.
- يومية العامل في الحفر ما بين 100 إلى 120 شيكلا.
- التكلفة الكلية لحفر نفق واحد تصل إلى 100 ألف دولار.
- 160 فلسطينيا ماتوا في حفر الأنفاق خلال عام 2011 فقط.
- 15% من ميزانية حماس هو دخل متحصل عبر الضرائب التي تفرضها على تجارة الأنفاق.
- يصل متوسط طول النفق ما بين 700 متر إلى 1500 متر.
- 13 ألف سيارة تم تهريبها عبر الأنفاق خلال عام 2011.
- تهريب سيارة واحدة عبر الأنفاق يتكلف 500 دولار.
- تمثل الأنفاق مصدر دخل مباشر لـ70 ألف مواطن في غزة.
- تقدر عدد الأنفاق بين مصر وغزة ما بين 350 إلى 400 نفق لهم 1200 مدخل فى الجانب الفلسطيني.
- 1.5 مليار دولار دخل سنوي للتجارة عبر الأنفاق.
- 170 ألف دولار الدخل اليومي للنفق الواحد.
- 400 دولار تكلفة رحلة الشخص الواحد ذهابا وإيابا داخل النفق.