رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التعليم فى حاجة إلى ثورة «2»


فى مقال الأسبوع الماضى تحدثت بشىء من الصراحة على «التعليم الفئوى» القائم على «الفرز الدينى»، ولا أظن أن هناك دولة فى العالم بها تعليم يصنف المواطنين على أساس دينى حتى فى دولة الفاتيكان «وهى دويلة دينية مساحتها لا تتعدى مساحة أصغر أحياء القاهرة» فمساحتها لا تتعدى المائة فدان وسكانها أقل من ألف نسمة وتصنف على أنها دولة دينية.
ولهذا فليس من حقها أن تصبح عضواً فى الأمم المتحدة، ولكنها أعطيت صفة المراقب وليس العضو وتعتبر «دويلة الفاتيكان» ذات تراث عالمى حسب تصنيف هيئة اليونسكو منذ عام 1984.

وفى مقابل دولة الفاتيكان يأتى ذكر «المملكة العربية السعودية» والتى تشكل الجزء الأكبر من شبه الجزيرة العربية ومساحتها على عكس مساحة الفاتيكان التى تبلغ مساحتها أقل من نصف كيلو متر مربع، فإن السعودية تبلغ مساحتها نحو اثنين مليون كيلو متر مربع وتتألف من ثلاث عشرة منطقة وبكل منطقة عدة محافظات وعدد سكانها وفق آخر تعداد لها نحو ثلاثين مليون نسمة، وبكثافة سكانية بنحو خمسة عشر ساكن فى الكيلو متر المربع، ويمثل الإسلام بنسبة 97% منهم وحوالى مائة فى المائة بين المواطنين وأغلبهم من السنة بنسبة 90%، أما الشيعة فيمثلون ما بين 10-15% من المواطنين وهم من الشيعة الجعفرية مع وجود عدد من المسيحيين والهندوس والبوذيين وجميعهم ليسوا مواطنين، إذ إن من شروط الحصول على الجنسية أن يكون طالبها مسلماً.

وهذا يقودنا إلى التعريف المنضبط للدولة الدينية أو بمعنى أكثر دقة هناك تقسيمات ثلاثة هى :- الدولة الإسلامية، والدولة المدنية، والدولة العلمانية.فالدولة الإسلامية بمفهومها الواسع تضم جميع الأفراد والجماعات التى تسعى لتغيير مجتمعاتها عن طريق استشفاف أفكارها وبرامجها من الإسلام مع اختلاف هذه الجماعات والأفراد فى الطرق والمناهج والأساليب مع الاتفاق على القيمة الإيجابية للدين وغالباً ما تنقسم هذه الجماعات ما بين إصلاحى وسلفى وجهادى على أساس درجة التسامح والانفتاح على الشراكة فى العمل السياسى وحقوق الإنسان واختلاف مفهوم الدولة ومفهوم الأمة، فمن ينادون بمفهوم الأمة وتغليبه على مفهوم الدولة يروا الأمة الإسلامية أى جميع المسلمين فى العالم وقد سمعنا من يهزأ بمفهوم الدولة المصرية بعبارة «طز فى مصر» والصورة الأخرى المماثلة من اعتبروا دولة قطر هى دولة مؤمنة فى إطار مشروع الأمة.

أما النوع الثانى من الدول فهى الدولة العلمانية والعلمانيون «بفتح العين» هم الرجال والنساء المدنيون فى مقابل رجال الدين وهم الكهنة أو «الإكليروس بالمفهوم الكنسى» وبهذا صدر تعريف الدولة العلمانية فى مقابل الدولة الدينية بالمفهوم الكنسى والذى انتشر فى العصور الوسطى واستعمله البعض لفصل الدولة عن سلطة الكنيسة، وأساء البعض إلى هذا الفهم الراقى واعتبر العلمانية مضادة للدين ورافضة للتدين، وحاول البعض أن يصف العلمانية بأنها الموقف المحايد من الدين وليس رافضاً للدين.

وعلى أرض الواقع جرت تطبيقات للدولة العلمانية فى الغرب المسيحى ولكن فى صور مختلفة ومتباينة، فالنموذج الفرنسى العلمانى لا يماثل الدولة العلمانية فى ألمانيا وكلاهما لا يتطابقان مع النموذج الإنجليزى أو الأمريكى، فمع أن هذه الدول تطلق على أنظمتها أنها علمانية إلا أنها تختلف عن بعضها البعض، وظل حتى يومنا هذا الاختلاف حول مفهوم العلمانية وإن كان قد أطلق على هذه التعددية بالنموذج الغربى.

وأما الملاحظة الغريبة الأخرى فهى عندما حاولت دولة دينية إسلامية أن تطبق النموذج العلمانى كالنموذج الغربى فلم تنجح إذ صارت كمن يعرج بين فرقتين متباينتين فلم تعد هذه ولم تصبح تلك وتجدر بالإشارة هنا إلى الدولة التركية.

لهذا كان إصرارنا فى لجنة الخمسين أن نشير إلى النوع الثالث وهو الأقرب لطبيعتنا، فالإسلام لا يميل إلى الدولة الدينية التى انتهت بنهاية القرون الأولى. أما الدولة المدنية فهى ليست العلمانية ولا الدينية والتى يحكمها أهل الاختصاص وليس رجال الدين، والمقصود بأهل الاختصاص هم المختصون فى الحكم والسياسة والإدارة والاقتصاد والتعليم والصحة والزراعة وليس علماء الدين أو رجال الدين ،فالدولة لا تقوم على عرق واحد حتى وإن كان غالبيتهم يدينون بدين معين أو مذهب معين.والمعروف أن الدولة الدينية فى الأنظمة القائمة وبالمفهوم القانونى لا توجد إلا فى إيران والبعض يوسع الدائرة ويضع إسرائيل والمملكة العربية السعودية ضمن هذا النوع وإن كان التوصيف القانونى والدولى يرى أن إيران وحدها هى التى تمثل الدولة الدينية، أو تقترب من هذا النموذج إذ إنه ليس كل وزراء إيران هم من رجال الدين. لهذا كان إصرارنا على الإشارة فى دستورنا الأخير لعام 2014 على ذكر التعبير المدنى ومع كل المحاولات التى جرت للإشارة إلى تعبير مدنية الدولة حتى قررت اللجنة وبإجماع الآراء على الإشارة فى نهاية ديباجة الدستور بعبارة «حكمها مدنى» ومع ذلك فوجئنا عند التصويت أن تغير كلمة حكمها إلى حكومتها وكان التغيير الأخير مخالفاً لما بين أيدى الأعضاء ومع ذلك يمكن الرجوع إلى مضابط اللجنة التى هى المرجع عند الخلاف حول تفسير كلمة حكمها وحكومتها. وقبل الختام يأتى السؤال وهل هناك ارتباط بين عنوان المقال «التعليم يحتاج إلى ثورة؟» وبين المقال السابق حول مدنية التعليم وفصله عن التعليم الدينى، فإلى المقال التالى.

رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر