رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قراءة فى كلمة الرئيس حول عملية كرم القواديس «1ـ 2»


ركَّز الرئيس فى كلمته على أن مصر تتعرض لحرب تستهدف وجود الدولة وإسقاطها من الداخل، كما حدد استراتيجية تحقيق هذا الهدف بـ «كسر إرادة الشعـب والجيش المصرى» على اعـتبار أن توحد الشعـب المصرى بجميع طوائفه وانتماءاته قد أصبح ضرورة استراتيجية ملحة لإفشال هذا الهدف

فرضت تفاعلات العـملية الإرهابية ضد جنودنا فى منطقة «كرم القواديس» بشمال سيناء نفسها على الساحة المصرية والإقليمية، بل والعالمية، ولذلك أرجو أن يسمح لى القارئ بأن أشارك فى تفاعلات هذا الحدث من خلال القراءة المتأنية لخطاب الرئيس الذى ألقاه فى أعـقاب هذه العملية، ثم أعود إلى موضوع العلاقات الدولية بين التقارب والتباعـد الذى تناولته على مدى تسعة أسابيع مضت، ولا شك فى أن هذه العـمليـة تمثل تغـييراً جذرياً وتحولاً نوعـياً كبيراً فى تخطيط وإدارة العمليات الإرهابية، سواء من حيث التوقيت أو التخطيط والتنفيذ ، أو فى حجم القوة المشاركة والتى يُمكن تقديرها بحوالى 70 فرداً على الأقل، ومن حيث الهدف منها أيضاً والذي يكمن فى: «إحباط الشعب المصرى وكسر الإرادة القومية».

فمن حيث التوقيت، فإنه يُمكن ملاحظة أن الجماعات الإرهابية تربط توقيتات تنفيذعملياتها بذكرى لها وقع خاص عـنـد المصريين بغـرض طمسها، أو إفساد إحيائها، فكانت تفجيرات طابا فى 6 أكتوبر 2004 لإفساد الاحتفال بنصر أكتوبر، وتفجيرات شرم الشيخ فى 23 يوليو 2005 لإفساد ذكرى ثورة يوليو، وتفجيرات دهب فى 24 أبريـل 2006 لإفساد ذكرى عـيد تحرير سيناء، ومذبحة رفح فى 10 رمضان (يوليو 2012)، أما العملية التى نحن بصددها فقد جاءت فى أعـقاب الاحتفال بذكرى نصر أكتوبر2014 بعـد أن حقق الجيش كثيراً من النجاحات فى مواجهة الإرهاب، وبعد أن تمكن جهاز الشرطة من استعادة توازنه فى تأمين الجبهة الداخلية، كما اتسمت العملية بدقـة التخطيط واحترافية التنفيذ، وهو ما يُشير إلى وجود دعـم خارجى لهذه العملية وقد أكده الرئيس فى كلمته ، ويمكن تصور أشكال هذا الدعم: فى انتقاء الأفراد وإعـدادهم نفسياًَ وذهنياً وبدنياً وصحياً، وتجهيزهم بالأسلحة والمعـدات، ثم تدريبهم، والتخطيط الدقيق وفقا للقدرات الفعلية التى وصل إليها الأفراد، أما الصورة الأهم للدعم الخارجى فتكمن فى توفير الحماية للقوة المنفذة عـندالتخلص من المعـركة وتوفير خط السير الآمن وصولاً إلى المأوى المُعـد لإعادة تأهيلهم لتنفيذ مهمة أخرى .

وركَّز الرئيس فى كلمته على أن مصر تتعرض لحرب تستهدف وجود الدولة وإسقاطها من الداخل، كما حدد استراتيجية تحقيق هذا الهدف بـ «كسر إرادة الشعـب والجيش المصرى» على اعـتبار أن توحد الشعـب المصرى بجميع طوائفه وانتماءاته قد أصبح ضرورة استراتيجية ملحة لإفشال هذا الهدف، واعـتبار الجيش هو الضمانة الحقيقية لصيانة الأمن القومى، واعـتباره هو العمود الثابت الذى يُمكن الارتكاز عـليه لبناء قواعـد الدولة ومستقبلها المنشود، ولتوضيح ذلك، فإن وجود الدولة يمثل العـنصر الأول والأهم فى مكونات الأمن القومى، إذ يكمن مفهوم الأمن القومى فى إيجاز شديـد فى أنه يتكون من ثلاثة عناصر رئيسية، الأول: هو صيانة وجود الدولة والثانى: هو صيانة سيادة الدولة على إقليمها، والعنصر الثالث: هو تحقيق ازدهار الدولة، ورفاهية شعـبها، فإذا انتفى وجود الدولة إنتفى معه العـنصران الآخران.

أما الإرادة القومية فتتكون من الإدراك، والرضا، والقدرة على الفعـل، ويقصد بالعنصر الأول هو إدراك الدولة «القائد السياسى والنخبة الحاكمة والشعـب بجميع طبقاته وطوائفه السياسية والحزبية والدينية» لمفهوم الأمن القومى وكيف ومتى يُمكن صيانته، والتحديات والأخطارالراهنة والمستقبلية التى تواجهه سواء من الداخل والخارج، وحجم ونوع وأهداف هذه التحديات والأخطار، وإدراك مدى تأثيرها على الدولة، وأدوات تحقيقها، وإدراك مكونات التحالفات والتوازنات الاستراتيجية والتحالفات والتوازنات المضادة القائمة أو التى قد تنشأ، وكيف ومتى يُمكن مجابهة كل هذه التحديات والأخطار، أما العـنصر الثانى المكون للإرادة القومية فهو حالة رضا جميع عناصر الدولة بهذا الإدراك، ومدى رضا الشعـب عن القائد السياسى والنخب الحاكمة والنخب الأخرى، وبتحليل نتائج عملية «كرم القواديس» يُمكن أن نخلص إلى أن الهدف منها هو إحداث الإحباط العام فى صفوف الشعـب المصرى للتأثير بالسلب على حالة الرضا الذى أولاها الشعـب للرئيس سواء عن ممارساته فى إدارة شئون الدولة سياسياً واقتصادياً وأمنياً، أو عن صفاته الشخصية الوطنية منها والدينية، أما العنصر الأخير من مكونات الإرادة فهو قدرة الدولة على الفعـل، ويقصد بها قدرتها على اتخاذ وتنفيذ الإجراءات التى تضمن عـدم التأثير بالسلب على حالة الرضا، والعمل على تأجيجها باستمرار حتى تكون فاعلة فى نسقها الإقليمى، وقادرة على ردع ومجابهة أى تهديدات توجَّه إليها.

ذلك كان أبرز ما فى كلمة الرئيس التى ألقاها بعد استقباله جثامين شهداء العملية الإرهابية الدنيئة والتى أردت توضيحها، وفى الأسبوع المقبل بإذن الله سأتناول ما جاء بكلمة الرئيس بشأن المؤامرة التى تتعـرض لها مصر والإجراءات التى سيتم اتخاذها والتى سيشعـر بها المواطن المصرى.

■ أستاذ العلوم السياسية بجامعة بورسعـيــد