رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"التعبئة العامة" .. من الفراعنة إلى عهد الرئيس السيسي

 الرئيس عبد الفتاح
الرئيس عبد الفتاح السيسى

أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسى - أمس - قرارا بتفويض الفريق أول صدقى صبحى وزير الدفاع والإنتاج الحربى، فى اختصاصات رئيس الجمهورية المنصوص عليها فى المواد "9، 12، 24" من قانون التعبئة العامة رقم 87 لسنة 1960، وذلك لمدة سنة اعتبارا من أول نوفمبر 2014.
ويأتي هذا القرار ضمن سلسلة القرارات التي اتخذها الرئيس عبد الفتاح السيسي ، لمكافحة الجماعات الإرهابية وإرساء الاستقرار في البلاد، عقب الحادث الإرهابي الذي استهدف كمين " الشيخ زويد" وأسفر عن استشهاد 33 جنديا وإصابة العشرات .
التعبئة العامة.. هي تحويل القوات المسلحة الوطنية إلى حالة الحرب أو شبه الحرب وإعادة بناء اقتصاد الدولة ومؤسساتها وقدراتها ومواردها المادية والبشرية وقوانينها لتوفير حاجات حرب طويلة الأمد وتحقيق أهدافها.. وتندرج الكوارث الطبيعية والنكبات تحت حالة شبه الحرب.
اشتق المصطلح لغوياً من كلمة "عبّأ" بمعنى هيأ، الجيش للحرب جهزه، ويقابلها من المترادفات "النفير"، أي القوم الذين ينفرون في الأمر متأهبين للجهاد.
لمحة تاريخية:
ترجع التعبئة إلى عهود المصريين القدماء واليونانيين والرومان ، حيث كانت من الأسس التي يتبنونها في الإعداد للحرب، أما في العهود الإسلامية فقد ارتبطت التعبئة بمفهوم الجهاد، إعمالا لما جاء في القرآن الكريم: (انْفِروا خِفَافاً وثِقَالاً وجَاهِدُوا بأمْوالِكم وأَنْفُسِكم في سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُم خَيرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُم تَعْلَمُون).
ومنذ القرن الثامن عشر أخذت الدول الحديثة تعتمد خططاً دقيقة ذات منظور مستقبلي بعيد المدى في مضمار الإعداد للحروب وخصوصاً بعد الثورة الفرنسية. إلا أن النقلة النوعية جاءت قبيل عام 1870، في مرحلة الإعداد للحرب الفرنسية البروسية وإبّانها، حين أطلقت فرنسا ولأول مرة مصطلح التعبئة.
تبلور مفهوم التعبئة عشية الحرب العالمية الأولى، فأصبح أوضح هدفاً تماشياً مع رأي المنظرين العسكريين، أن خوض القتال بجيوش جرارة حديثة ذات قدرة حركية كبيرة يجعل الحرب قصيرة الأمد.
وقد وفرت التعبئة العامة –آنذاك- إمكانية رفع تعداد القوات المسلحة الألمانية من ثمانمائة ألف مقاتل إلى ما يزيد على ثمانية ملايين مقاتل، ورفع تعداد القوات البريطانية من نحو أربع مئة ألف إلى ما يزيد على خمسة ملايين، والفرنسية من نحو مليون إلى ما يزيد على خمسة ملايين، والأمريكية من خمسة وستين ومئة ألف مقاتل إلى نحو أربعة ملايين.
غير أن التقدم التقني الذي تحقق – حينها- وظهور أسلحة التدمير الشامل أديا إلى زيادة التعقيد في تخطيط التعبئة، بعد أن تبين أن الطاقة النووية المرعبة لا تتيح للطرف الآخر أي فرصة زمنية لحشد قواه أو للشروع بالتعبئة، فازدادت الحاجة إلى قوات مسلحة متأهبة على الدوام، أي قوات برية وبحرية وجوية عاملة فعالة، قادرة على خوض الأعمال الدفاعية في جميع الشروط والانتقال إلى الأعمال الهجومية إن تطلب الأمر ذلك.
أنواع التعبئة:
تقسم التعبئة من حيث الطريقة إلى تعبئة معلنة وتعبئة مكتومة، لا تختلف التعبئة المعلنة عما جاء في التعريف، أما المكتومة فقد ظهرت بوضوح في ألمانيا يوم طورت بروسية بين العامين 1807 و1813 نظاماً يسمح بتوفير احتياط كبير من المجندين المسرحين على مدى طويل، وذلك بدعوة المكلفين للتدريب المكثف الجيد بأعداد لا تتجاوز 42 ألف مقاتل سنوياً (العدد الذي فرضه نابليون بونابرت عليها)، في الوقت الذي راح يتكون لديها احتياطي ضخم من المسرحين الذين يمكن استدعاؤهم في مهل قصيرة بموجب خطة تعبئة ممتازة شملت أيضاً إعداد السلاح والعتاد وتخزينهما وتوفير الأموال والأرزاق والتجهيزات الكافية بكتمان شديد.
أما من حيث المقياس فتقسم التعبئة إلى شاملة وجزئية. تتم التعبئة الشاملة في أنحاء البلاد كلها، وتشمل تطبيق ملاك الحرب في القوات المسلحة العاملة واستدعاء الاحتياط كله والقوات الرديفة وتسخير اقتصاد البلاد وقدراتها لصالح المجهود الحربي وإعلان حالة الطوارئ العامة.
أما التعبئة الجزئية فتتم في مسرح الأعمال الحربية فقط، وتشمل بعض المناطق العسكرية واقتصادها ومواطنيها، وإعلان حالة الطوارئ فيها، ويُلجأ إلى هذا النوع من التعبئة في الحروب المحلية، كما هي الحال إبّان حرب فرنسا في الجزائر بين عامي 1954-1958 في سعيها للحفاظ على الجزائر جزءاً لا يتجزأ من فرنسا، قبل وصول ديغول إلى الحكم ثانية، وكذلك الحروب التي شنتها فرنسا أولاً ثم الولايات المتحدة على شعوب الهند الصينية 1945-1975، وكذلك الحرب الكورية 1950-1953 التي خاضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها تحت علم الأمم المتحدة من جهة وكوريا الشمالية والصين بمساعدة الاتحاد السوفييتي من جهة أخرى على مسرح عمليات شبه الجزيرة الكورية المقسمة.