رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جنود بلادنا .. أرواح السماء


مائة وأربعة وعشرون جندياً وضابطاً مصرياً شهيداً فى سبع عمليات إرهابية بسيناء من أغسطس 2012 حتى أكتوبر الحالى. تتطلع إلى الوجوه والصور وتقول عن كل واحد منهم «إنى أعرفه». الملامح الريفية. العيون التى تميل للبسمة وتخجل منها. التواضع الذى يشيع فى الوجه. ارتباك الفلاح أمام الكاميرات. الرسالة التى يبثها فى الصورة خلسة لأهله «قريبا أعود». لكنهم لم يرجعوا. لم يبق منهم سوى الألم الجسيم فى قلوب العرائس والأمهات. فى الحرب العالمية الثانية فقد الاتحاد السوفييتى ستة وعشرين مليون شهيد من خيرة أبنائه، نحو سبعين بالمئة منهم من العسكريين. خلال الحرب وبعدها تناول أدباء عظام قصص البطولة فى أعمال أدبية شكلت سجلاً للبسالة، عدد كبير منها دار حول مدينة ليننجراد وصمودها فى حصار استمر نحو ثلاث سنوات من دون غذاء أو وقود. فى فبراير 1942 نشرت جريدة «برافدا» واحدة من أشهر القصائد. اقتطعها الجنود من الصحيفة وتبادلوها فى خنادقهم وحفظوها عن ظهر قلب وبعثوا بها لزوجاتهم وأهلهم. قصيدة «انتظرينى» للشاعر قسطنطين سيمونوف. يقول فيها على لسان جندى يكتب لخطيبته «انتظرينى وسأعود رغم أنف الموت. أولئك الذين لم ينتظروا لن يفهموا، أنك أنقذتنى بانتظارك من قلب النيران. كيف بقيت أنا على قيد الحياة؟. هذا سر نعرفه نحن الاثنين وحدنا. وحدنا نعلم أنك أتقنت الانتظار كما لم يفعل أحد آخر». قصيدة أخرى اشتهرت ومازالت تتردد للشاعر الداغستانى العظيم رسول حمزاتوف بعنوان «اللقالق البيضاء» يقول فيها: «يخيل إلىَّ أحيانا أن جنود بلادنا ممن لم يرجعوا إلينا من ميادين القتال، لم يتوسدوا الأرض. لكن أصبحوا طيوراً هائمات. تطير فى السماء بنظام كما كانت تمشى على الأرض وهى بشر. أليس لذلك السبب يحل علينا الصمت بحزن كلما تطلعنا إلى السماء؟». ربما لا يكون لدى سوى هذه القصيدة أهديها إلى أرواح جنودنا الذين لم يرجعوا من سيناء، إلى محمد أبوغزالة وإلى كيرلس فاضل معاً، وقد احتضن تراب مصر وسماها الشهيدين من دون تمييز، وإلى كل الشهداء الذين أصبحوا طيوراً فى سمائنا تبعث إلينا من هناك بالرسائل. أعتقد أن من واجب وزارة الثقافة واتحاد الكتاب تنظيم جنازة رمزية للشهداء يجوب فيها الكتاب والمثقفون شوارع العاصمة وهم يحملون صورة شهيد مسلم وآخر مسيحى، تقديساً لأرواح أبنائنا وتعظيماً لمعنى الدفاع عن الوطن، ونشراً لحقيقة أن الدماء التى تسيل لحماية مصر لا تميز دماً قبطياً من دم مسلم، وأيضاً تكريساً لدور الكتاب والمثقفين ومساهمتهم فى القضايا الوطنية.

حين واجه الاتحاد السوفييتى خطر النازية كان يواجه عدواً خارجياً محدداً. أما نحن فإن الخطر فى داخلنا، داخل مؤسساتنا، ووسائل إعلامنا، ونظمنا التعليمية. وكل ذلك يستدعى كفاءة أخرى، وبرنامجاً آخر سياسياً واقتصادياً، وإطلاق أوسع الحريات الديمقراطية لكى يصبح الشعب جزءاً فعالاً وواعياً من تلك المعركة. فهل أننا نواجه ما يدبر لنا بالكفاءة الواجبة. آن الأوان لنقرأ تصوراً مكتملاً من جميع النواحى لدرء الخطر، لكى لا تظل أرواح جنودنا تبعث إلينا برسائل العتاب وتسألنا عن حقها