رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل فقدنا نهر النيل ؟!


إن شروع إثيوبيا فى بناء سدود على النيل الأزرق لا يهدف إلى إحداث تنمية زراعية وتوليد كهرباء فقط ولكن السبب الأهم هو الأمور السياسية والإقليمية ومكانة إثيوبيا فى القارة الأفريقية
فى لقاء فى إحدى الفضائيات البريطانية عشية ختام الجولة الثانية لمفاوضات سد النهضة شارك معنا فيه السفير الإثيوبى فى القاهرة وقال بوضوح: «لا بد أن يعى المصريون أن الشعب الإثيوبى فقط هو الذى يحدد مواصفات سد النهضة وأن المكتب الاستشارى مهمته فقط أن يبحث الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية ثم الهيدرولوجية فقط وليس له شأن بالسد نفسه ولا باستكمال بنائه من عدمه ولا بمواصفات تخزينه للمياه أو ارتفاعه!!» هذا الكلام ينسف عمل المفاوضات نسفاً ويظهر وزير الرى المصرى بأنه يخدع شعبه حيث يقول إن قرارات المكتب الاستشارى ملزمة وهى التى ستحدد مواصفات سد النهضة وارتفاعه وسعة تخزينه للمياه. ردد الرئيس الإثيوبى ثم وزيره للرى نفس الكلام فى مباحثات القاهرة أن جميع اللجان المشكلة مع مصر والخاصة بسد النهضة هى لجان فنية وليست تحكيمية، وأن إثيوبيا مستمرة فى بنائها للسد بنفس مواصفاته وأنها ستفتتح المرحلة الأولى من السد فى يونيو المقبل لتشغيل أول تروبينين لتوليد 700 ميجاوات من إجمالى ستة آلاف ميجاوات متوقع توليدهم عند الافتتاح النهائى للسد فى أكتوبر 2017 عبر 16 توربيناً تصنعها فرنسا خصيصا لإثيوبيا. فهل لوزير الرى المصرى أن يعطى لشعبه إيضاحات لهذه التصريحات؟!، وما شعوره بعد أن رأى صور زيارته للسد الإثيوبى تملأ الصحف الأمريكية والبريطانية مصحوبة بتعليقات تشير إلى رضوخ مصر وموافقتها على بناء السد وطلب إثيوبيا من الصين وكوريا وإيطاليا إعادة تمويلاتها الموقوفة لاستكمال بناء السد بعد موافقة مصر!، ثم طلبها من صندوق النقد الدولى طرح سندات دولية لتمويل السد بضمان الصندوق!. نحن هنا نوجه سؤالنا لوزير الرى المصرى: هل ضاع نهر النيل إلى الأبد من مصر؟! هل أخذت إثيوبيا الضوء الأخضر من مصر ببناء سدودها الأربعة على النيل الأزرق بالإضافة إلى سدين على نهر السوبات الرافد الثالث لنهر النيل القادم من إثيوبيا لمصادرة 7 مليارات متر مكعب كل سنة من إجمالى 12.1 مليار متر مكعب يشارك بها نهر السوبات فى نهر النيل وذلك للاستحواذ على كامل مياه نهر النيل وليعطش الشعب المصرى!!

يقول أرسانو ياكوب- الأستاذ بكلية العلوم الاقتصادية بجامعة أديس أبابا- فى كتاب شارك فى فصل منه لمنسق نرويجى بعنوان «نهر النيل فى عصر ما بعد الاستعمار» وقمنا بترجمته لصالح المركز القومى المصرى للترجمة وهو تحت الطبع حالياً: إن شروع إثيوبيا فى بناء سدود على النيل الأزرق لا يهدف إلى إحداث تنمية زراعية وتوليد كهرباء فقط ولكن السبب الأهم هو الأمور السياسية والإقليمية ومكانة إثيوبيا فى القارة الأفريقية!» الكلام الواضح للكاتب الإثيوبى أن غرض إثيوبيا من بناء سدودها على أنهار نهر النيل القادمة من أراضيها هو إضعاف مصر والتحكم فى مقدراتها وبالتالى تبوؤ مكانة أعلى من مصر والتى ستتسلم ماء مقنناً يصرف من هذه الأنهار طبقا لاحتياجات إثيوبيا من الكهرباء أو لتغطية تعاقداتها مع الدول المجاورة لبيع الكهرباء وبالتالى فإن عدم شراء مصر للكهرباء من إثيوبيا يعنى عدم حصول مصر أيضاً على المياه لأن إثيوبيا سوف تكون غير قادرة على تشغيل الستة عشر توربيناً بشكل كامل بسبب عدم وجود طلب على الكهرباء ويمكن أن تشغل أربعة أو ستة توربينات فقط، وهنا تقل تدفقات المياه إلى مصر حيث لا مخرج لها من سد النهضة إلا عبر التوربينات أو من مفيض للمياه فوق أعلى مستوى للسد وبعد أن تمتلئ بحيرة السد بأقصى مخزون مائى لها وبسعة 74 مليار متر مكعب، بالإضافة إلى أن كفاءة توليد الكهرباء من هذا السد لا تزيد على 33% فقط بما يؤكد أنه سد لتخزين المياه والاتجار فيها مستقبلاً وليس سداً لتوليد الكهرباء، لأن جميع سدود الكهرباء لا تقل كفاءة التوليد فيها عن 60%، وبالتالى فإن سدين صغيرين بسعة 14.5 مليار متر مكعب مياه يمكن أن يولدا كهرباء أكثر مما يولده السد الإثيوبى الضخم الذى بلا إنتاج حقيقى، كما وأن هناك دائماً مبالغة فى حجم توليد الكهرباء من السدود المائية عند تصميمها كما حدث فى السدود الثلاثة فى أوغندا أوين وكييرا وبوجاجالى حيث لم يولد أى منها إلا أقل من ربع الكهرباء المقدرة عند تصميم السد، بالإضافة أيضا إلى المبالغة فى مدة إنجاز بناء هذه السدود وإنتاجها للكهرباء والتى عادة ما تستغرق عشر سنوات على الأقل.

تطاول على شخصنا السفير الإثيوبى فى القناة البريطانية على الهواء وقال إن ما تقوله خزعبلات والتزمت بأدب الحوار، فهل لوزارة الخارجية أن تطلب اعتذار السفير أسوة بما فعلته بالمذيعة رانيا بدوى؟!.

■ كلية الزراعة - جامعة القاهرة