رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عودة اليمين..هل يكمل مفآجات انتخابات الرئاسة في البرازيل؟

جريدة الدستور

يتوجه الناخبون في البرازيل غدا الأحد إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيسهم القادم وذلك في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الأكثر تنافسية التي تجري بين ديلما روسيف، الرئيسة الحالية ومرشحة حزب العمال، واياسيو نيفيز مرشح الحزب الاجتماعى الديمقراطى اليمينى.

وأظهرت آخر استطلاعات الرأي تقاربا شديدا بين المرشحين المتنافسين مع تقدم ضئيل لمرشحة العمال روسيف حيث وصلت نسبة تأييدها إلى 47% في حين بلغت نسبة التأييد لنيفيز 43%، وهو ما يعكس انقسام واضح في توجهات الناخبين البالغ عددهم 142,8 مليون شخص والمدعوين إلى التصويت في انتخابات الغد لاختيار الرئيس القادم لهذا البلد العملاق في أمريكا اللاتينية وسابع أكبر قوة اقتصادية على مستوى العالم.

وكانت الجولة الأولى من الانتخابات قد أجريت في الخامس من أكتوبر الجاري وشهدت مفاجأة من العيار الثقيل حيث جاءت روسيف في المرتبة الأولى بعد حصولها على 41.59 % من أصوات الناخبين، ثم حل نيفيز في المرتبة الثانية بعد حصوله على 33.55% من الأصوات، وهو ما مثَل مفاجأة كبيرة في المشهد الانتخابي حيث كانت جميع الاستطلاعات تظهر أن ماريا سيلفا، مرشحة الحزب الاشتراكي، هي الأوفر حظا لمواجهة روسيف في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية بل والفوز بمقعد الرئاسة غير أنها حلت بالمركز الثالث بعد حصولها على 21.3% فقط من الأصوات وخرجت من السباق الرئاسي.

ويعد حصول نيفيز على هذه النسبة المرتفعة من أصوات الناخبين، والتي سمحت له بخوض جولة الإعادة، بمثابة صعود مفاجئ وعودة قوية لقوى اليمين بعد استحواذ اليسار على مقاليد الحكم منذ 12 عاما.

ويتفق عدد كبير من المراقين على أن التنبؤ بنتيجة هذه الجولة يعد أمرا غاية في الصعوبة حيث أن هناك تقاربا شديدا بين المرشحين عكسته بوضوح استطلاعات الرأي، كما أن الناخبين الذين صوتوا لماريا سيلفا في الجولة الأولى سيلعبون دورا حاسما في تحديد الفائز خلال الجولة الثانية. ورغم إعلان سيلفا وحزبها تأييدهما لمرشح اليمين نيفيز غير أن ذلك لم يكن كافيا لضمان فوزه في المعركة الانتخابية الشرسة خاصة وأن روسيف لاتزال تتصدر السباق الانتخابي وتحتفظ بالمرتبة الأولى في استطلاعات الرأي.

وتحظى هذه الانتخابات بأهمية خاصة للعديد من الأسباب أولها أنها تأتي في ظل أجواء صعبة تشهدها الساحة البرازيلية لاسيما على الصعيد الاقتصادي. فقد دخلت البرازيل في مرحلة ركود بعد فصلين متتاليين من تراجع إجمالي الناتج الداخلي حيث تراجع بنسبة 0.6% في الفصل الثاني عما كان عليه في الفصل الأول.

ويرجع المعهد البرازيلي للإحصاء والجغرافيا هذا التراجع إلى أزمة الإنتاج الصناعي وأيام العطل الكثيرة خلال مباريات كأس العالم لكرة القدم التي جرت من 12 يونيو إلى 13 يوليو من العام الجاري.
فقد تسبب "المونديال" في تراجع النشاط الصناعي بنسبة 1.5 % في الفصل الثاني، والخدمات بنسبة 0.5- % مع انخفاض التجارة بنسبة 2.2 % في أجواء من ضعف استهلاك العائلات.
كما تراجعت الاستثمارات بنسبة 5.3 %، وبلغت نسبة التضخم 6.5 % على مدى 12 شهراً في يوليو، وهو السقف الذي حددته الحكومة. وهبط الفائض التجاري للبرازيل إلى أدنى مستوى له في أكثر من 10 سنوات، متضررا من انخفاض أسعار السلع وزيادة في واردات الوقود وتراجع القدرة التنافسية بين المصنعين.
إضافة لذلك خفضت وكالة التصنيف الائتماني ستاندارد أند بورز التصنيف السيادي للبرازيل في بداية العام الجاري.

والواقع أن اقتصاد البرازيل يشهد نموا بطيئا منذ أكثر من ثلاث سنوات. فبعد أن بلغ إجمالي الناتج الداخلي أوجه في عام 2010 عندما سجل 7.5 %، تقدم بنسبة 2.7% عام 2011 و1% عام 2012 و2.5% عام 2013.

ويلقي الكثيرون بالمسئولية فيما يخص الوضع السابق على حكومة حزب العمال اليسارية بزعامة روسيف. فبعد أن استطاع سلفها لولا دا سيلفا تحقيق نجاحات اقتصادية واجتماعية كبيرة طوال فترتى رئاسته، تعرضت خليفته روسيف لانتقادات حادة بسبب تراجع معدلات نمو الاقتصاد البرازيلي وتصاعد غضب رجال الأعمال من سياساتها الاقتصادية، بالإضافة إلى خروج مظاهرات ضدها في صيف عام 2013 من قبل الشباب والطبقة المتوسطة وبقيادة حركات يسارية معارضة لها كانت تطالب بحدوث تداول للسلطة خارج حزب العمال، وتحقيق المزيد من مطالب الفقراء وزيادة الإنفاق الحكومي على الصحة والتعليم والنقل.

واستطاع نيفيز أن يستغل هذه الأوضاع لشن هجوما لاذعا ضد منافسته روسيف وأخذ يحملها مسؤولية التباطؤ الكبير للنمو في البرازيل وارتفاع معدلات التضخم وإبعاد المستثمرين.
كما انتقد فضائح الفساد التي لطخت سمعة حزب العمال الحاكم لا سيما الرشاوى التي تقاضاها برلمانيون من شركة بيتروبراس الحكومية في فضيحة اندلعت مع بداية الحملة الانتخابية.
واعترفت روسيف لأول مرة الأسبوع الماضي بوجود حالات فساد فى شركة بتروبراس للطاقة لها علاقة بأعضاء فى "حزب العمال" الذى تنتمى إليه، وذلك بعد إنكارها المتكرر وتعهدت بأنها "سوف تفعل كل شئ من أجل تعويض البلاد". كما أكدت روسيف أنه فى حالة فوزها بالمنصب الرئاسى مجددا سوف تقوم بتغيير الكادر الحكومى الحالى، وتشكيل حكومة قوية قادرة على إنجاز مشروعات قومية ومواجهة التحديات، وتلاشى كل الأخطاء السابقة.
من ناحية ثانية تكتسب هذه الانتخابات أهمية خاصة لأنها سوف تمثل محددا هاما للسياسة الخارجية البرازيلية. ففي حالة إعادة انتخاب روسيف فإن ذلك يعني استمرار السياسة الخارجية للبرازيل، والتي بدأت في عهد الرئيس السابق لولا دا سيلفا، وتعتمد على إعطاء أولوية للعلاقات مع الدول الأعضاء في كتلة "ميركوسور" الاقتصادية في أميركا الجنوبية. وتضم هذه الكتلة كلاً من البرازيل والأرجنتين وفنزويلا وأوروجواي وباراجواي. واستمرت روسيف في تبني هذه السياسة وركزت على تعزيز علاقات "الجنوب-الجنوب" وتقوية الصلات بين دول القارة والتنسيق فيما بينها حول العديد من القضايا سواء الإقليمية أو الدولية.
أما إذا تم انتخاب نيفيز في جولة الغد فإنه سوف يضع حدا للسياسات الخارجية التي انتهجتها البلاد خلال الـ12 عاما الماضية، والتي يرى أنها تستند إلى "انتماءات أيديولوجية" بدلا من مصالح البرازيل الوطنية. فقد اشتكى المصدرين البرازيليين دائما من أن كتلة "ميركوسور" كانت تشكل عائقا أمام نمو البرازيل، حيث أنها تمنعها من التوقيع بشكل منفرد على أي اتفاق للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي الذي يضم 28 دولة أو مع أي دولة أخرى خارج الدول الأعضاء في الكتلة. وتتطلب قواعد "الميركوسور" أن يتم التفاوض على أي اتفاق للتجارة الحرة من قبل الدول الأعضاء كافة، بيد أن كلا من الأرجنتين وفنزويلا تعارض هذه المفاوضات خارج المنطقة.
ونتيجة لذلك سوف يقوم نيفيز بنزع الصفة السياسية تماما عن سياسة البرازيل تجاه دول أميركا اللاتينية، ويعمل على تنويع الشراكة مع كافة الدول الأخرى في المنطقة، بغض النظر عن أيديولوجياتها. كما سيسعى إلى الوصول لدول الاتحاد الأوروبي، والاقتصادات المؤيدة للسوق، مثل المكسيك وتشيلي وكولومبيا وبيرو، بحثا عن اتفاقات تجارية جديدة.
وما أجمع عليه المراقبون هو أن نتيجة جولة الانتخابات غدا لايزال أمرا صعبا وغير مؤكد غير أن العنصر الحاسم الذي سيحدد من الفائز في الانتخابات الرئيسية هو إلى مدى سيختار الناخبون بين استمرار سياسات الدعم الاجتماعي والحفاظ على المكتسبات التي حصلوا عليها طول السنوات الماضية أم رغبتهم في التغيير وتداول السلطة أملا في مستقبل أفضل.