رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بين الرواية والفيلم.. ولكن! «٢-٢»


ولكن بالعودة إلى النص الروائىللفيلم نجده ينطوى على عالمين شديدى المغايرة: عالم الأمراض النفسية وإنجاز علمائه الفذ بكشفهم عن علة الإصابة بأمراض مثل الفصام بكونها مرضاً عقلياً وليس نفسياً ناتجة عن خلل فى كيمياء المخ يعالج بعقاقير يتم تناولها بجرعات يصفها الطبيب المعالج لاستعادة المخ لوظيفته، وبين عالم «الجان» الغامض والمثير، الرواية تعد من روايات الإثارة والتشويق برغم أن بطلها طبيب نفسانى وليس رجل قانون كما اعتدنا فى الروايات البوليسية التقليدية، فالرواية تذكرنا إلى حد كبير- مع الفارق - بتيمة مشابهة جسدها «أنتونى هوبكنز» فى فيلم «صمت الحملان» من حيث عالم الغرائب، فهى تضعنا فى جو نفسى مشابه له. قارئ الرواية لا يتصور بعد رؤية الفيلم أن سطورها تحولت إلى الصورة السينمائية ومؤثراتها التى فاجأنا بها المخرج وجسَّدها بتضادها المزاوج بين الحقيقة والخيال وبين المعقول واللا معقول فى آن معا، فخيال القارئ مهما جمح به لن يصل إلى ما شاهده من ترجمة للمقروء محدثاً «هارمونى» بين وقائع الرواية وسيناريو الفيلم الذى أعده صاحب الرواية دون إخلال بالشخصيات، ورغم بشاعة الجريمة التى يتتبعها الطبيب «يحيى»: إلا أننا لم نشهد وقوعها إلا من خلال بعض الصور الفوتوغرافية، لكن المخرج نجح فى إيصال بشاعة هذه الجريمة إلى المتفرج ،ورغم اختلاف النهاية فى الفيلم عنها فى الرواية إلا أنهما اشتركا فى «الحبكة» فنحن لاندرى من مرتكب جريمة القتل: هو أم أن هناك طرفاً آخر مسئولاً، وهل الطبيب يتوهم المرض أم أنه مريض فعلاً بدليل هذا الكم من الهلاوس والضلالات التى تسيطر على عقله والتى برع الفيلم فى تصويرها باستخدام الجرافيك ومؤثرات الصورة بشكل مقنع ومثير فرأينا عالم الغرائب الذى رسمه لنا أحمد مراد مجسداً ملموساً ومحسوساً.ولنا وقفة هنا لكى نطرح سؤالاً أزلياً .. نحار فى إيجاد إجابة شافية له وهو: هل البعد النسبى عن العشق الإلهى بكل وجدانياته وروحانياته.. يجعل أبواب الروح «مواربة» لدخول الشيطان ليلعب لعبته فى عقول أصحاب الاستعداد النفسى لارتكاب كل ما يمليه عليهم الشيطان.. ولكن حين تستفيق النفوس تتدارك بالفطرة السليمة أنها ابتعدت عن التفكر فى ذات الله وعظمته، فانجرفت تحقق للشيطان مآربه.. وتتعلل بأن سلطة الشيطان كانت الأقوى فى استلاب العقول لارتكاب كل الخطايا باسم الضعف الإنسانى والمؤثرات الخارجية كمعاقرة الخمر والحياة وسط دخان الحشيش والمغيبات العقلية.. التى تؤدى فى النهاية إلى مايشبه الانتحار والخروج من هذا العالم. أو حدوث الردة العكسية بالعودة إلى طريق الإيمان القويم بالله وبأنه سبحانه وتعالى هو محرك الكون وباعث الحياة فيه. أما عن تقدير الجمهور للفيلم فهو يرقى بحق إلى الجهد المبذول فيه لذا ظل متربعاً فى مقدمة الأعمال السينمائية التى عرضت على مدى فترة الأعياد ومازال يحظى أبطاله ومخرجه بتكريمات من عدة جهات إعلامية وثقافية وسينمائية احتفاء بتميزهم فى هذا العمل الصعب الذى يمثل نقلة حقيقية فى مشوارهم الفنى مما يجعلنا نترقب ماذا بعد «الفيل الأزرق» سيبدعون؟! لقد انتصر الفن بتحقق المتعة للمشاهد على أيدى فريق العمل بالفيلم بقيادة المايسترو «مروان حامد» وفاح عبق الأفلام الأمريكية رفيعة المستوى من فيلم مصرى مبشراً بحدوث طفرة تصبو إليها سينمانا